على باب الانعقاد

تصغير
تكبير

 أيام قليلة تفصل عن افتتاح دور الانعقاد الجديد لمجلس الامة من دون أن ندري حقيقة ما اذا كان دور الانعقاد السابق اخذ استراحة، فالوتيرة النيابية استمرت على حالها من المتابعة والتصعيد والتهديد بالمساءلة، والاجتماعات تواصلت باللقاءات الثنائية او الجماعية بل توسعت لتشمل القوى السياسية من خارج البرلمان.
ايام قليلة ويبدأ كل فريق ترجمة استعداداته، ولأن الحياة السياسية غير صحية على الاطلاق في الكويت ينظر «حزبا» البرلمان والحكومة الى بعضهما نظرة تربص على اساس الربح والخسارة بدل اعتبار الافتتاح مناسبة للانجاز خصوصا في هذه الظروف الاقليمية الضاغطة والاقتصادية المساعدة. لكن النيات وحدها لا تكفي لان ارادات التعاون تبدو منكفئة لمصلحة ارادات مخفية غير معلنة.
بعض الحكومة يقبل على الافتتاح بالذهنية نفسها التي حكمت مسار العلاقة بين السلطتين لاعوام طويلة، وبعض البرلمان يقبل على الافتتاح بذهنية الانتقام والمكاسب الخاصة... وهذان الفريقان تحديدا يختلفان في كل شيء تقريبا الا انهما يلتقيان، من حيث يدريان او لا يدريان، في تنفيذ اجندة اخرى اصحابها ربما كانوا من خارج المجلس والحكومة.
بعض الحكومة لم يستطع التكيف مع هذا المجلس ويدفع بالتأزيم الى مداه، وبعض المجلس يريد الحل بأي ثمن من اجل اعادة الانتخابات على اسس جديدة تنتج في رأيه واقعا جديدا ومختلفا على الارض... فقط راقبوا وانتظروا ولا بأس من التداول في بورصة المساءلات.
بعض الحكومة لا يستطيع التعامل مع المجلس الا وفق حسابات سابقة معلبة مثل شراء الولاء او تهريب صفقة او ارضاء في مشروع او التنازل في امر اساسي من اجل لحظة سياسية ظرفية، وبعض المجلس لا يريد من كل التأزيم والتصعيد ضد الحكومة الا الامر نفسه... مطالب خاصة وصفقات وتنازلات ظرفية له او للتيار السياسي الذي يمثله.
بعض الحكومة لا يملك رؤية استراتيجية طويلة المدى ويتعامل مع الشأن العام على اساس «كل يوم بيومه» وبعض المجلس لا يملك اي رؤية على الاطـــلاق لا تشريعية ولا رقابية ولا دستورية وجل همه معاملات الناخبين و«اللامانع».
بعض الحكومة لا يرى في حسابات الربح والخسارة الا ان ينساه النواب فلا يتحدثون عنه لا سلبا ولا ايجابا، واذا تحدثوا عنه بالايجاب فزيادة في الخير، وبعض المجلس لا يعرف من الحسابات الوطنية العامة سوى ماذا سيحصل اذا عقدت الانتخابات على اساس الدوائر الخمس؟ مع من سيتحالف؟ هل يزيد الاهتمام بهذه المنطقة او تلك؟ هل يكثف زيارة دواوين لم يدخلها من قبل ؟ هل يغازل القبيلة ويمتدح الطائفة؟
بعض الحكومة يبدي امام رئيسها كل التشجيع والثناء على خطوة ما وكل التزام بالدفاع عنها حتى النهاية ثم يفعل في الخفاء (واحيانا في العلن) عكس ذلك تماما، وبعض المجلس يبدي كل رغبة في التهدئة والتعاون ثم يفعل عكس ذلك تماما.
بعض الحكومة يحاول جاهدا ان يغير قوانين اللعبة ويدفع بقطار الاصلاح الى مستوى المشاركة العامة وهو فعلا بدأ بنفسه وببيته الداخلي من دون ان ينتظر الصياح والتهديد والوعيد، وبعض المجلس يحاول جاهدا ان يغير ايضا قوانين اللعبة ويدفع بقطار التعاون بين السلطتين الى آفاق غير مسبوقة ويجهد للتركيز على اصلاح بيته الداخلي ايمانا منه بان تصحيح كل سلطة لمسيرتها ومسارها هو المدخل الانسب لتصحيح العلاقة بين السلطتين... لكن اصوات هذين الفريقين، الحكومي والنيابي، ليست بقوة اصوات الآخرين المنحازة للتأزيم والتصعيد.
بعض الحكومة ملّ فعلا من الحديث عن الاصلاح واقترب من اليأس ويفضل العطاء من موقع آخر، وبعض المجلس يبدي الرغبة ذاتها انسجاما مع نفسه ومع عهد قطعه لناخبيه ومحبيه في عموم الوطن.
هكذا نقف ، اذاً، على باب الانعقاد المقبل. صورة حقيقية من دون مساحيق تجميل. مشهد واقعي بعيد عن لغة الانشاء والتمنيات وشعارات التعاون التي نسيها اصحابها. بل فلنقل انه مشهد ادانة لطبقة سياسية لا تعرف كيف تقرأ المتغيرات الاقليمية من جهة والتحولات الاقتصادية الداخلية من جهة اخرى. فهذه الطبقة وبالشكل الذي نراه لا تعرف كيف ستواجه تحديات المنطقة وما اكثرها ولن تعرف كيف ستستغل فرصة الوفر المالي والاقتصادي لمصلحة الكويتيين ومستقبل ابنائهم.
هكذا نقف، إذاً، على باب الانعقاد المقبل، ومن يملك معطيات اخرى فليطلع الكويتيين عليها اذ ربما اوقعتنا المتابعة الواقعية لتطور الاحداث في الخطأ وربما كانت الصورة ازهى واجمل مما نظن... وعندها فالاعتراف بالخطأ فضيلة!


جاسم بودى

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي