تقسيم العراق من المخطئ؟... من الغبي؟

تصغير
تكبير
تقسيم العراق من المخطئ؟... من الغبي؟
منذ الاحتلال الاميركي للعراق والاسئلة تحتل عقولنا عن الخطوة التالية لسقوط بغداد ولم نجد سوى جواب واحد من ادارة الرئيس جورج بوش: «العراق سيكون النموذج الديموقراطي في الشرق الأوسط».
وعندما تم حل الجيش العراقي وجدنا اجابات كثيرة لسبب مبهم: «لاعادة بناء الجيش والقوات المسلحة على اسس تدريبية وبعقيدة سلمية» او «لتنقية الجيش من العناصر البعثية» او «لقد كان حل الجيش العراقي خطوة خاطئة غبية ارتكبها بول بريمر الحاكم المدني للعراق بعد احتلاله» او كما قال بوش نفسه قبل اسابيع في واحدة من «روائعه» اللغوية من انه «وحتى الآن» لا يدري لماذا حل بريمر الجيش العراقي، او كما قال لي شخصيا قائد القوات الاميركية السابق في المنطقة جون ابي زيد في مقابلة مع «الراي» بعد عام من الحرب «التاريخ وحده سيكشف ما اذا كان حل الجيش العراقي خطوة صحيحة ام خاطئة».
هذه الاجابات كانت مصدر قلق لاهل المنطقة الذين رأوا ان ما يجري على الارض في عراق ما بعد 2003 من جاهلية متوحشة وتخلف مميت معاكس تماما للاهداف المعلنة، ولم يتوقف المعنيون عن مطالبة «حليفتهم» و«صديقتهم» بخريطة طريق لفهم ما جرى ويجري، لانهم في قلب الحدث من جهة ولان نتائج ما سيحدث ستنعكس سريعا على دولهم ومجتمعاتهم... لكن الاجابات كانت دائما مثل الاسباب مبهمة، الى ان ظهر تفسير اخير خطير.
قبل ايام قرر الكونغرس الاميركي في اقتراح غير ملزم رعاه السيناتور الديموقراطي المرشح للانتخابات الرئاسية جوزف بايدن خطة لتقسيم العراق، واعتبر أنها المفتاح السياسي الذي سيتيح انسحاب القوات الأميركية من العراق ومنع انتشار الفوضى فيه. هذه التوصية حملت كل دلالات القلق واظهرت اما ان «حلفاءنا» ابعد ما يكونون عن فهم طبيعة العراق واما اننا ابعد ما نكون عن فهم حلفائنا.
قالوا ان التقسيم سيتم على اساس دولة كردية في الشمال واخرى سنية في الوسط وثالثة شيعية في الجنوب، من دون ادنى دراية عن التداخل الطائفي والعرقي في هذه المناطق.
ثم اراد بعضهم تلطيف القرار فقالوا ان التقسيم لن يتم على اساس اثني وعرقي بل على اسس جغرافية، متجاهلين عمدا ان عمليات التطهير بدأت فعليا في «الحاضنة» الاميركية او في المختبرات التي انتجها حل الجيش.
اعتبروا ان التقسيم سيحافظ على توزيع عادل للثروة، متجاهلين ان الصراع على الثروات اذا اندلع بشكل مباشر فإنه سيقضي عليها... وعلى المتصارعين عليها.
رأوا ان التقسيم يشكل مدخلا الى سلام دائم في العراق، متناسين انهم كانوا يردون على من ينتقد ادارتهم لامور العراق بالقول ان المشكلة الحالية سببها خارجي حيث تفتح دول الجوار حدودها للارهابيين ليدخلوا ويفجروا... وفجأة يظهر التقسيم حلا لمشكلة داخلية!
ثم ألم يسأل نفسه من اتخذ قرارا بحل الجيش العراقي كي لا تعود العناصر البعثية فيه الى لعب دور تخريبي عن المشاركة العسكرية الرسمية حاليا من هنا وهناك في عمليات القتل والتطهير؟
عودة سريعة الى ما حصل: تم حل الجيش العراقي. ملأت دول الجوار الفراغ الامني بمختلف الوسائل فهي ايضا ليست جمعيات خيرية ولم تخف هدفها في انهاك المشروع الاميركي في المنطقة. دخل الانتحاريون الذين بدأوا بضرب الاميركيين وانتهوا بضرب العراقيين ووحدتهم الوطنية. انضم متضررون عراقيون الى اعمال العنف كل لاسبابه الخاصة سواء كانوا بعثيين ام من السنة والشيعة والاكراد أم من المتطرفين الاسلاميين. ساهم الاميركيون في اعمال العنف من خلال تسليحهم لبعض الميليشيات والعشائر من جهة ونتيجة لتخبطهم وفشلهم في ادارة المصالحة السياسية من جهة اخرى، ناهيك عن اخطائهم الكثيرة من سجن ابو غريب الى قتل الضحايا بـ «نيران صديقة»... ومع ذلك بقي الرهان على تجاوز مصاعب المرحلة كبيرا من خلال تكثيف الجهود السياسية والامنية داخليا وتفكيك الملفات المتداخلة خارجيا، لكن توصية الكونغرس حولت البوصلة الى مكان آخر رغم الرفض السريع المعلن لها من اطراف عراقية واميركية ودولية.
اعطت التوصية لمعارضي المشروع الاميركي في العراق وقودا رهيبا لتوسيع نطاق معارضتهم. غذت النزعات الانفصالية لدى بعض المجموعات التي ظلمها نظام صدام حسين اشد الظلم وحرمها من المشاركة في السلطة والثروة. فتحت اكثر شهية الطامعين في ارض العراق وثرواته. اقلقت الساعين الى حلول سياسية داخلية وارهقتهم بعوائق جديدة فاذا كان العراق سيقسم فلماذا التضحية بحسابات مناطقية وطائفية وشعبية نتيجة سياسات وطنية عامة؟
والاهم من ذلك كله ان اقتراح تقسيم العراق رفع درجة الانذار الى الوانها القصوى في دول المنطقة التي تابعت بقلق عمليات تخصيب هذا التقسيم واستطاعت الى حد ما تحصين مجتمعاتها ومؤسساتها منه، لكن الصورة قد تتغير لاحقا اذا رأينا دويلات شيعية وسنية وكردية لكل مشروعها ولكل مأواها ولكل حمايتها الخارجية ولكل تطلعات تصديرية لتجربتها.
«التاريخ وحده سيكشف ما اذا كان حل الجيش العراقي خطوة صحيحة ام خاطئة»... صحيح كلام ابي زيد، لكنه لم يقل ما اذا كانت الجغرافيا ستبقى كما هي قبل ان يحكم التاريخ.
هل كانت خطوة بريمر خاطئة وغبية؟
ربما كان الذين صدقوا ذلك على درجة كبيرة من الخطأ... والغباء.
جاسم بودي
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي