الــدهـــر يـــومــــان


ليس ناصر الروضان الأول ولن يكون آخر وزير يستقيل. فالدهر يومان: يوم لك ويوم عليك، ولن يكون المنصب العام أقوى من الدهر. غير أننا نرفض الشماتة ولا ننتهز ضعف الآخر لنجهز عليه ولا الفرصة لندعي أننا وحدنا وراء استقالته. فالروضان أمضى أكثر من عشر سنوات في الحكومة، أصاب وأخطأ، أجاد أحياناً ولم يُجد أحياناً أخرى. ولا ينفي الخطأ أنه لم تكن للرجل بصمات إيجابية في مسيرة العمل الحكومي طوال عقد من الزمن وأكثر.
ولكي نضع الأمور في نصابها نقول بثقة تامة وصراحة إننا استهدفنا الوزير ولم نستهدف الشخص وانتقدنا الأداء والممارسة ولم ننزلق إلى المهاترة ولم ننزل بمستوى النقد إلى الصغير من الأهداف. فنحن كصحافة ونحن كصحيفة واجبنا النقد قبل المدح، ومراقبة الأداء قبل التورط في المعارضة أو الإطراء. ولأننا لسنا وحدنا من اعتبر أن أداء الروضان في وزارة المالية كان سلبياً خصوصاً في مجالات الاستثمارات والمؤسسات التابعة للوزارة، قلنا علناً بوجوب رحيله، وعكسنا بذلك رأينا ورأي شريحة واسعة من الرأي العام. ولأننا وقفنا بصلابة تعرضنا لسهام التشكيك والضغوط عبر الادعاء بأن مشكلتنا مع الروضان شخصية وأننا ننطلق من مصلحة خاصة أو أننا نعكس الخاص على العام. غير أن ذلك لم يثننا عن موقفنا فتابعنا الانتقاد ووضعنا خلف ظهرنا القيل والقال. وللتذكير فقط فإننا بعد محاولة اغتيال النائب عبدالله النيباري واستدعائنا للشهادة في قضية الاتصال الهاتفي الشهير لم نخلط الأشياء إذ سُئلنا: هل نعتقد بعلاقة بين الروضان ومنفذي محاولة الاغتيال؟ فأجبنا بالنفي، ونطـقنــا انطــــلاقاً من قناعاتنا وانسجامـــــاً مـــع واجباتنا المهنــية. وللحقيقة، نسجل أننا طوال فترة انتقادنا أداء الروضان لم نتعرض لضغط من الحكومة ولا لتمنٍّ هو بمثابة الأمر، بل تصرفنا بحرية أدركنا خلالها معنى الديموقراطية في الكـــويت وحرص الحكومة عليها وعـــلى جوهــــرها وعلى مبدأ الفصل بين الســلطات، وهي الديموقراطية التي تميز الكويــت وتقـــوي اللحُمة بين السلطة والشعب.
انتقدنا الروضان ولم نتحامل عليه. لكن انتقاداتنا له لا تعني أن الرجل ليس صاحب خبرة. فنحن نعتقد أنه كسب خلال السنوات الثلاث عشرة الماضية خبرة في العمل الحكومي وخبرة في العمل السياسي قد توظف لمصلحة البلد لو ترشح لمجلس الأمة، وعندها سيكون موقفنا منه مستنداً إلى برنامجه وغير شخصي أيضاً.
يستقيل ناصر الروضان. لا نذرف الدمع ولا نتأسف. لكننا نؤكد أننا لم نبتغ سوى النقد البناء، لم نهدف إلاّ إلى تسليط الضوء على خلل يجب ألا يستمر، وهو صلب واجبنا، وخلافه قصور ومداهنة وتخاذل لا تليق بالصحافة ولا بدور الصحافة... والدهر يومان.
رئيس التحرير