... وماذا بعد انهيار المشروع الأميركي؟


اتسعت رقعة العنف والفوضى في المنطقة. دخلت دول جديدة في دوامة حصار المتطرفين وحصاد الانتحاريين وامتد حزام النار من كابول الى الجزائر مرورا بباكستان والعراق وفلسطين ولبنان (تخيلوا «القاعدة» في لبنان؟) فيما تصريحات السيد رئيس الجمهوريين والولايات المتحدة ما زالت تبشر بـ «ديموقراطية نموذجية» تنبثق من الحرب العالمية على الارهاب وتنقل المنطقة الى عصر جديد من التنمية والحريات.
ببساطة شديدة، اراد الرئيس جورج بوش ان ينقل العالم كله الى حيث سقط البرجان بفعل عمل ارهابي، لكنه شرع الابواب للفعل الارهابي نفسه في اكثر من منطقة كانت غريبة عنه حتى الآن. وليس سرا ان المشروع الاميركي فشل حتى اللحظة في كل الشعارات التي اطلقها من محاصرة الارهاب الى الحريات والتنمية والديموقراطية، وليس سرا ايضا ان التفكير كله ينصب حاليا في دوائر صنع القرار الاميركي على كيفية الخروج من مأزق المنطقة بما يحفظ بعضا من ماء الوجه الاميركي من جهة وبما لا يؤدي الى كوارث كبيرة في المنطقة تبقى علامة مسجلة في الجبين الاميركي من جهة اخرى.
في المقابل لنعترف ان المشروع المضاد للمشروع الاميركي سجل حتى اللحظة انتصارات ملموسة (مع وضع اسطر كثيرة تحت «حتى اللحظة») فهناك إنهاك مستمر للجيش الاميركي في العراق بمساعدة دول اقليمية، وهناك تراجع مستمر في العملية السياسية في عراق ما بعد صدام حسين، وهناك سلام هش في افغانستان وضرب متواصل للاستقرار في باكستان واقتتال ومجازر وسيطرات وانقسامات في فلسطين وشلل للمؤسسات اللبنانية مع تداعيات عسكرية كبيرة للحرب ضد التطرف في المخيمات... رقعة الدم والموت والفوضى تتسع يقابلها دائما شعار اميركي يردده كثيرون كالببغاوات عن السلم والسلام والامن والديموقراطية.
منطقتنا اليوم بين حقيقتي الصورة: مشروع اميركي يتقهقر بسبب الجهل والاخطاء ومشروع آخر يتقدم ايضا بسبب الجهل والاخطاء. لا المشروع الاميركي كان بمضامين حضارية عادلة ولا المشروع البديل يحمل مضامين حضارية واعدة. والسؤال الذي لم يطرحه حتى الذين يهللون لفشل المشروع الاميركي هو: ماذا أعددنا كعرب ومسلمين لمرحلة ما بعد الخروج الاميركي من المنطقة؟ هل سنكمل العمليات السياسية والعسكرية ضد بعضنا البعض؟ هل ستعود طريق فلسطين تمر عبر الاردن ولبنان والكويت كما اراد بعض ادعياء القومية؟ هل ستكون الحرب على الانظمة اولوية لجماعات التطرف و«الجهاد» و«المشروع الاسلامي»؟ هل ستنتظر أنظمتنا ونخبنا السياسية والفكرية والاجتماعية اتجاهات الريح الدولية لتقرر اصلاحا هنا وتنمية هناك؟ وهل ستعود معادلة الامن والاستقرار قبل الحرية والديموقراطية الى تصدر الحياة العامة فنخسر المستقبل ولا نربح الامن؟
الأسئلة كثيرة لكننا لم نجد جوابا حتى الآن وربما لن نجد في المدى المنظور، لاننا تعاملنا دائما مع ظاهرة الارهاب وكأننا امة مخطوفة تنتظر «الآخر» لتحريرها... الارهاب تمدد و«الآخر» تمدد ونحن من تقلص الى آخر.
عودة الى سؤال المرحلة: ماذا بعد تراجع المشروع الأميركي؟
الإجابة ستحدد موقعنا بين الامم.
جاسم بودي