الثاني من أغسطس ... دروس وعبر


يحق للكويت في الذكرى السابعة للغزو العراقي المشؤوم ان تخرج من حال الغضب والتحسر إلى حال الهدوء والتبصر. ويحق للكويت التي اكتوت بنار الغزو ودفعت الثمن غالياً، شهداء وأسرى وأموالاً، ان تقف وقفة تفكير لاستخلاص العبر واستخراج دروس للمستقبل. ولن نتعلم اذا لم نسترجع الماضي، نبحث فيه عن المضيء لنستشرف المستقبل، بلا سقطات، ولا أخطاء مميتة.
من أنصع صور الذكرى المؤلمة تجربة لا بد لنا من تسليط الضوء عليها احقاقاً للحق واعترافاً بفضل من كانت لهم اليد الطولى في نجاحها، وهي تجربة إدارة البلاد من الخارج. فلا احد ينسى كيف ان القيادة الشرعية، بعد نجاتها بمعجزة الهية، تمكنت من ترتيب امورها واستلام زمام القيادة بمعاونة المخلصين الشرفاء من أهل الكويت، وانطلاقاً من ارض المملكة العربية السعودية الشقيقة. ولا يزال الكويتيون يذكرون كيف تم في وقت قياسي التعامل مع كل العوامل الطارئة، من ادارة شؤون البلد المحتل وتوفير كل ما يحتاجه الصامدون، الى تدبير امور مئات الآلاف من الكويتيين خارج البلاد، وصولاً الى حشد القوى العظمى وكل القوى الصديقة تحت راية الأمم المتحدة للبدء في معركة التحرير. وكانت تلك بالفعل تجربة فريدة في عالمنا المعاصر خاضتها القيادة بنجاح كبير رغم بعض الهفوات ورغم قيام البعض باستغلال المواقع والظروف... والانتهازيون موجودون دائماً. من هنا وجوب ان نذكر التجربة اعترافاً بفضل من قام بها، وداعين إلى تدوينها وتوثيقها لتكون مرجعاً في المستقبل وأحد الإنجازات الكويتية المشهودة.
وإن نذكر الماضي والصفحات المضيئة في كتاب الغزو الأسود، فإننا لا ننسى البشاعات، ولا الجرائم التي ارتكبها الاحتلال، مثلما لا ننسى الأصدقاء والأشقاء، وجميع من كانوا نصراً للكويت وعوناً لها في معركة الحق والكرامة، غير أننا وبعد سنوات سبع تغيرت فيها المعطيات، ودخلت خلالها المنطقة العربية ومنطقة الخليج تحديداً في تطورات وظروف جديدة، لا بد لنا من الاستعداد للمرحلة المقبلة. مرحلة يعود فيها العراق تدريجياً الى الحظيرة الدولية، مع صدام او بدون صدام. وهي مرحلة لا يخفى على لبيب ان ملامحها بدأت في الارتسام وان طرقها بدأت تنفتح ولو بخفر وأننا لسنا في موقع من يستطيع وقفها. لذا لا بد لنا ان نكون جاهزين على كل المستويات. وواجبنا مطالبة الحكومة بأن تكون شديدة الوضوح مع الشعب. فتشرح له كل ما يمكن إعلانه من الخطط، وتضعه أمام الحقائق والمسؤولية، فيشترك كل مواطن في القرار وفي تحمل الأعباء والتبعات. والمواطن الكويتي الذي صقلته تجربة الاحتلال بات واعياً، وهو أهل لذلك وأهل لتنكب المهمات.
في الواقع مهما تذكرنا الماضي وفكرنا في المستقبل، فإننا يجب ألا يغيب عنا ولو للحظة واحدة أن الأسرى هم شهداؤنا الأحياء، وهم أمانة في أعناقنا لا يجوز أن نرضى بأي تسوية قبل تحريرهم وجلاء مصيرهم، وهم تجسيد حي لكارثة الغزو المشؤوم. كارثة يجب ألا تنسى والا تمحى من الذاكرة بحجة الغفران والتسامح، بل يجب ان تحفر فيها كي نتجنب كوارث مماثلة ونتعلم من دروس الماضي، وهي كانت قاسية ومؤلمة. فهل نتعلم؟
رئيس التحرير