إعادة التقويم ومواجهة خطاب السذاجة والخداع


التطورات التي حصلت في المنطقة منذ أزمة المفتشين الدوليين في العراق تفرض على الكويت تقويماً دقيقاً لمسار تلك الأزمة وما آلت إليه من نتائج سواء على مستوى العلاقة بين الأمم المتحدة والولايات المتحدة من جهة وبين العراق من جهة أخرى، أم على مستوى ما تفرع عنها من تطور في علاقات بغداد مع أكثر من عاصمة دولية وعربية خصوصا مع القاهرة ودمشق، من دون أن ننسى تصريحات الشيخ زايد بن سلطان عن صدام، النابعة من نية سليمة، لكننا لا نتفق معها.
وفي هذا الاطار لا بد من الاعتراف بان ما حققه العراق في الأزمة حتى الآن ليس قليلاً. بل يجب الإقرار بان نظام صدام سجل اختراقاً دولياً في مجلس الأمن من خلال موقف موسكو الداعم وموقف باريس الملتبس والانتهازي، مثلما حقق «انجازاً» على المستوى العربي من خلال استقبال طارق عزيز في القاهرة ودمشق ومن خلال تصوير الأزمة وكأنها صراع بين الأمة العربية والمتآمرين عليها أو بين الإسلام والمتربصين به أو بين الشرق المستضعف والغرب المستكبر.
وقفت الكويت في الأزمة موقفاً عاقلاً وحازماً في آن واحد. عرفت ان الرياح لا تهب في صالح ضربة تأديب لصدام، ففضلت التزام الحذر، خشية الظهور بمظهر المحرِّض. وهي في الحقيقة، وإن كانت تتمنى نهاية صدام اليوم قبل غد، فإنها لا تريد ضرب العراق ولا شعب العراق، مثلما لا تستطيع الحياد حين يتعلق الأمر بأزمة بين النظام العراقي والأسرة الدولية. غير أن هذا الموقف الحكيم بدا وكأنه محاولة لإنقاذ النفس من عزلة سياسية متوقعة، خصوصا ان الاجماع العربي حوله غير معقود والاجماع الخليجي الذي ظهر في مؤتمر وزراء خارجية مجلس التعاون اطار عام وفضفاض. هكذا بدت الكويت وكأنها نجت بنفسها من الحصار السياسي أو كأنها حنت رأسها كي يمر الاعصار.
في موازاة ذلك، كان يتطور خطاب عربي رسمي وشعبي يأخذ منحيين، أو بالأحرى هو خطاب واحد ذو شقين:
الأول يتحدث عن شعب العراق وأطفال العراق ومعاناة الأبرياء، والثاني يعاود الكلام عن سياسة الكيل بمكيالين. وإزاء خطاب من هذا النوع، عفوي شعبوي أم خبيث، انزلق بعض الكويتيين جمهوراً وكتاباً إلى تعاطف ساذج غير مباشر لا يميز بين السياسة والعواطف ولا يفرق التناقض الرئيسي عن التناقضات الثانوية، علماً أن التناقض الرئيسي الذي هو موضع اجماع الكويتيين قائم بين الكويت شعبا وكياناً ودولة وبين العراق قيادة ونظاماً وسياسة. ومع الأسف انزلق آخرون إلى لغة التحريض والتشفي وإلى الردح غير المفيد.
تفرض الواقعية على الكويت الآن، من أعلى سلطة إلى أصغر مواطن، وعي أن شيئا تغير في الأزمة بين العراق والكويت، وأن رياحا هبت، لو استمرت، فإنها لن تكون في مصلحة البلاد لأنها رياح سموم، حساباتها معقدة، وحسابات الدول والمصالح الذاتية فيها أهم من الأمة والمبادئ، ولأن العراق والكويت فيها هما جزء من سياسة أكبر وأكثر تعقيداً.
لا طريق أمام الكويت والكويتيين في هذه الحال إلا التمسك بوحدة الموقف وبالتلاحم بين الشعب والدولة. ولا مفر إلا بالتمسك بالثوابت وأهمها تشديد الحصار على نظام صدام والتأكيد على رفض التعامل معه. والأولوية للمواجهة السياسية والإعلامية في كل المحافل الدولية وخصوصا في مواجهة خطاب «عروبي» بعضه معادٍ وبعضه مائع أو مخادع.
وهنا على الكويت أن تعيد صياغة خطابها وعلاقاتها في شكل حازم وواضح. فالمسألة مسألة مصير ولا تتحمل التأجيل أو التسويف. ولن تفيد، بالتأكيد، سياسة النعامة وإخفاء الرأس في رمال الأزمة المتحركة.
رئيس التحرير