الأسير والأمير... قضية وأمانة

تصغير
تكبير
بين الوجوه العائدة مكللة بنصر حققه «الأزرق» رافعاً رأس الكويت، كان وجه واحد وحيد غائباً حاضراً. هو نفسه الذي كان غائباً حاضراً يوم الفرح الكبير بالتحرير واستعادة الأرض والكرامة. هو وجه الأسير، الشهيد الحي، قابعاً صامتاً في زنزانات الطاغية أو معانياً متأوهاً في سجون نظام القهر والاستبداد في بغداد. في عرس النصر الباهر في «خليجي 69»، لا أحد يريد تعكير زرقة الفرح ومزاج الكويتيين. غير ان الدمعة في العين الحائرة تختبئ ولا تختفي، والتنهيدة في صدور الأمهات الصابرات لا تكبتُ آهها. هذه تفتش عن ولدها وتلك عن زوجها، وأخريات يفتشن عن شقيق أو حبيب. في غمرة الفرح بالفوز يتذكر الكويتيون الفرحة الكبرى وتتذكر أم الأسير الغصة الكبرى. فلمن تشكو ومَن تناشد إن لم تشكُ إلى صاحب السمو، ومن تناشد إن لم تناشد أب كل الكويتيين ونصير كل طالب حق؟ وبعد... ماذا يمكن لأم الأسير أن تقول للأمير؟ نعلم يا صاحب السمو ان قضية الأسرى هي قضية الكويت الأولى. وهي وإن خَفَت وهجها في الظاهر، فان نارها مشتعلة أبداً في صدرك. فأنت منذ التحرير وقفت وقفة الوالد. وشاركت أهل المقهورين حزنهم وأملهم. وترجمت ذلك عملياً. فلم تحضر الأفراح ولا الاحتفالات تضامناً. وأنت مشكور أيّما شكر. ونعلم يا صاحب السمو أنك أعلنت مراراً ان قضية الأسرى أمانة في عنقك حتى عودتهم الموعودة لتستريح نفسك وتطمئن قلوبنا، فلا يستطيع أحد انكار الجهد الذي بذلتموه من أجل عودة المرتهنين والعثور على المفقودين، مثلما لا يمكن لامرئ إلا أن يقدر جهود من تولوا تلك القضية من أعلى موقع إلى أصغره. لكن... لا بد من جملة ملاحظات: في طليعة الملاحظات نداء من القلب صادق وحار. أن تبقى قضية الأسرى قضية انسانية بحتة. فهي لا تحتمل منازعات ولا مزايدات سياسية. ولا يجوز أن تكون محل تجاذب بين أطراف. تارة للظهور بمظهر المدافع الوحيد وطوراً لتحقيق مكاسب انتخابية أو آنية أو دعائية خالصة، ودائماً بعيداً عن روح المسألة وعن جوهر العمل الانساني والهدف الأساسي، وهو عودة الأسرى إلى أهلهم وعودة البهجة إلى عيون الملتاعين. ومن هذه الملاحظة استنتاج بسيط، وهو انه لا بد من السرية في التعامل مع موضوع الأسرى. ففيه تفاصيل دقيقة، ومعلومات يفترض أن يتم الحصول عليها من مصادر لا ترغب في كشف نفسها، وفيها أرقام وأسماء لا مبرر لنشرها علناً ولوضعها في سوق المزايدة والمزاد، في الصحافة ولو كنا جزءاً منها، لكن خصوصاً في مجلس الأمة حيث نحن مقبلون على الافتتاح الفعلي لجلسات يُتوقع أن يتبارز فيها ممثلو الشعب، ويتوقع أن يستعرض فيها كل فريق عضلاته البلاغية والكلامية خصوصاً بعض الأعضاء الجدد في التمثيل، وبعض المستجدين في السياسة أصحاب الحظوظ حملتهم إلى تحت القبة وربما ظنوا أنفسهم في سوق عكاظ. من هنا. أبسط المطالب توحيد الجهود ولمُّ شمل كل من يتعامل بقضية الأسرى، من لجنة رسمية أو لجنة نيابية أو لجان شعبية أخرى، تحت سقف تجمع واحد يؤطِّر الجهود سواء كانت رسمية أم شعبية لضمان أداء أفضل وتحقيق نتائج بات لزاماً على المهتمين بموضوع الأسرى تحقيقها. فالعمل لفك قيد أسرانا يجب أن يكون منظماً مثلما انه ليس حكراً على طرف أو فئة. لذا لا بد من تطوير مفهوم الجهة المشرفة على القضية ليشمل جميع اللجان العاملة في هذا المجال مع ضرورة أن تضم جمعيات أخرى مثل الهلال الأحمر الكويتي وجمعية الخريجين على سبيل المثال وليس الحصر. ولتحقيق الغاية، ضروريٌ أن يترافق توحيد الجهد مع الاستفادة القصوى من المصادر المتاحة لمؤسسة الكويت للتقدم العلمي وخصوصاً المصادر المالية لدعم قضية أسرانا اعلامياً على وجه الخصوص. وفي هذا الاطار لا بد من التركيز على الاعلام الخارجي ودوره الفاعل في التأثير الايجابي في هذه القضية وفي تطوير التضامن مع قضية الكويت الأولى والاستمرار في تحريك الرأي العام العربي والدولي وتحفيزه. يا صاحب السمو أن نتوجه اليك باسم أمهات الأسرى، فلأن القضية كبيرة وخطيرة. كبيرة بقدر محبتك لشعبك، وخطيرة بحجم الأخطار المحدقة بوطننا وبحجم الآمال المعلقة على شخصكم للوصول بالسفينة إلى شاطئ الأمان. فيا صاحب السمو وعدت بأن تكون القضية أمانة في عنقك، ووفيت بالوعد. لكن لا بد من تدخلك الحازم لتصويب مسارها بالتعاون مع المكلفين قيادتها لقطع دابر القيل والقال والكف عن الاتجار بالقضية الأهم. وكلنا أمل بأن يتسع صدرك للملاحظات لتتابع تحمل عبء هذا الموضوع، فتُبلسم جروحاً نازفة وتمسح عيوناً دامعة ولنفرح بالفوز والنصر ليس فقط حين يربح الأزرق بل حين ننسى الأصفر شرائط ووجوهاً، مرة واحدة والى الأبد، لتبقى كويتنا أرضاً حرة وقراراً حراً ومواطنين أحراراً. رئيس التحرير
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي