انتخابات يمنية... لِمَ لا؟

تصغير
تكبير
تبقى الانتخابات اليمنية التشريعية، مهما يقال فيها، حدثاً مهماً ذا دلائل وانعكاسات على اليمن وعلى دول المنطقة، ليس لأسباب معقدة، ولا لأسباب تتعلق بالنظام اليمني والأنظمة العربية الأخرى، بل لسبب بسيط وهو أنها جرت، وفي حضور مراقبين. ومجرد حصول الانتخابات في عالمنا العربي حدث يجب أن يحظى بالاهتمام. فالمسؤول عموماً يكره كلمة انتخاب لأنها تذكره بما يريد محوه من الذاكرة وبتداول السلطة وبالمراقبة وبحق المعارضة والاعتراض. وهي بديهيات مقلقة عموماً لأن فيها أسئلة عن الرأي الآخر والحريات وموازنة الدولة وطريقة الإنفاق والأولويات. وربَّ قائل ان الانتخابات في عالمنا العربي لا تغيّر شيئاً. فهي تجري عموماً في ظل حال طوارئ معلنة أو حال شبيهة غير معلنة، أو في ظل ضغوط أمنية وإغراءات مالية وتحالفات مفروضة ومركبة تجعل من اللعبة الديموقراطية ألاعيب، ومن الاستحقاق الدستوري محنة للقانون والدستور. وليس في هذا القول تجنٍ على أي نظام عربي. والأمثلة البعيدة والقريبة شاهدة على استفتاءات نتيجتها أكثر من 99 في المئة أو على إلغاء الانتخابات أو التمديد للرؤساء أو تعديل للدساتير لمصلحة أشخاص يعتبرون أنفسهم منقذين، وان الله الذي خلقهم لم يخلق أحسن منهم أو أكثر أهلية لتبوؤ المناصب وسوس الناس. لم تأت نتائج الاقتراع بمفاجآت، فالمعارضة ممثلة خصوصاً بالحزب الاشتراكي وتجمعات الجنوب قاطعت. والمنافسة حصلت بين أهل البيت والذين يدورون في فلكهم. وعلى رغم ان قرار المعارضة مقاطعة الانتخابات له أسبابه الوجيهة، فإن لهذا القرار في الوقت نفسه مساوئ أهمها ترك الساحة مفتوحة للسلطة وأحزابها والمساهمة في شكل غير مباشر في تعميم نفوذها. فقرار المقاطعة، بما هو حق ديموقراطي، محاولة ضغط لثني الممسك بالقرار عن اجراء الانتخابات في ظروف معينة أو في ظل قانون انتخابي معين. والأمر يصح في الدول الديموقراطية ذات التقاليد، التي تجعل صاحب القرار يراجع ضميره في شأن خطأ تم ارتكابه أو إخلال في الثوابت الوطنية يجب الرجوع عنه. أما في العالم العربي والعالم الثالث عموماً فإن مقاطعة الانتخابات فرصة للفئة المسيطرة تنتهزها لتثبيت أقدامها أكثر فأكثر ولاجتياح ما تبقى من مواقع المعارضين. وغالبا ما تدفع السلطة المعارضين إلى المقاطعة أيضاً بهدف الاستئثار، مع ما يرافق ذلك من اتهامات بالخيانة والعمل ضد المصلحة الوطنية، لا بل المصلحة القومية الأعلى أيضاً. الأكيد ان التجاوزات التي حصلت في الانتخابات اليمنية والتي جعلت حزبي السلطة يتبادلان الاتهامات بالضغوط والتزوير، تقلل من صدقية هذه الانتخابات مثلما تضعف صدقية حزبي «المؤتمر الشعبي» و«الإصلاح». لكنها لن تؤدي في أي حال من الأحوال إلى تشكيك دولي في العملية الانتخابية أو إلى خطوات تقلب المعادلة الناشئة، وهي تتمثل باستئثار حزب الرئيس علي صالح بالأكثرية بعدما كان الاستئثار حكراً على حزبي الائتلاف. وسينعكس «خطف» الانتصار هذا مزيداً من التهميش للجنوب ولأحزاب المعارضة ذات الطابع المدني، في مقابل تعميق النزعات القبلية والتعصبية ودمغ الحياة السياسية بطابعها. رغم كل ذلك تظهر الانتخابات اليمنية التي جرت الأحد أنها، على علاّتها، أفضل من لا انتخابات. فالأمور لا تقوَّم في المطلق، بل عبر المقارنة. فلا يمكن أن نقارن اليمن ببريطانيا أو فرنسا، ولا تجربة الشعب اليمني بتجارب الشعوب الاسكندينافية ولا حتى بديموقراطية الهند. بل ان المقارنة المنطقية هي مع الدول العربية وتجاربها التعيسة. وعندها يجب أن نهلل للديموقراطية اليمنية. أليست الانتخابات وصناديق الاقتراع في حد ذاتها دافعاً للدهشة ومن الأعاجيب في العالم العربي؟ رئيس التحرير
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي