الانقلاب... من سيدفع الثمن؟

تصغير
تكبير

لا يمكن للتصريحات والتلميحات والتسريبات المتعلقة بضرب المكتسبات الدستورية الكويتية ان تساعد - في اي حال من الاحوال - قضية اصلاح مؤسسات الحكم في الكويت، ويستحيل ان تخدم عملية التصحيح الذاتي داخل كل سلطة كمدخل الى صيغة متوازنة للتعاون بين السلطات.
بل اكثر من ذلك، يبدو ان الذين امتهنوا عمليات التسريب والتلميح يملكون اجندة واضحة لضرب احتمال التعاون والتوازن وصولا الى وضع تسوده الفوضى ويتحكم فيه الفراغ، ظنا من هؤلاء المتخلفين في السياسة انهم يستطيعون ملء هذا الفراغ بمشاريعهم التي يعتقدون انها بديلة ومميزة وهي في حقيقة الامر مجرد تنظيرات وشعارات سقطت عند اول تجربة.
نعود ونقول ونكرر، الدستور ليس قرآنا وليس مقدسا ويمكن (بل يجب) ان يتطور دائما نحو الافضل وبما يواكب العصر ومنجزاته ووفق الآليات المنصوص عليها، لكننا في الوقت نفسه نحذر من ان ضرب المكتسبات الدستورية ليس مجرد تكتيك سياسي او مناورة حزبية او اجتهاد وطني، وهو بالتأكيد ليس ورقة بيد هذا الطرف للرد على طرف آخر او «نصيحة» تعطى بليل من فاشل او منظر او حاقد او معقد... انه انقلاب حقيقي يقوم به «المتخلفون الجدد» من حيث يدرون او لا يدرون، والمصيبة انهم يعلمون خط البداية لخططهم لكنهم بالتأكيد يجهلون طريق النهاية.
لا نريد استحضار التاريخ ودروسه، ولا نريد لغيرنا ان يستحضر ذلك التاريخ في قراءة خاطئة يعرضها على اصحاب القرار للتدليل مثلا على «الاثمان الخفيفة» لاي خطوة غير دستورية قد تتخذ، فهؤلاء امتهنوا التضليل حتى اختلت بصيرتهم ولم يعودوا يميزون بين الواقع الفعلي والواقع الذي يريدونه. وهؤلاء – وهو الاهم – لا يحسنون قراءة التغيرات الكبيرة التي حصلت لا على المستوى الكويتي المحلي ولا على مستوى العلاقات الدولية.
اليوم غير الامس، غير 1976 و1986 ، والتجارب اثبتت ان الصيغ الانقلابية لا مكان لها في الكويت مهما كانت الجهة التي تقودها او تروج لها بمسميات اخرى، وعلى «المتخلفين الجدد» الذين يكرسون جل جهدهم في طرح مبادرات تنتقص من المكتسبات الدستورية ان يدرسوا بتمعن هذه المكتسبات ليكتشفوا ان السقف السياسي الذي ارسته في الكويت هو بالعلو الذي يسمح لكل التحركات الديموقراطية ان تفرض حضورها في كل المواقع.
هنا، وتحت سقف هذه المكتسبات، يمكن للجميع ان يعمل ضمن الاطار الذي يعتبره مناسبا ومنسجما بما في ذلك الدعوة الى تطوير الدستور كما ورد في الدستور نفسه، اما اختزال الشلل السياسي بأزمة بين السلطتين لضرب المكتسبات الدستورية فهو اختزال مشبوه، صاحبه اما قاصر عن قراءة المعطيات السياسية بصورتها الكاملة واما متآمر ليس على الحياة النيابية فحسب بل على ما هو اكثر من ذلك بكثير.
ان الدعوات التي يطلقها «الغيارى» على مصلحة البلد لحل غير دستوري وتعليق الدستور، انما تستدعي رقابة دقيقة للحبل السياسي السري الذي يربط بين اصحابها وجهات خارجية، حتى لو لم تكن صورة الحبل واضحة المعالم. فالنتيجة المرجحة لهذه الدعوات - ان طبقت - لن تكون في مصلحة النظام نفسه الذي توافقنا عليه منذ مئات السنين، ولا نرى مصلحة لاحد داخل الكويت في ضرب النظام.
آل الصباح والدستور والترابط بين الحاكم والمحكوم هي اضلاع المثلث الذي يحكم الكويت، وهو مثلث كبير جدا تتجاوز دروسه مساحة بلدنا، لكنه عند «المتخلفين الجدد» قد يبدو ضيقا وصغيرا فلا تتجاوز مساحته حدود احلامهم... ولهؤلاء نقول ان السفينة بيد امينة، بيد سمو الأمير الشيخ صباح الاحمد الاحرص دائما على المكتسبات الدستورية والمثل الساطع في صون المثلث وتثبيت اضلاعه، فوفروا عليه عناء الازعاج ووفروا على الكويت كلفة مشاريع لن ترى النور ما دام «النوخذة» في المقدمة.
مرة اخرى، المطلوب حركة تصحيح فورية داخل كل سلطة من السلطات كمدخل الى صيغة تعاونية تفاعلية بينها، فالقضية ليست قضية نواب بدأوا تحركا استباقيا لخطوة غير دستورية، والقضية ليست قضية اطراف تريد النيل من المكتسبات الدستورية لتنفيذ مشاريع خاصة وضيقة. القضية هي قضية الكويتيين، قضية بقاء او عدم بقاء، قضية غير قابلة لا للطرح ولا للعرض ولا للمساومة، ومطلوب سحبها نهائيا من الادراج السياسي والوطني... فالانقلابات لا تنجح دائما وغالبا غالبا ما تعطي نتائج عكسية.
هل نشرح اكثر؟
المعنى في قلب الكويت.
جاسم بودي
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي