نريدها سلة تحالفات دولية


الجدل الذي سبق ورافق قضية ربط العملة الكويتية بالدولار الاميركي لسنوات طويلة كان في جوهره جدلا سياسيا بامتياز وان تلطى خلف الابعاد الاقتصادية والمالية البحتة.
والجدل اللاحق لخطوة فك الربط بين الدينار والدولار لا يقتصر على الكويت وحدها بل سيعمم على منظومة مجلس التعاون الخليجي التي، وان لم تحذ حذو الكويت في الربط والفك، الا انها معنية بالمعنى السياسي لهذه الخطوة لتكريس واقع آخر على صعيد التحالفات الدولية.
ربط الدينار بالدولار كان اشارة رمزية لوجود غالبية البيض الخليجي في السلة الاميركية، بدءا من المبادلات التجارية وانتهاء بالحماية الامنية مرورا (وهو ما علينا ان نعترف به) بالاستتباع السياسي، بمعنى الموافقة الدائمة على السياسات الاميركية ان لم يكن بالخيار... فبالاضطرار.
وحتى نكون منصفين مع انفسنا، لابد من الاشارة الى ان التحالف الحديدي مع اميركا لم يكن وليد رغبة انظمة الخليج في دفع الاثمان سياسيا وامنيا وماديا، بل هو نتيجة ظروف معروفة جعلت منه – اي التحالف – خيارا بين البقاء مع هذه الاثمان وبين التهديد والتهميش والالغاء احيانا من قبل اطراف في المنطقة. اما علاقة اميركا بدفع المنطقة الى هذه المرحلة ووضعنا امام هذه الخيارات فهو بحث آخر يذهب فيه انصار «نظرية المؤامرة» الى النهاية ويبرر فيه انصار «الواقعية السياسية» النهاية التي وصلنا اليها... ومع ذلك فالحكم للتاريخ.
اليوم يوم جديد. يوم للمستقبل لا للتاريخ. يوم للمرور امام ما جرى لتحديد الخيارات. يوم لكي يحدد الخليجيون في قمتهم المقبلة اجندة جديدة لعلاقاتهم الدولية قائمة على التنوع في الصداقات والمصالح بدل حصرها في جهة واحدة، فهذا التنوع يعزز السيادة ويدعم الاستقرار ويعطي دفعة اكبر لمشاريع التطور والتقدم.
من الصين والنمور الآسيوية الى اميركا الجنوبية مرورا بالاتحاد الاوروبي الكبير وروسيا الجديدة... ابواب مفتوحة على كل المجالات التجارية والمالية والتكنولوجية والعلمية والنفطية، ومشاريع اتفاقات متنوعة ستفضي في طبيعة الحال الى مظلات سياسية وامنية لحمايتها في منطقة اريد لرياحها ان تضرب في كل الاتجاهات.
الآن، وفي زمن الوفرة، وبعد كل الدروس المستخلصة من حروبنا وحروب الآخرين في منطقتنا، لا بد من اعادة النظر في حصرنا لمختلف اوجه التعاون بـ «الصديقة الكبرى» اميركا، اذ اثبتت التجارب انها لا تصغي لحلفائها كي لا نقول انها لا تعتبرهم احيانا موجودين. حصل ذلك بالنسبة الى قضية العرب الاساسية فلسطين، وبالنسبة الى العراق، وبالنسبة الى الحرب ضد الارهاب، وبالنسبة الى التدخلات الاميركية الضيقة في «ازقة» هذه الدولة او تلك بحجة الخروج منها الى «اوتوستراد» الشرق الاوسط الجديد.
ارادت الولايات المتحدة من دول الخليج ان تكون «حديقة خلفية» للاستقرار النفطي والاقتصادي العالمي لكن اقحام هذه الدول في قضايا الحرب الباردة ومشاركتها في نتائجها وتصنيفها في معسكر دولي واحد كلها امور ساهمت في زعزعة هذا الاستقرار ونقلت الحياد الايجابي المطلوب من هذه الدول الى الانحياز المعلن وغير المعلن... وبالتالي كان طبيعيا ان نتحمل في الخليج كل نتائج الاقحام والانحياز، وان يبقى نفطنا ساخنا ومياهنا ملتهبة ورملنا ثائرا ومستقبلنا حائرا.
نستقبل تاجر السلاح النيويوركي ومدير شركة النفط التكساسي ، لكن لا بأس من استقبال خبراء بريطانيين في تطوير الحقول والبحث عن اكتشافات جديدة، وخبراء فرنسيين في تطوير الآليات القانونية، وخبراء بلجيكيين في تطوير الادارة، وخبراء روس في تطوير المنشآت البحرية، وخبراء صينيين في تطوير الصناعة وتأهيل الاراضي الزراعية، وخبراء يابانيين وهنود في تطوير التكنولوجيا، وخبراء المان في تطوير القطاع الصحي... والامر نفسه يسري على مختلف الاوجه العلمية والاقتصادية والاجتماعية والقانونية والثقافية.
استقرار دول الخليج يكون بتوسيع سلة التحالفات من جهة وتقليص الاستتباع لمعسكر دولي واحد من جهة اخرى، فالاستفادة من السياسات العالمية المعتدلة تخدم الاعتدال عندنا، وتعدد الاتفاقات الامنية والسياسية يعصمنا من الانجرار وراء سياسة واحدة يصفها بعضنا بالجريئة وبعضنا الآخر بالمتهورة والطائشة وغير الحكيمة، وتنوع الصداقات الدولية يخفف علينا بعضا من اعباء صداقة مكلفة جدا.
كما نربط عملاتنا بسلة عملات اجنبية ضمانا للاستقرار المالي، علينا ربط علاقاتنا الدولية بسلة تحالفات ضمانا للاستقرار الامني والسياسي... فهل يكون ذلك اولوية اولويات القمة الخليجية المقبلة؟
ديسمبر ليس بعيدا.
جاسم بودي