يا مدينة الصلاة نختلف على أماكن الصلاة

تصغير
تكبير

عادت الى الواجهة بعدما كدنا ننساها تارة بفعل اليأس من العالم المتحضر وطورا لفقدان الامل بأي تحضر سياسي للسلطة الفلسطينية.
عادت الى الواجهة، للاسف، بفعل الاجرام الاسرائيلي الذي يذكرنا بها كلما وقفت افكارنا في طابور الصباح تتسقط اخبار العالم و«أخبارنا» من قندهار الى واشنطن.
عادت القضية الفلسطينية الى الواجهة مع حديث المسؤولين الاسرائيليين عن ضرورة التخلي عن بعض الاحلام من اجل السلام... على مشارف مؤتمر دولي قد يعقد بعد شهرين.
لم تحفر قضية في اي وجدان ما حفرته القضية الفلسطينية في وجدان العرب والمسلمين، ولم تشهد اي قضية ظلما كالذي شهدته قضية فلسطين، ولم تنشأ اجيال بأسرها على هدف كما نشأ جيلنا ومن سبقنا ومن تبعنا على هدف استعادة القدس بكل ما تعنيه من رموز دينية وتاريخية وحضارية... ومع ذلك لم يُضع أهل قضية حقوقهم كما ضيعناها بالرغم من كل التآمر الدولي والوحشية الاسرائيلية.
يريد الاسرائيليون التخلي «عن بعض الاحلام» من اجل السلام، ونريدهم ان يتخلوا عن الارض والاحلام بل عن فكرة «ارض الاحلام» اذا كانوا فعلا يريدون العيش في دولة مستقلة مسالمة آمنة او حريصين على استقرار امنهم ومصلحة اجيالهم. لكن الواقعية تدفعنا الى القول ان ما شجع الاسرائيليين ويشجعهم على التمادي في الظلم والاحتلال وانتهاك حقوق الانسان ليس الدعم الدولي اللامحدود للمحتل فحسب بل ظلم ذوي القربى لفلسطين... وما اكثرهم واقربهم.
الرصاصة الاولى لمنظمة التحرير في الستينات أذنت بالتفاف العرب والمسلمين جميعا حول هذا الاطار السياسي الهادف الى تحرير الارض، ثم تراكمت معادلة مركبة بين شهوات السلطة لدى بعض قيادات المنظمة وبين مصالح انظمة عربية ادت الى ما ادت اليه من تفكك وانشقاقات من جهة والى ضياع بوصلة الهدف الكبير من جهة اخرى فصار تحرير فلسطين يمر مرة في الاردن ومرة في لبنان ومرة في الكويت ومرات عبر التقاتل الداخلي بين الفصائل... ودفع الفلسطيني المقهور الثمن مرتين: مرة وهو يرسل ابنه الى الجهاد ضد اسرائيل ومرة وهو يجد ابنه ضحية صراع بين فصائل او انظمة ودائما دائما باسم تحرير القدس.
ومع انتقال المنظمة من الشتات الى السلطة في فلسطين بعدما فعل الحجر في الداخل ما لم تفعله الرصاصة في الخارج، استمرت المعادلة المركبة بأوجه اخرى: خلافات الفصائل تواصلت وحالة استقطاب الانظمة تسللت الى غزة والقطاع املا بجمع اوراق اقليمية تفاوضية اكبر، فيما المحتل الاسرائيلي يضيف الى القوة العسكرية في مخططاته فصلا عن الصراعات الفلسطينية التي يمكن ان تخدمه لاقناع العالم «بعدم جدوى التعايش مع سلطة تأكل ابناءها».
وبعدما خطف 11 سبتمبر القضية الفلسطينية من ضمن ما خطف من قضايا، لم يقرأ المسؤولون الفلسطينيون المتغيرات الدولية بشكل صحيح، بل اداروا سلطتهم كما كانت اللجان الشعبية تدير المخيمات... الى ان وصلنا الى ما وصلنا اليه اليوم من سلطة هنا واخرى هناك وبينهما جدار نفسي ومعنوي لا يقل بشاعة عن جدار الفصل العنصري الاسرائيلي.
كلام قاس، لكنه لسان حال اخوتنا الفلسطينيين الذين يتساءلون كيف سيذهب قياديوهم الى المؤتمر الدولي المقبل إذا كانوا يتقاتلون على المراكز والسلاح والسلطة... بل يتقاتلون حتى على اماكن الصلاة!
 يا قدس يا مدينة الصلاة، عيوننا إليك ترحل كل يوم... لكن قلوبنا واجفة دوما من ان يكمل ابناؤك ما عجز المحتل عن اكماله، أي تدمير الانسان الفلسطيني روحا ومقاومة وصمودا بعدما عجزت كل آلة الدمار الاسرائيلية وحليفتها الاميركية عن فعل ذلك.
كل عام والقضية بخير.
جاسم بودي
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي