لبنان في خطاب بوش

تصغير
تكبير

ساعات قليلة فصلت بين جلسة انتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية وبين خطاب الرئيس الأميركي جورج بوش الذي تحدث فيه عن مسؤولية بلاده في «تعميم» الحريات والحفاظ عليها، خاصاً بالذكر أفغانستان والعراق ولبنان. وعلى رغم التصفيق الحاد الذي قوطع به خطابه مراراً إلا أنه يمكن القول إن الخطاب فاشل... تماماً مثل جلسة انتخاب رئيس جديد للبنان.
بوش كان القاسم المشترك بين أفغانستان والعراق ولبنان. تحدث عن تطلعات شعوب هذه الدول إلى الاستقلال وتوقها إلى الحرية، وأشار إلى التحديات التي تواجهها ومن ضمنها طبعاً التطرف والإرهاب. قاسم مشترك آخر جمع بين هذه الدول أيضاً، سبق الهجوم الأميركي على أفغانستان وتكوّن بعد الحرب على العراق، وتجلّى أخيراً في مخيم نهر البارد في شمال لبنان... فوّحد الملاّ عمر وزعماء «القاعدة» والزرقاوي والعبسي الساحات على تناقضها، ولوّنوا المشاهد السياسية بالأسود والأحمر، وركزوا قواعد اشتباك ثابتة بعدما نثروا هذه القواعد بشكل متحرك في ساحات أخرى.
دخول لبنان في خطاب بوش إلى جانب العراق وأفغانستان، وإن مثّل لدى البعض تجديداً لالتزام أميركا سيادة واستقلال هذه الدولة الصغيرة الجميلة، إلا أنه جدد المخاوف من أن يترجم هذا الالتزام بالطريقة التي نفذ فيها في الدولتين اللتين ذكرهما في خطابه. فلبنان، وتحديداً لبنان، يجب أن يخضع لمقاربة أخرى أميركياً ودولياً، خصوصاً أنه المؤهل أكثر من غيره ليكون النموذج التعددي الديموقراطي في المنطقة.
قبل عقود، كانت طالبان بطريقة أو بأخرى، نتاج الحرب الباردة ومشاركة الولايات المتحدة في ضرب الدولة الأفغانية «المعادية» آنذاك، وإضعاف الجيش والمؤسسة العسكرية عموماً لمصلحة «المجاهدين».
وقبل أربع سنوات فقط، كانت «القاعدة في بلاد الرافدين» بطريقة أو بأخرى نتاج الحرب على العراق وحل الجيش العراقي وإنهاء المؤسسة العسكرية بغض النظر عن المواقف من القيادة السياسية العراقية السابقة التي لم تترك إجراماً إلا وارتكبته.
الفوضى إذاً كانت نتاج سياسات أميركية، من دون إغفال عوامل التخلف الموجودة في منطقتنا حتى لا نلقي على الآخرين دائماً تبعات أخطائنا. لكن الطريقة التي تدير بها أميركا مراحل ما بعد انتصارها العسكري تظهر جهلها الكبير بالمنطقة وأهلها ومجتمعها، وإذا حاولت أن تتعلم، فعلى حساب الاستقرار والأمن والسيادة.
لبنان يختلف هنا عن التجارب المذكورة، وإن كان يتشابه معها في النتائج. فالمصطلح الصاخب «حروب الآخرين على أرضنا» صحيح في جانب منه لكنه غير صحيح على الإطلاق في جوانب المسؤولية التي على النخب السياسية اللبنانية تحمّلها، فهناك من يفتح الباب للآخرين، وهناك من يتراجع سريعاً عن صد الآخرين لحسابات تتعلق بشريكه في الوطن، وهناك من يدفع الثمن منفرداً أمام الآخرين لأن شريكه في الوطن تخلى عنه لمصلحة خيارات خاصة... ومع ذلك يبقى لبنان مختلفاً بسبب قيم الحياة والتطور والحريات التي جبل عليها اللبنانيون من جهة ونتيجة للتعددية الحضارية التي يمكن، بشيء من الإرادة، أن تكون مصدر تميز لا تمايز، ومصدر غنى لا تنافر.
لبنان الذي يدخل نفقاً جديداً اسمه «الانتخابات الرئاسية» ورد ذكره في خطاب بوش بعد ساعات من فشل جلسة الانتخاب الأولى. ويتمنى اللبنانيون، ونحن معهم، ألّا تكون الخطط الأميركية المعدة للبنان ( في مواجهة الخطط الإقليمية الأخرى ) على شاكلة ما تم تطبيقه في دول ثانية.
باختصار، المطلوب أميركياً ودولياً وعربياً، دعم الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي والمؤسسات الأمنية المساندة حتى لا تتكرر نماذج غياب هذه المؤسسات في دول أخرى. والمطلوب سياسات جامعة شاملة وانفتاح على كل أطياف الشعب اللبناني، بدل سياسة التركيز على فريق دون آخر، والمطلوب مساعدة اللبنانيين، جميع اللبنانيين، على اختيار الأسلوب الأمثل لإدارة السلطة والمؤسسات لا أن تفرض عليهم تجارب معينة بحجة اعتبارها نموذجاً في ما بعد... والمطلوب قبل ذلك كله أن تنتهي صورة لبنان - الساحة لمصلحة لبنان الدولة فتصفي الأطراف الإقليمية والدولية خلافاتها خارج حدود بلاد الأرز.
الاستحقاق الرئاسي اللبناني يجب أن يمر بسلام، ودماء الشهداء اللبنانيين الذين سقطوا بسلاح الغدر والاغتيال أو في مواجهة العدو الإسرائيلي يجب أن تكون حافزاً لقيامة جديدة لهذا البلد المنكوب، والتجارب التي مر بها اللبنانيون يجب أن تعلمهم أن لا خيار سوى خيار الدولة العادلة القادرة... فإذا كانت هذه العوامل شكلت الخلفية التي دفعت باسم لبنان إلى خطاب بوش فمرحى بها، أما إذا كانت العوامل مختلفة فلا داعي لذكر اسم لبنان في خطابات لاحقة لأن النموذجين الأفغاني والعراقي هما آخر ما يريد أن يراه اللبنانيون.


جاسم بودي

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي