الحقبة الثالثة إمارة دستورية

تصغير
تكبير


عاشت الكويت قبل أيام «احتفالية» تصعيد ارتكزت على «تسريبات» وكتابات ومقابلات وندوات تتعلق بالدستور، وتعيش اليوم «احتفالية» ترحيب ارتكزت على ما جاء من تأكيدات في اجتماع الاسرة بأن لا نية لتعديل الدستور ولا للحل غير الدستوري لمجلس الامة.
لا الحديث عن الدستور كان جديدا ولا التأكيدات بعدم تعديله جديدة... لكنها الكويت تعشق «الاحتفاليات» الصاخبة التي ترفع الامور الى مرتبة «الوجود والمصير» سواء تعلقت ببحث نظام انتخابي او ببحث مناقصة طريق فرعي او بإسقاط قروض.
بداية نوضح اننا نفهم ونقدر اعتراض رموز سياسية واقتصادية وشعبية على تعديل الدستور في الوقت الراهن، ونؤيدهم في ذلك الاعتراض استنادا الى ان ما يطرح في هذا المجال وبالصيغة التي يطرح فيها وبالوسائل التي يطرح فيها لن يؤدي الى اي نتيجة جدية ولن يحقق بالتأكيد الغاية التي تضمنها بند التعديل في المذكرة التفسيرية للدستور وسيؤدي بدلا من ذلك الى تفاقم المشاكل وعرقلة الحلول.
لكننا في المقابل مسؤولون ايضا عن التشخيص الفعلي لمشاكل الكويت بدل الانجراف الاعمى خلف هذه «الاحتفالية» او تلك، فما ينتظرنا حقيقة اكبر من جدال على تعديل دستوري، واهم من استقالة حكومة تضامنا مع وزير، واعمق من خلاف بين ابناء الاسرة او بين السلطتين. مشاكلنا الفعلية لا تحلها ندوة او رد فعل او اجتماع للاسرة او اعتصام او حل مجلس او انتخابات.
اهم مشكلة نعيشها ككويتيين اننا مأسورون في اطار صيغة سياسية استمرت لعقود بين حزبين اساسيين هما الحكومة والمجلس وما بينهما من تداخلات وصفقات وتسويات من تحت الطاولة ومن فوقها. هذه الصيغة السياسية اما انها تروق لمصالح عدد كبير من الاطراف في السلطتين فيحرصون على استمرارها وانعاشها بين الفينة والاخرى بمعارك «مصيرية ووجودية»، واما ان عددا كبيرا من الرموز المحترمة في السلطتين صاروا عاجزين ايضا عن مواكبة التغيير فيفعلون افضل الممكن انما تحت سقف الصيغة. ونحن هنا لا نتحدث بكلام عام وانما نقول ان جزءا كبيرا من الامراض المتفاقمة اجتماعيا وسياسيا ( القبلية والطائفية والمذهبية والمحسوبيات والواسطة والفساد وشراء الولاءات وتشويه النظام الديموقراطي والارهاب والتأخر في كل الميادين التربوية والمهنية والاقتصادية...) سببها هذه الصيغة التي هي في رأي كثيرين غير قابلة للاستمرار كونها تمثل المرحلة الاخيرة من الحقبة الكويتية الثانية اذا جاز التعبير.
منذ حكم صباح الاول وحتى اقرار الدستور عاش الكويتيون حقبة مهمة وكبيرة تخللتها مفاصل تاريخية كبيرة. ومنذ اقرار الدستور وحتى اليوم عاش الكويتيون ايضا حقبة مهمة تخللتها مفاصل تاريخية كبيرة ايضا. والكويت اليوم على ابواب حقبة ثالثة يفترض ان تكون اكثر تقدما مقارنة بالحقبتين الماضيتين لمجاراة التطورات الدولية الحضارية في مجالات الديموقراطية وحقوق الانسان ومكافحة الفساد والتفوق التقني والعلمي مع الاحتفاظ بخصوصيتنا الكويتية، ويفترض ان يكون الانسان الكويتي هو نقطة الارتكاز في هذه الحقبة بعدما شارك كثيرا في «معارك» داخلية لمس هو قبل غيره ان نتائجها عادت الى اعضاء الحزبين الكبيرين وبقي هو اسير همومه ومشاكله.
كيف نعبر الى الحقبة الثالثة وننسف السلوك السياسي الذي حكم تفاصيلنا وامورنا وراكم ما راكم من مشاكل ودفعنا الى نهاية الركب؟
كيف نوسع اطار المشاركة الشعبية في السلطة من خلال آليات واضحة راقية تزيد الحريات (احزاب وغالبيات) وتذوب ما امكن الامراض التي كادت تفتك بجسدنا الاجتماعي؟
كيف تستعيد الكويت المبادرة اقتصاديا وثقافيا واعلاميا وكيف نغير القوانين والتشريعات والسلوكيات «المتآمرة» على الاستثمار وانفتاح البلد ودمج الكويتيين في دورة اقتصادية فاعلة؟
كيف يستعيد الانسان الكويتي قيمته كنقطة ارتكاز في كل الخطط والمشاريع فتزداد حقوقه وتزداد واجباته وينتقل من غطاء الرعاية الى المبادرة؟
كيف نفعل المحاسبة ونسيد القانون لمواكبة التحول في كل المجالات؟
اسئلة كثيرة وغيرها اكثر، لكن الاجابة عنها لا يعطيها شخص ولا تبلورها مجموعة بمفردها.
نحن على ابواب حقبة ثالثة يجب ان تقوم. حقبة نستطيع اذا اخلصنا مع الجيل الحالي والاجيال القادمة ان نفصل ثوبها على مقاسنا باعتماد افضل ما عندنا وافضل ما عند الآخرين، فاما ان نتفق جميعا على بلورة عناوينها واما ان تؤدي الصيغة السياسية الحالية - التي انهت آخر معاركها (وليس الاخيرة) باحتفاليتي التصعيد والترحيب - الى تفاقم مشاكل جديدة قد تؤدي لا سمح الله الى التشتت والتفرق والسماح بان يفرض علينا الآخر عناوين لن تلائمنا في اي حال من الاحوال مهما كان موقع هذا الآخر سياسيا وجغرافيا.
الاسئلة السابقة لن تكتمل اجاباتها ولن تتبلور الا اذا شارك الجميع فيها، وعلى رأسهم الذين يعترضون اليوم على تعديل الدستور والذين يوافقون وابناء الاسرة ومختلف اطياف الشعب الكويتي. نحن نريدها ان تستمر امارة بحكامها آل الصباح، ونريده دستورا راسخا متطورا يواكب الزمن ويكون الحصن للامارة والنظام... نريدها امارة دستورية ديموقراطية حقيقية الانسان فيها محترمة حقوقه والقانون مقدس وفوق الجميع.
هذا ما عنيناه بالحقبة الثالثة.
اولا واخيرا هي اسئلة من اجل الكويت والكويتيين. هذه حدودها وهذه غاياتها... آملين الا يدخلها احد في «احتفالية» مقبلة.


جاسم بودي 

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي