السفــر إلـــى قــطــر


لا شك أن الكلام عن زيارة وزير الإعلام لدولة قطر بغية الاحتجاج على ما بثه تلفزيون الجزيرة من مواقف معادية للكويت كلام خطير جداً. فالكويت التي تؤمن بالديموقراطية وتمارسها على المستويات كافة يجب أن تكون عنصر تشجيع لممارستها في أي بلد كان وليس عنصر منع أو ردع حتى ولو كانت المواقف مناهضة لمواقف الكويت ولتوجهاتها. فأول الديموقراطية هو الحوار. والحوار يعني الاعتراف بالآخر واحترام وجهة نظره وتقبل النقد.
قد يثير هذا الرأي بعض المتحمسين الوطنيين أو بعض المزايدين المبالغين، لكن الواجب يفرض القول أن الكويت بالممارسة وبتجربة الغزو المشؤوم بلغت مرحلة النضج فلا تخشى رأياً مضاداً ولا تهجمات سخيفة وتستطيع ببساطة مقارعة الحجة بالحجة.
نخاف من برنامج تلفزيوني في قطر. لا بل تدفعنا الحمية إلى الزيارة للاحتجاج وكأننا دولة من ورق تخشى هبوب النسمات أو كأننا لا نملك فكراً ولا موقفاً ولا تاريخاً ولا مررنا بأقسى الامتحانات، أو كأن حقنا في أرضنا وبلدنا مشكوك فيه.
إلى قطر نستعجل السفر. وكأن الكويت لا تحتمل برنامجاً تبثه قناة فضائية بين عشرات القنوات أو كلام صحافي له رأيه ويجب أن تكون له حريته في التعبير. أم ترانا لا نريد لقطر ما نريده لأنفسنا من حرية تعبير لا تعرف أحياناً الحدود ولا اللياقة؟ وإذا نسي كثيرون فإننا لا ننسى كيف درجنا في الكويت على كل المستويات الرسمية والإعلامية والشعبية على انتقاد دول الضد وزعمائها. ولم نتورع عن وصفهم بأبشع النعوت وبما يتجاوز حدود النقد والكتابة والصحافة. وها نحن الآن لا نقبل أن ينتقدنا صحافي أو تتناولنا قناة فضائية تدخل بعض البيوت عبر الأقمار الاصطناعية.
برنامج «الاتجاه المعاكس» موضوع الاحتجاج هو نفسه الذي استضاف في وقت سابق كويتيين ومعارضين للكويت إبان انعقاد القمة الخليجية في الدوحة. وتمكنت وجهة النظر الكويتية من البروز والرد بقوة وحكمة ورزانة على الوجهة الأخرى فهللنا وصفقنا. لكننا بالأمس القريب حين عجزت وجهة النظر الكويتية إما لضعف التعبير أو لضعف القدرة على المحاورة غضبنا ورحنا نطالب القطريين بوقف البرنامج. فأين نحن من الديموقراطية وأين نحن من احترام الرأي الآخر؟
أول استنتاج نخرج به من الإسراع إلى الاحتجاج وضيق الصدر بالنقد هو أننا رغم تمسكنا بالديموقراطية نجهل روحها. ورغم ايماننا بالحرية فإننا لم نستوعب متوجباتها ولم تصبح بعد جزءاً من نسيج حياتنا، وإلا كيف نرتضي للغير ما لا نرتضيه لأنفسنا؟
نخطئ نحن الكويتيين لو اعتقدنا أن ديموقراطيتنا في الخليج نسيج وحدها ويجب أن تبقى كذلك، ونخطئ لو ظننا أنها امتياز يجب أن ننفرد به. وحبذا لو أدركنا ان الديموقراطية عدوى لكن اللاديموقراطية عدوى أيضاً. وكلتاهما تتسابق ومصلحتنا في أن تُعمم الديموقراطية وليس أن تُكمم الأفواه وتلغى البرامج السياسية «الحساسة» ويمنع أصحاب الرأي الآخر من التعبير بحجة اختلاف وجهات النظر. فلماذا السفر إلى قطر؟
رئيس التحرير