تجارة الإقامات وازدواجية الجنسية يا سمو الرئيس
لا يمكن تجزئة قناعات سمو رئيس الوزراء الشيخ ناصر المحمد الاصلاحية عن خطواته الاصلاحية، فالرجل يقود سلطة تنفيذية ولا يمارس هواية، يؤمن ببرنامج تغييري ولا «تذهله» المناصب، يريد ترك بصمة ايجابية على مسار الحياة السياسية الكويتية لا ان يضيف اسم موقعه على نبذة مسيرته الحافلة بالعطاء.
من هنا، يمكن فهم الحملات التي تعرضت لها حكومات الرئيس، وفهم الاستغراب المسيطر على ذهنية البعض من «الروح الرياضية» التي يبديها الشيخ ناصر في كل مواجهة مع السلطة التشريعية، فهؤلاء لا يريدون تصديق ان هناك من يخضع فعلا لقواعد العملية الديموقراطية الدستورية ما دام القانون سقفها، وان هناك من يريد ان يلغي نظرية ان الحكومة حزب ومجلس الامة حزب لتصويب خلل حكم هذه العلاقة منذ عقود وكانت له اسبابه المختلفة.
عندما يرفع الشيخ ناصر الغطاء عن اي خلل حكومي فهو يريد من الآخرين الاقتداء، وعندما يجهد لإلغاء صورة الحزب من الحكومة فهو يريد ألّا يتعامل المجلس مع اي سلطة اخرى بمفهوم الحزب والعصبيات على حساب المصلحة العامة، وعندما يعطي اللعبة الديموقراطية مداها ويتقبل نتيجتها فلإيمانه بأن الديموقراطية تصحح نفسها وتنشر ثقافتها، وعندما يستقبل بابتسامة عريضة بعض الذين يجهدون في العمل ضده، سرا وجهارا، ليلا ونهارا، من مسؤولين وشخصيات وحتى من «الاهل والاقارب» فهو يريد ان يقول لهم انه يعرف تماما ماذا يفعلون لكنه يدلهم على طريقة ارقى للخلاف والاختلاف من التي يقومون بها.
هذه العناصر أهّلت الشيخ ناصر لمقاربة ملف الاصلاح في الكويت بثقة وقوة. بدأ فتح دفاتر كان الكثيرون يظنون انها عصية على اللمس. دخل بمسطرة القانون الى قطاعات ظن اصحابها انها محميات، ولم يتوان عن تصحيح المسار والقرار عندما ادرك ان الحق حق لأهله.
ولكن، ومن باب «صديقك من صدقك لا من صدَّقك»، نقول ان هذه الاجراءات الاصلاحية لن تكون فاعلة اذا لم تستكمل وتعمم الى قطاعات اخرى لسنا في وارد تعدادها كلها، ومع ذلك نسوق مثلين.
غالبية المشاكل الاجتماعية والامنية والاقتصادية ناجمة عن النسبة المتضخمة من الوافدين الحاصلين على اقامات لا على عمل. هؤلاء الذين دفعوا لتجار الاقامات آلاف الدولارات في مقابل ان يصلوا الى الكويت على اسم شركات وهمية تضعهم في هذه المنطقة او تلك وتتركهم لمصيرهم لاحقا، فيحاولون تدبير عمل ولو كان مخالفا للقانون، او يلجأون الى السرقة والاحتيال والدعارة لتأمين ابسط مقومات العيش، او يتكتلون في تجمعات هامشية لا عمل فيها ولا انتاج في انتظار الصدقة او الفرج.
كل يوم نسمع عن توقيف عمال مخالفين للاقامة من جنسيات مختلفة. نقرأ عن ترحيلهم الى بلادهم. نتوقف عند الازمات الديبلوماسية الصامتة بين الكويت وهذه الدولة او تلك في ما يتعلق بالعمال وحقوقهم. لم نسمع يوما يا سمو الرئيس ان السلطات الكويتية اوقفت تاجر اقامات. لم نسمع انها احالت صاحب شركة وهمية الى القضاء وغرمته. لم نقرأ عن لوم او اشارة او حتى «غمزة» لكبار القوم الذين تعرفهم السلطات المختصة جيدا، يا سمو الرئيس، وتعرف حجم الملايين التي كدسوها من آلاف العمال المساكين الذين تعاملوا معهم باسلوب يشبه الرق.
بدل ان نفكر في كيفية الرد على الانتقادات الدولية الموجهة الى تعاملنا مع العمالة الموجودة لدينا، ونستعين بخبراء ومحامين دوليين لتفنيد تلك الانتقادات، علينا ان نبدأ بتنفيذ القانون الكويتي الذي لم يترك شيئا الا ووضع له سقفا، والتنفيذ يبدأ - وكما اكدتم دائما يا سمو الرئيس- بالرؤوس الكبيرة وأولها من ابناء الاسرة، خصوصا من يتبوأ منهم مناصب مهمة في الدولة، لان اختيار بعض صغار المتلاعبين في بورصة العمالة كبش فداء لن يحل المشكلة بل سيزيدها تفاقما.
المثل الثاني هو قضية ازدواجية الجنسية الممنوعة في القانون الكويتي، ومع ذلك يبلغ عدد حاملي الجنسيتين نحو مئة ألف أو أقل أو أكثر، في اطار ملف تحجب «حساسيته» القدرة على كشف تفاصيله. نريد يا سمو الرئيس ان ترفع انت شخصيا الغطاء عن هذه «الحساسية» كي نعيد الى القانون احترامه وهيبته ونعيد للتشريع روحيته التي لم يعلنها صراحة وهي الولاء للكويت وطنا نهائيا لجميع ابنائه.
حاملو جنسية دول اخرى عربية وعالمية، والساعون الى الجنسيات الاخرى بكل الطرق، وتفوق الكويت على دول الخليج في الحصول على الغرين كارد مدخلا الى الجنسية الاميركية... كلها امور لها دلالاتها وابعادها. فالوضع المعيشي، يقينا، ليس السبب الذي سيدفع بالكويتيين الى الهجرة لاننا والحمد لله نعيش وضعا معيشيا متقدما حتى عن الوضع في الولايات المتحدة. والظروف السياسية والامنية ليست السبب ايضا لاننا نعيش نعمة الديموقراطية والامن، فلا زوار الفجر يطرقون بابنا ولا سجين رأي لدينا ولا سدود او حدود امام مشاركة الكويتيين في العملية السياسية، وحرياتنا الاعلى بين دول المنطقة، اضافة الى ان الجنسية الثانية سواء كانت عربية ام اميركية لن تعطي حاملها الكويتي المزايا التي تمنحه اياها جنسيته الاصلية في مختلف المجالات... فلماذا ارتفاع رقم مزدوجي الجنسية؟
الإجابة الصادقة تحدد فعلا أهمية التعاطي مع هذا الملف خصوصا اذا كان الاقبال على الجنسيات الاخرى مرده الخوف من المستقبل وعدم الثقة في ما ستحمله الايام. فسوء الادارة الاقتصادية قد يحمل استثماراتنا الى الخارج لكن الجنسية تبقى رمزا للمواطنة والولاء ويستحيل ان تنتقل كما تنتقل الرساميل بحثا عن الامان.
مثلان من عشرات الامثلة التي يحتاج كل منها الى مجلد للبحث، اخترناهما فقط لان التغاضي عنهما صار نافرا بدرجة كبيرة من جهة، ولان معالجتهما من خلال تطبيق القانون اسهل مما يعتقد اصحاب القرار من جهة اخرى.
الاصلاح لا يتجزأ يا سمو الرئيس وانتم الاقدر على الخوض فيه قدر المستطاع. وكلما رفعتم الغطاء عن المخالفين كبر الغطاء الشعبي من فوقكم... وهو الغطاء الأبقى من كل المناصب.
جاسم بودي
من هنا، يمكن فهم الحملات التي تعرضت لها حكومات الرئيس، وفهم الاستغراب المسيطر على ذهنية البعض من «الروح الرياضية» التي يبديها الشيخ ناصر في كل مواجهة مع السلطة التشريعية، فهؤلاء لا يريدون تصديق ان هناك من يخضع فعلا لقواعد العملية الديموقراطية الدستورية ما دام القانون سقفها، وان هناك من يريد ان يلغي نظرية ان الحكومة حزب ومجلس الامة حزب لتصويب خلل حكم هذه العلاقة منذ عقود وكانت له اسبابه المختلفة.
عندما يرفع الشيخ ناصر الغطاء عن اي خلل حكومي فهو يريد من الآخرين الاقتداء، وعندما يجهد لإلغاء صورة الحزب من الحكومة فهو يريد ألّا يتعامل المجلس مع اي سلطة اخرى بمفهوم الحزب والعصبيات على حساب المصلحة العامة، وعندما يعطي اللعبة الديموقراطية مداها ويتقبل نتيجتها فلإيمانه بأن الديموقراطية تصحح نفسها وتنشر ثقافتها، وعندما يستقبل بابتسامة عريضة بعض الذين يجهدون في العمل ضده، سرا وجهارا، ليلا ونهارا، من مسؤولين وشخصيات وحتى من «الاهل والاقارب» فهو يريد ان يقول لهم انه يعرف تماما ماذا يفعلون لكنه يدلهم على طريقة ارقى للخلاف والاختلاف من التي يقومون بها.
هذه العناصر أهّلت الشيخ ناصر لمقاربة ملف الاصلاح في الكويت بثقة وقوة. بدأ فتح دفاتر كان الكثيرون يظنون انها عصية على اللمس. دخل بمسطرة القانون الى قطاعات ظن اصحابها انها محميات، ولم يتوان عن تصحيح المسار والقرار عندما ادرك ان الحق حق لأهله.
ولكن، ومن باب «صديقك من صدقك لا من صدَّقك»، نقول ان هذه الاجراءات الاصلاحية لن تكون فاعلة اذا لم تستكمل وتعمم الى قطاعات اخرى لسنا في وارد تعدادها كلها، ومع ذلك نسوق مثلين.
غالبية المشاكل الاجتماعية والامنية والاقتصادية ناجمة عن النسبة المتضخمة من الوافدين الحاصلين على اقامات لا على عمل. هؤلاء الذين دفعوا لتجار الاقامات آلاف الدولارات في مقابل ان يصلوا الى الكويت على اسم شركات وهمية تضعهم في هذه المنطقة او تلك وتتركهم لمصيرهم لاحقا، فيحاولون تدبير عمل ولو كان مخالفا للقانون، او يلجأون الى السرقة والاحتيال والدعارة لتأمين ابسط مقومات العيش، او يتكتلون في تجمعات هامشية لا عمل فيها ولا انتاج في انتظار الصدقة او الفرج.
كل يوم نسمع عن توقيف عمال مخالفين للاقامة من جنسيات مختلفة. نقرأ عن ترحيلهم الى بلادهم. نتوقف عند الازمات الديبلوماسية الصامتة بين الكويت وهذه الدولة او تلك في ما يتعلق بالعمال وحقوقهم. لم نسمع يوما يا سمو الرئيس ان السلطات الكويتية اوقفت تاجر اقامات. لم نسمع انها احالت صاحب شركة وهمية الى القضاء وغرمته. لم نقرأ عن لوم او اشارة او حتى «غمزة» لكبار القوم الذين تعرفهم السلطات المختصة جيدا، يا سمو الرئيس، وتعرف حجم الملايين التي كدسوها من آلاف العمال المساكين الذين تعاملوا معهم باسلوب يشبه الرق.
بدل ان نفكر في كيفية الرد على الانتقادات الدولية الموجهة الى تعاملنا مع العمالة الموجودة لدينا، ونستعين بخبراء ومحامين دوليين لتفنيد تلك الانتقادات، علينا ان نبدأ بتنفيذ القانون الكويتي الذي لم يترك شيئا الا ووضع له سقفا، والتنفيذ يبدأ - وكما اكدتم دائما يا سمو الرئيس- بالرؤوس الكبيرة وأولها من ابناء الاسرة، خصوصا من يتبوأ منهم مناصب مهمة في الدولة، لان اختيار بعض صغار المتلاعبين في بورصة العمالة كبش فداء لن يحل المشكلة بل سيزيدها تفاقما.
المثل الثاني هو قضية ازدواجية الجنسية الممنوعة في القانون الكويتي، ومع ذلك يبلغ عدد حاملي الجنسيتين نحو مئة ألف أو أقل أو أكثر، في اطار ملف تحجب «حساسيته» القدرة على كشف تفاصيله. نريد يا سمو الرئيس ان ترفع انت شخصيا الغطاء عن هذه «الحساسية» كي نعيد الى القانون احترامه وهيبته ونعيد للتشريع روحيته التي لم يعلنها صراحة وهي الولاء للكويت وطنا نهائيا لجميع ابنائه.
حاملو جنسية دول اخرى عربية وعالمية، والساعون الى الجنسيات الاخرى بكل الطرق، وتفوق الكويت على دول الخليج في الحصول على الغرين كارد مدخلا الى الجنسية الاميركية... كلها امور لها دلالاتها وابعادها. فالوضع المعيشي، يقينا، ليس السبب الذي سيدفع بالكويتيين الى الهجرة لاننا والحمد لله نعيش وضعا معيشيا متقدما حتى عن الوضع في الولايات المتحدة. والظروف السياسية والامنية ليست السبب ايضا لاننا نعيش نعمة الديموقراطية والامن، فلا زوار الفجر يطرقون بابنا ولا سجين رأي لدينا ولا سدود او حدود امام مشاركة الكويتيين في العملية السياسية، وحرياتنا الاعلى بين دول المنطقة، اضافة الى ان الجنسية الثانية سواء كانت عربية ام اميركية لن تعطي حاملها الكويتي المزايا التي تمنحه اياها جنسيته الاصلية في مختلف المجالات... فلماذا ارتفاع رقم مزدوجي الجنسية؟
الإجابة الصادقة تحدد فعلا أهمية التعاطي مع هذا الملف خصوصا اذا كان الاقبال على الجنسيات الاخرى مرده الخوف من المستقبل وعدم الثقة في ما ستحمله الايام. فسوء الادارة الاقتصادية قد يحمل استثماراتنا الى الخارج لكن الجنسية تبقى رمزا للمواطنة والولاء ويستحيل ان تنتقل كما تنتقل الرساميل بحثا عن الامان.
مثلان من عشرات الامثلة التي يحتاج كل منها الى مجلد للبحث، اخترناهما فقط لان التغاضي عنهما صار نافرا بدرجة كبيرة من جهة، ولان معالجتهما من خلال تطبيق القانون اسهل مما يعتقد اصحاب القرار من جهة اخرى.
الاصلاح لا يتجزأ يا سمو الرئيس وانتم الاقدر على الخوض فيه قدر المستطاع. وكلما رفعتم الغطاء عن المخالفين كبر الغطاء الشعبي من فوقكم... وهو الغطاء الأبقى من كل المناصب.
جاسم بودي