مشروع «مارشال» عربي ــ دولي للحفاظ على اســتــقــرار لبـنــان


على تخوم الانتصار، يقف اللبنانيون اليوم. فللمرة الأولى في تاريخ الصراع العربي - الاسرائىلي تنسحب اسرائىل من أرض احتلتها نتيجة هزيمتها... وهزيمتها فقط.
للمرة الأولى، تتحول الشرارة التي بدأت بزيت مغلي ترميه نساء جبل عامل، نارا عاصفة قادها رجال المقاومة البواسل باللحم الحي لاستعادة الأرض وصون العرض، فكانوا أول الاستشهاديين في عرس التحرير.
للمرة الأولى، يتناغم رصاص الجنوبيين مع دعم كامل من السلطة اللبنانية، فلا يقمع مقاوم ولا يساوم على رأسه ولا تشرب الأنخاب في حفل خديعته... هي البطولة، انتصار للكرامة اذا أبت انكسارا، وشموخ للجباه السمر المؤمنة فعلا بأن من مات دون أرضه وعرضه فهو شهيد.
ولكن، على تخوم الانتصار غيوم سوداء، فقد يكون انسحاب اسرائىل بداية مرحلة وليس نهاية مرحلة. قد يكون جزءا من سياسة تخريبية للمحيط اذا أخطأ أهل المحيط في التقديرات وضاعوا في الحسابات وغابت الرؤية الواضحة عنهم.
الانتصار الحقيقي في لبنان هو الذي يصون لبنان من عوامل التفجير الداخلي، فلا تنجر فتنة وراء أخرى، ولا يسمح لظواهر مستقبلية بتحريض فئات وطوائف وتجييشها ودفعها الى أتون الصراعات، ولا يسقط اللبنانيون، فرادى وجماعات، في فخ الدولة العبرية التي ترى أن أفضل حام لحدودها التذابح بين الفئات خارج حدودها.
استقرار لبنان يعطي الهزيمة الاسرائىلية أبعادها الحقيقية، والعكس صحيح. واستقرار لبنان انتصار للعرب ولكرامتهم، بل هو في صلب مصلحتهم. وهذه المصلحة تقضي تحركا استثنائيا - وتحديدا من دول مجلس التعاون الخليجي - لتأسيس «مشروع مارشال» عربي - أوروبي - أميركي لإعادة إعمار لبنان وحفظ استقراره بدءا من الجنوب، الضحية العربية الأولى، وانتهاء بكل المناطق المحرومة والمحتاجة.
لماذا حديث المصلحة في استقرار لبنان؟ ولماذا دول الخليج؟
1 - من مصلحة الدول العربية عموما والغنية خصوصا، ان يشعر اللبناني، الذي صمد وحيدا بوجه أعتى آلة عسكرية طوال 22 عاما، أنه يكافأ بالوفاء ولو في حده الأدنى.
2 - ان عدم استقرار لبنان خلق ظواهر سلبية طالت عموم المنطقة، وتحديدا دول الخليج التي عانت من نتائج الحرب الأهلية والصراع العربي المحموم الذي رافقها وزادها اشتعالا. اذ صُدّرت عقائد بالقوة الينا ومورس الارهاب بشتى صنوفه وضلت مفاهيم الثورة والتحرير والوحدة طريقها بين شعارات «الرجعية» و«التقدمية» و«التحرر» و«التخلف»، ووصلت الينا هذه المفاهيم هدايا مفخخة وطائرات مخطوفة ومعسكرات تدريب وتظاهرات عنف وخطابات انقلابية... ولا حاجة للتذكير بأمثلة في كل دولة خليجية، ولا حاجة أيضا وأيضا للتذكير بأن من نفخ تلك النار باع شعاراته قبل صياح الديك وهرول الى اسرائىل، التي كان طريقها - في مفهومه - يمر تارة عبر الأنظمة العربية وطورا عبر تفكيك مجتمعاتها.
3 - استقرار لبنان هو عودة الى الدولة التي يمكن ان تكون النموذج النقيض لاسرائىل في النهضة الصناعية والتقنية والزراعية والمالية والتنموية، وفي التعددية والتعايش بين مختلف الطوائف والفئات. وهو النموذج الذي سيخفف الهرولة الى التطبيع عن حاجة أو عن انبهار.
4 - استقرار لبنان هو عودة لمصرف العرب وسياحتهم ومركزهم المالي ومشفاهم وجامعتهم. هو المنارة الثقافية والمنبر الحر والتجربة الرائدة المسؤولة في الحريات الإعلامية والسياسية، وهو ما يريده العرب جميعا مع دخولهم القرن الحادي والعشرين ومواجهة التحديات الزاحفة علينا بقيم جديدة.
استقرار لبنان مصلحة عربية، ومجلس التعاون الخليجي مطالب بأخذ المبادرة مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، حتى يبقى لنا نموذج جميل ولا تحقق اسرائىل في انسحابها ما عجزت عن تحقيقه في غزوها.
رئيس التحرير