انعدام المسؤولية وخطر الهدم من الداخل

تصغير
تكبير
ليس من عاقل إلا ويدرك أن الكويت تمر في مرحلة حرجة من تاريخها. وليس من مواطن صالح إلا ويعرف أن في الحياة الوطنية أولويات، وأن التفاصيل الصغيرة المضرة لا تصلح لأيام صعبة يطرح فيها أحياناً مصير البلد وحدود البلد ومصير الشعب ومستقبل الأجيال القادمة. لكن ما يحصل على الساحة الآن يجعلنا نتساءل: هل خلت الكويت من عُقّالها لا يستطيعون ردع المفتنين، أو من شيبها ينسون اسداء النصيحة، أم أنها صارت نهباً لمن لا يرتدعون ولا يسمعون؟ يعلم كل كويتي أن هناك من يضمر الشر للكويت، وأن الخطر المحيق بالبلاد ماثل ومتمثل في نظام بغداد، وأن قضايا رئيسية عدة لم تحل، غير أن الخطورة أن يعزف الداخل على لحن الإساءة عن قصد أو غير قصد، وهو ما يصنف في خانة الجهالة أو الغباء أو الخبث اللئيم. بوضوح شديد، فإن السلطات الثلاث، التشريعية والتنفيذية والقضائية، عرضة منذ فترة لعملية الهاء وإرباك، إن لم نقل عملية تسخيف وتعطيل. فمجلس الأمة يمضي شهوراً في الشبهة الدستورية، ويضيع أسابيع في قانون منع الحفلات، وتمضي ساعاته في مناظرات أغلبها استعراضات كلامية ومداخلات تفتقد الحد الأدنى من احترام الموقع والوقت واحترام المواطنين أصحاب الفضل في وصول من وصل الى الندوة البرلمانية. وليست السلطة التنفيذية أحسن حالاً بكثير. فبدل التخطيط وتحديد الاستراتيجيات واتخاذ القرارات الحاسمة، كنا شهوداً على مواضيع الالهاء ابتداء من جدل دول الضد وانتهاء بإزالة العشيش او قضايا الجواخير أو مشاكل دراكيل الصلبوخ. أما السلطة القضائية، فيكفيها الهزة التي تعرضت لها قبل أيام، والشكوك التي تناولت وكلاء النيابة في رسالة موقعة من وزير العدل. كل ذلك يندرج في مسلك إقحام المؤسسات الثلاث في قضايا بعيدة عن عادات وتقاليد وسياسات المجتمع. وهو إرباك مقصود كان يمكن غض الطرف عنه لولا أنه تجاوز الخط الأحمر ووصل الى حد التشكيك في صدقية القضاء وفي نزاهة سلطة هي الملجأ الأخير لكل الناس وضمانة لدولة القانون ولاحترام الدستور. لا نوجه التهمة الى احد. لكننا نتهم حالة من ، ومن الأنانية، تطلق فقاعات سامة بين الحين والآخر، لتصيب المجتمع في صميم خصوصياته وتبدأ في نخر أساسات المجتمع ومقومات استمراره المتمثلة في مؤسسات بناها بعرقه وكفاحه، وفي تقاليد توارثها، هي أبعد ما تكون عن التزمت الناشئ او عن التكالب على الربح غير المشروع وعن الاستهتار بالقيم. وهي الحالة نفسها التي أقحمت الصحافة في معارك طاحنة استنفدت جهداً وطاقة، وجعلت مجتمعنا يقف مكشوفاً في وقت هو في أشد الحاجة الى ظل المؤسسات والحصافة والحكمة والهدوء في تناول قضاياه. نعلم ان الكويت على امتداد تاريخها تعرضت لمحن ومصاعب ترقى الى مرتبة الكوارث، وتمكنت دائماً من الخروج من هذه الأزمات العصيبة أشد قوة وتماسكاً بفضل مجتمع يترابط نسيجه وقت المحن، ومن إيمانه يستمد وسائل الصمود والقوة. لكننا اليوم نبدو لاهين عن همومنا، مستهترين بوحدتنا وبوجوب تلاحمنا، متناسين ان الهدم من الداخل اكثر ضرراً وأشد ايلاماً من الهدم من الخارج. لذا فإننا نطلق صيحة تحذير يجدر بكل عاقل ان يسمعها لتلافي العواقب. وحبذا لو يتكاتف حكماء هذا البلد وعقلاؤه بالالتفاف حول حكيمه للبدء ببناء سور جديد نحصن به نفوسنا ضد محاولات النخر من الداخل وضد مفتعلي القضايا الخاسرة والمحرضين على الفرقة والنافخين في الكير. رئيس التحرير
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي