الأصدقاء الأميركيون ... كي لا نفهم!

تصغير
تكبير

مجموعة كبيرة من الاسئلة التي يطرحها الاميركيون انفسهم قبل الآخرين صارت احجية حقيقية لم تفلح حتى اللحظة كل ماكينات «الخائبين الجدد» في تفسيرها.
مجموعة كبيرة من المقاربات والمقارنات في شبكات متقاطعة وشبابيك سودوكو لن يجد المتابع حلا لها لا في العدد الحالي لسياسة الادارة ولا في الاعداد المقبلة. وحدها لعبة «الحية والسلالم» الشهيرة تصح كواقع منطقي يمكن التعامل معه.
لن ننجح مثلا في اكتشاف الاخطاء السبعة لانها اكثر من سبعة آلاف ولان الصورة نفسها مزيفة اكثر من النسخة. المرشح الديموقراطي للرئاسة الاميركية باراك اوباما يقول ان لا بد من فتح حوار مع انظمة في حديقة اميركا الخلفية مثل فنزويلا فتقوم القيامة عليه ويفجر ساسة وكتاب جام غضبهم على «قليل الوطنية» الذي يريد التطبيع مع انظمة مارقة، لكن ما قاله مثلا المرشح الجمهوري توم تانكريدو من وجوب ضرب اقدس مقدسات المسلمين مكة والمدينة بالسلاح النووي مازال حتى الآن «وجهة نظر» او في افضل الاحوال «رأيا شخصيا يمثل صاحبه».
تكرس اميركا جزءا كبيرا من يومياتها في الشرق الاوسط للدفاع عن الديموقراطية في لبنان. تدعو اللبنانيين الى ممارسة خياراتهم بحرية بعيدا من اي وصاية... ثم تمنع الادارة الاميركية لبنانيين في اميركا من دعم «خيارهم الحر» بتأييد هذا الفريق او ذاك ماديا وسياسيا بحجة ان ذلك يقوض جهود الحكومة اللبنانية، فيما رئيس الحكومة اللبنانية نفسه يتصل بالفرقاء «الممنوعين من الدعم» مهنئا اياهم على فوزهم بالانتخابات «الديموقراطية».
فقط ، وكي «لا نفهم» ايضا، نتذكر تبرع الاميركيين تاريخيا كافراد ومؤسسات للجيش الجمهوري الايرلندي وبطرق مختلفة فيما البريطانيون يتعرضون لعمليات تفجير منظمة من افراد هذا الجيش، ونتذكر ايضا تبرع اليهود تاريخيا كافراد ومؤسسات لعصابات هاغاناه وشتيرن ثم دولة اسرائيل التي لن نضرب الامثلة عن جرائمها لانها الطبق اليومي لاهل المنطقة.
ايران ، بالمعايير الاميركية، ليست دولة ديموقراطية رغم مشاركة اكثر من عشرين مليون ناخب في انتخابات الرئاسة والشورى والبلديات ورغم مشاركة المرأة السياسية الكبيرة فيها. دول اخرى في المنطقة، وبالمعايير الاميركية نفسها، هي دول تشيد واشنطن باستمرار بالعمليات الاصلاحية الكبيرة التي تحصل فيها رغم انها لم تعرف شيئا اسمه انتخابات ولا تعرف المرأة فيها شيئا عن الحقوق السياسية وربما غير السياسية. بل اكثر من ذلك، هناك دول آسيوية واميركية جنوبية ما زالت على لائحة المقاطعة الاميركية بسبب انتهاكات حصلت لحقوق الانسان فيها، فيما رفعت المقاطعة عن دولة «افريقية» (كما يحلو لقادتها تسميتها) مشهورة محليا واقليميا ودوليا بانتهاكاتها المستمرة لحقوق الانسان وبأن لا دستور فيها، بل لم يتورع مسؤولوها عن التشدق بانهم يفبركون التهم لرعايا اجانب مقابل صفقات مع الغرب ومع ذلك تعيش الشركات الاميركية الكبرى حالاً من الوجد الشديد مع هذه الدولة... فقط كي «لا نفهم».
انظمة آسيوية عسكرية وصلت في ظل النظام الدولي الجديد الى الحكم بانقلاب اطاح الشرعية فيها صارت من اكثر الانظمة صداقة للولايات المتحدة، وانظمة عربية صارت فيها انتخابات ديموقراطية حرة اوصلت تيارا معينا (مثل حركة حماس) الى السلطة رفضت اميركا التعامل معه وحاصرته ماليا وسياسيا.
صواريخ «ستنغر» خلال الحرب الباردة هي على اكتاف «مجاهدين مقاومين»، اما بندقية الكلاشنيكوف بعد سقوط الاتحاد السوفياتي فهي في ايدي «ارهابيين» رغم ان حاملها هو نفسه من حمل «ستنغر». عمليات «حزب الله» على ارض لبنان عمليات ارهابية وليست مقاومة، وعمليات القتل والاغتيال التي تمارسها اسرائيل على اراضي غيرها «دفاع مشروع عن النفس».
اساءة معاملة معتقل هنا، ملاحقة معارض هناك، خطف وتفجير وتجاوز القوانين... كلها عناصر يندد بها مطلع القصيد الاميركي صباح كل يوم، لكن الاميركيين خطفوا في جنح الظلام المشكوك بهم من دول اوروبية وعربية، وزرعوا المتفجرات في ضاحية بيروت الجنوبية لاغتيال العلامة السيد محمد حسين فضل الله، وتجاوزوا كل القوانين الانسانية المتعلقة بالمعتقلات في غوانتانامو.
حل الاميركيون الجيش العراقي وتركوا الارض سائبة امنيا كي تملأ الفراغ دول اقليمية مجاورة ومجموعات متطرفة وبقايا البعث... ثم ملأوا الدنيا تنديدا بتدخل سورية وايران وبعمليات «القاعدة». لماذا حلوا الجيش العراقي؟ ايضا لن نفهم.
هل نكمل بعشرات الامثلة من فلسطين الى بناما؟ لا يفيد طالما اننا سنصل الى الدائرة نفسها. ولكن ربما نفعت المحاولة مجددا اذا حاولنا مقاربة هذه الاحجية بمنظور آخر غير اعلامي وغير سياسي وغير اخلاقي. عندها قد نتمكن من حل بعض الالغاز وقد نفهم ونتمنى ساعتها... لو لم نفهم.
جاسم بودي
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي