حقوق الإنسان وحقوق القضاء


حسناً فعلت الحكومة بدعوتها سفراء دول صديقة وشقيقة لزيارة السجن المركزي والاطلاع على احوال السجناء فيه خصوصاً الاردنيين. وتُشكر وزارة الخارجية على سرعة مبادرتها لجلاء الحقيقة ووضع حد للغط الذي ساد وللاتهامات التي اطلقت في عمان وغزة عن ان المعتقلين تعرضوا للضرب ولقسوة المعاملة.
والمبادرة كانت ضرورية لأسباب عدة. اهمها ان الكويت بلد يتمتع بسجل نظيف في منظمات حقوق الانسان، ويجب ان يبقى هذا السجل ناصعاً، من اجل صورة الكويت في الخارج وعلاقاتها مع الدول والأنظمة الديموقراطية التي تنسج معها تحالفات وترتبط معها باتفاقات دفاعية وأمنية، وهي دول تشدد على احترام حقوق الانسان وتطبيق القوانين.
والمبادرة كانت ضرورية لسبب مهم آخر هو ان الكويت بلد عربي يجب ان تتجه علاقاته مع الدول العربية، حتى تلك التي تم تصنيفها على انها «دول الضد» نحو التحسن وطي صفحة الماضي. فلا يجوز توسيع شقة الخلاف معها او السماح بنشوء مواضيع جديدة تنكأ الجروح، فلا الإساءة يجب ان تبادل بالإساءة ولا يبنى مستقبل على الأحقاد خصوصاً ان الكويت، مجتمعاً ودولة، بنيت على التسامح .والتسامح المطلوب ليس ذلك الذي يتحول خنوعاً ورضوخاً لكنه ذلك الممزوج بالكبرياء والرفعة والنظر الى المستقبل.
وفي المناسبة يجوز التذكير. فمنذ ما قبل الغزو كانت الكويت واحة لديموقراطية مستمدة من ديننا وتسامحه، ومن أسلوب حياتنا ومن تطور مجتمعنا وطبيعة شعبنا ونظامنا. وأثناء الغزو وعد سمو الأمير في مؤتمر جدة الكويتيين بمزيد من الديموقراطية والحريات واحترام فصل السلطات، ونفذ الوعد. واثبتت السنوات الست الماضية ان لا تجاوزات في الكويت على القانون وان اي تجاوز يعد من باب الاستثناء.
ولأن الكويت تقف على هذه الأرض الصلبة، فإنها لا ترى عيباً في دعوة الديبلوماسيين للتحقق من حال السجناء وحقوق الانسان، ولا تعتبر هذه الدعوة امتهاناً للعزة الوطنية ولا لكرامة الشعب. لكن لنا ملاحظة اساسية. وهي ان تسامحنا وعلاقتنا ووضعنا الحساس يجب الا تحولنا دولة مكشوفة لا خصوصية لها ولا اسرار، ولا قدرة لها على امساك نفسها والتشبث بموقفها واثبات صدقيتها دون تقديم البراهين.
جميل ان تبادر الحكومة الى دعوة الديبلوماسيين لكن السيئ في الأمر ان تتصرف وكأنها متهمة او كأن الاجهزة الأمنية الكويتية تنتهك حقوق السجناء وتتصرف بعنصرية او كأن القضاء غير ذي حرمة يحتاج الى فرق تفتيش تداهمه لتتثبت من انه مستقل ونزيه. فبمقدار ما نريد ان تتثبت الدول من احترامنا لحقوق الانسان بمقدار ما يجب علينا تحصين القضاء ونزع الشكوك من حوله والحؤول دون الطعن به، فهو من مكتسبات الشعب الكويتي وليس ملكاً لأهل السياسة والسياسيين حين يفقدون الثقة بالنفس مرتجفين عند اول اتهام.
اهلاً بالديبلوماسيين يزورون السجن المركزي وحبذا لو يستطيعون زيارة كل سجن عربي. ففي زيارتهم للسجناء الاردنيين والفلسطينيين تطمين ليس لأهالي هؤلاء فقط بل للكويتيين ايضاً ان حقوقهم لن تنتهك مستقبلاً وان تقاليدهم ستستمر وتتعزز بالشفافية، فاحترام حقوق الانسان لا يتجزأ وانتهاك حقوق الانسان لا يتجزأ ايضاً.
تُشكر الحكومة على سرعة المبادرة. وتشكر على ردودها الفعالة على الاتهامات. لكن الأهم من كل ذلك ان تتصرف بهدوء فتحاسب المسؤول لو ثبتت الاتهامات وترد الرد المناسب لو ثبت بطلانها. وفي كل الحالات ان تتصرف بما تقتضيه مصلحة الوطن ومبادئ العدل والفصل بين السلطات والثقة بالنظام وبالمؤسسات. وعندها لا ضرورة لجلد الذات لإثبات براءة او لنفي ادعاءات.
رئيس التحرير