أميركا وإيران والخليج ... أهل مكة أدرى بشعابها

تصغير
تكبير
 أميركا وإيران والخليج ... أهل مكة أدرى بشعابها
بتصريح واحد، وضعت الولايات المتحدة دول الخليج في قلب العاصفة المتوقعة من الشرق. وبتصعيد لغوي، رسمت وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس خريطة طريق لاجتماعات شرم الشيخ وما تلاها عندما حولت هدفه المعلن من بحث المؤتمر الدولي للسلام في فلسطين الى التصعيد ضد سورية وايران.
صحيح ان الملفات مترابطة الى حد كبير، لكن الاصح ان ادارة اميركا لهذه الملفات من فلسطين الى العراق لم تكن سيئة فحسب بل انعكست سلبا على كل دول المنطقة التي تجرعت رغما عنها كل الكؤوس المرة على طاولة الازمات... وآخرها ما يتعلق بايران وملفها النووي وتسليح دول الخليج.
وصحيح ايضا ان الولايات المتحدة صديقة وحليفة لكل دول الخليج، لكن الأصح انها تتجاهل «أهل مكة» حين تخطط لشعابهم بدل ان تستمع باهتمام وتركيز لآرائهم في ما يتعلق بقضاياهم وقضايا منطقتهم، وها هي في الموضوع الايراني تربط بين صفقات التسليح الجديدة لدول الخليج وبين اي مواجهة محتملة مع الجمهورية الاسلامية وكأن الدول الجارة لايران ستحارب بالواسطة لحساب آخرين او انها تسعى لامتلاك وسائل الردع ضد غزو افترضته اجهزة الكمبيوتر كما افترضت اشياء اخرى غيره.
في علم السياسة، لا نستطيع ان نقول اننا غير معنيين كدول خليجية بأي مواجهة محتملة بين الاميركيين والايرانيين، على الاقل لجهة الآثار والتبعات والانعكاسات. لكن في ضوء التجارب المؤلمة لما تريده اميركا من الشرق الاوسط الجديد نجد انفسنا مجبرين على القول بأننا لا نريد تجرع كأس الحرب مرة اخرى، ولسنا في وارد تحويل اراضينا الى منطلق لضرب ايران، ولا نريد ان نصدق ان ايران ستغزو كل دول الخليج وتحتلها في اطار صراعها مع «الشيطان الاكبر»، ولا نريد ان تبدأ عملية شحن منظمة ضد ايران و«مخططاتها» تصاحبها اجتماعات طارئة دولية وعربية تعرض فيها ، من خلال اجهزة بصرية وسمعية متطورة، «وثائق خطيرة» كتلك التي عرضها وزير الخارجية الاميركي السابق كولن باول في مجلس الامن عن اسلحة الدمار الشامل العراقية... ثم اعلن بعد خراب البصرة انه كان مضللا.
لم يكن احد ليستطيع الدفاع عن النظام العراقي السابق، ولا يمكن ان يتم التعامل مع ازمة المفاعل النووي الايراني براحة بال وطمأنينة، انما لا يمكن لاحد ان يدافع عن السياسة الاميركية في المنطقة واخطائها في العراق ودعمها اللامحدود لاسرائيل و«عطاياها» الاخيرة التي بلغت 30 مليار دولار مكافأة لها في الذكرى السنوية الاولى لعدوانها على لبنان.
اكثر من ذلك، ودائما في ضوء التجارب الواقعية،  نقول ان صفقات السلاح في المنطقة لا تنفع ولا تردع والبديل عنها قطعيا هو مناخ الثقة والامن والاستقرار. حدث ذلك معنا ومع غيرنا. مع حلفاء اميركا واعدائها. مع الذين استخدمتهم اميركا في الحرب عنها ثم ذاقوا الامرين منها... وهل هناك ضرورة لذكر الامثال من نورييغا الى صدام مرورا بـ «القاعدة»؟
دول الخليج ليست كيانات كرتونية بلا سيادة. ليست كتلا لا حول لها ولا قوة تتسلح بطلب اميركي وتهدأ بطلب مماثل. ليست مجموعات قاصرة عن فهم السياسة وتقدير المخاطر... وهي بالتأكيد ليست تابعا او قفازا او مخلبا للآخرين. وفي المقابل فان آخر ما تحتاج اليه دولنا هو «الدروس الثورية» والتحذيرات «القومية» التي يطلقها هذا الطرف العربي او ذاك من مغبة التسلح وانعاكسه على السيادة، فالتجارب اثبتت ان فهم دول الخليج للسيادة والعلاقات الندية مع الامم والوحدة الوطنية والانصهار الاجتماعي والرؤية الواقعية لمسار الصراع العربي – الاسرائيلي هو فهم متقدم عما هو موجود في دول اخرى قريبة فرطت بكل انواع السيادة والاستقرار والتنمية وحقوق الانسان لمصلحة شعارات تبين لاحقا انها تساوي مصلحة النظام.
زارنا وزير الدفاع الاميركي في اطار زيارة له في المنطقة مع رايس، وزارت مياه الخليج حاملات الطائرات الاميركية الضخمة، وبدأت دعوات الشحن والتحريض تصلنا بالبريد العادي والمستعجل، وتدافعت التحذيرات من ان مفاعل بوشهر اقرب الى الكويت من طهران... لكننا في النهاية اصحاب مصلحة حقيقية في الامن والاستقرار والتعايش السلمي وحسن الجوار مع ايران، لا نبخل عليها بالنصيحة الصادقة بضرورة التزام المعايير الدولية في نشاطاتها النووية السلمية، ولا نتوانى عن التعبير عن اعتراضنا الشديد على اي خطأ ترتكبه ضدنا كما حصل في قضية الاعتداء على ديبلوماسي كويتي في طهران.
الحرب مشروع اميركي وليس اقليميا، ونتمنى ان يدرك اصحابه ان المواجهة العسكرية – اذا حصلت- فستكون «أم الزلازل» ليس في المنطقة فحسب بل في اماكن اخرى كثيرة يعتقد اصحابها انهم في منأى عن الخطر.
هل تفاجئنا اميركا وتستمع لمرة واحدة الى نصائح حلفائها بوجوب التعقل في معالجة مشاكل المنطقة؟
نتمنى ذلك وان كنا غير متفائلين.
جاسم بودي
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي