ديموقراطية الكويت والنوازع العنصرية

تصغير
تكبير
حديث الديموقراطية أيضاً... يوقظه فينا جون ميجور، المبتعد عن المسرح المعترف بالهزيمة، المسرع إلى تسليم السلطة لخلفه والاستقالة من زعامة الحزب... لأننا خصوصاً لم نستوعب بعد معنى الديموقراطية. فظننا حلبة السفسطة والكلام وروايات الديوانيات تجربة فذة. وظننا أن مقالات الصحف، أي كلام، محكاً ودليلاً، واعتبرنا أن البرلمان منبر يختصر المفهوم والتجربة فانزلقنا إلى اللغو. واعتقدنا أن المزايدة تغني عن الإنجاز... وحديث الديموقراطية عندنا ككل حديث. للجهلة فيه نصيب أكبر من نصيب العارفين. وللمبتدئين اجتهادات أكثر من المجربين. ولا نتعلم. وكيف يتعلم من لا يقف وقفة تأمل وحساب مع الذات، ومن يظن أن فضله على الكون عميم، وان حريته نسيج وحدها، وسلوكياته كامرأة القيصر؟ لا مبالغة لو قلنا أنه لا يكاد يمر يوم من دون أن يتحفنا نواب كرام، من على منبر المجلس، أو من على منابرهم في الصحافة بدروس في الديموقراطية وأصولها وبنظريات في الممارسة، مثلهم مثل الكتاب المتجولين يبثون آراء أقل ما يقال فيها إنها عكس الديموقراطية وانتهاك صارخ لروحها إذ تنضح عموماً بالفوقية وأحياناً بالعنصرية، لو اكتفينا بهذين العنصرين فقط. وهي آراء باتت رائجة ومجالاً للتفاخر والكسب في حين انها تستحق الشفقة وطرح الأسئلة. ولماذا لا نقول الحقيقة؟ هل نجهل روح الديموقراطية؟ وهل نحن متعجرفون فوقيون أم لا؟ أغلب الظن أننا كذلك. لم نسأل أنفسنا يوماً أسئلة بسيطة. أليس اعتقادنا بأن أسلوبنا هو أصح أسلوب وأمثله في إدارة الشأن الاقتصادي، هو وراء عجزنا عن مجاراة دول مجلس التعاون الأخرى؟ أليس اعتقادنا أن اسلامنا هو أفضل اسلام، وراء غرقنا في قشور تعطل انفتاح مجتمعنا بدل تعميق فهمنا للإسلام والإيمان؟ أوليس اعتقادنا بأن الديموقراطية حق لنا وحكر علينا دون سوانا في هذه المنطقة وراء استغرابنا للانتخابات في اليمن واعتقاد بعض «حراس» الديموقراطية أن الانتخابات فيها توازي لا انتخابات؟ والأمثلة كثيرة ولا مجال للتعداد. ماذا أيضاً؟ من الفوقية ووهم الثقة المفرطة بالنفس والفرادة، عنصرية واضحة لا تخفيها المنابر. بعضها لا يميز بين شعوب وأنظمة، وبين أصدقاء فعليين وأعداء طامحين، وبعضها لا يستحي من التنديد بالعمالة الوافدة معتبراً أن الشعوب وجدت لتأييدنا عند الطلب وأن هذه العمالة يجب أن تخدمنا مجاناً في حين لا نريد خدمة أنفسنا. وكأننا نعطي الكون كل يوم اكتشافاً وأبحاثنا تدرس في أرقى الجامعات، بينما نحن لم نخترع إبرة ولا حبة اسبرين... ولا تتراكم أحاسيس العنجهية ومشاعر العنصرية لولا خلل ثقافتنا وتأصل السيادة والعبودية في نفوس وسلوك معظم أبنائنا الذين أفاقوا على ترف الوظائف الحكومية، بل قل البطالة المقنعة، والسيارات الفارهة وجيش الخادمات. أليس كذلك؟ ثم نتحدث عن الديموقراطية. لا ندري أن الديموقراطية تربية وثقافة وسلوك وإيمان عميق بتعميمها. فلا يمكن أن نكون مع الديموقراطية في الكويت وضد الديموقراطية في اليمن. وحين نتحدث عن الانتخابات نعني الحد الأدنى من الحرية في التعبير وتعدد الآراء واحترام الدساتير والقوانين. ولا نعني في أي حال عمليات الاستنخاب تجريها ديكتاتوريات تحن إلى اتحاد سوفياتي بائد أو تبتدع أساليب بحجة الخصوصية والفرادة والقضايا الكبرى. حديث الديموقراطية. نعم. هو مُلحٌ وضروري. لأننا نحن الكويتيين أكثر من أي شعب من شعوب العالم العربي، في حاجة إلى التفكير العميق بمعنى وجودنا كشعب وكدولة. وفي حاجة ماسة إلى إعادة النظر في ثقافتنا الديموقراطية وفي دورنا، ليس لممارسة دور يفوق حجمنا، بل لإبراز البعد الحضاري والإنساني في تجربتنا. فالعالم أنقذنا قبل سبع سنوات لأننا نملك المال، وواجبنا الآن أن نفكر بتطوير انساننا وتجربتنا الحضارية لنعطي عملية الإنقاذ بعداً أكثر من مادي ومصلحي، وليبقى العالم معنا بعد أن نفرض أنفسنا حاجة للديموقراطية وأصحاب دور، كبير في تواضعه، عميق في تجربته وانسانيته، بدل أن نبقى أسرى أحقادنا وفوقيتنا ونزعاتنا العنصرية، تفسح المجال للانغلاق والتعصب، وبدل اعتقادنا بأن النفط يغني عن الديموقراطية وبأن السفسطة بديل من الحقيقة والمعالجة الرصينة، ولئلا نبقى عائمين على بحر الكلام، لا نعرف أصول الحديث، ولا نتعلم من حرائق التجربة. رئيس التحرير
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي