هدف العبادة الاستراتيجي

تصغير
تكبير
نستطيع القول ان الهدف الاستراتيجي من معظم العبادات ومنها الصيام هو تأصيل حقيقة «التقوى» في الذات الفردية والجماعية بحيث تشكل مرجعية مركزية ومحورا اساسيا ونسقا جدليا وبنيويا في نسيج الشخصية في علاقاتها وجوانبها النفسية والفكرية والسلوكية: «يا ايها الذين امنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون» «البقرة 183» والتقوى كجزء مهم في المشروع الاسلامي الكبير من المفهومات والمصطلحات التي اهتم بها علماء النفس والربية والاجتماع الاسلاميون قديما وحديثا ولكنها لم تزل تفهم فهما بسيطا وسطحيا بل سلبيا في احيان كثيرة. في اطار النمذجة الحركية والسلوكية وهي لذلك تحتاج دراسات علمية منهجية معمقة: نفسية وفلسفية وتربوية واجتماعية في ضوء المصادر الاسلامية الاساسية والتجربة التاريخية ومقارنة بالنظريات العالمية الحديثة بشكل نقدي يضمن اقامة تصور نظري منهجي متماسك يصلح ليكون بداية قوية وصحيحة في مشروع او حملة تصحيح وتعميق التصورات والمفاهيم والمصطلحات في الذهنية الاسلامية، وسوف اكتفي هنا بتحديد ملامح مفهوم «التقوى» كمعطى حركي من الناحية العلمية تاركا المجال للراسخين بالعلوم الاسلامية والنفسية والفلسفية والتربوية والاجتماعية القيام بهمة صياغة الاطر النظرية وتأهيلها وتقنينها علميا ومنهجيا وفنيا.

التقوى علميا عبارة عن «جهاز وقائي» او «صمام أمان» من خصائصه الجذرية والحركية والتوازن والشمولية بعض الجوانب النفسية والفكرية والسلوكية... في الشخصية الاسلامية من الذوبان او التأثر السلبي او الاختراق او القبول بما يخالف المرتكزات الاساسية في التصور الاسلامي وروحها ومقاصدها.


والتقوى في الوقت ذاته «جهاز توجيه» و«طاقة رفع» يحدد ويواكب الاتجاهات والتوجهات المنسجمة مع المعطيات المركزية الاسلامية في جوانبها المتعددة والمتشابكة ويدفعها إلى تجسيد المبادئ و«النظريات» و«المواقف» و«البرامج» في انسان واقعية وعيانية على نحو سليم وحكيم وامين. فالتقوى اذا ضبط الامكانات واقعيا وانتاج ابداعي مستمر على احداثيات محاورها ومرجعيتها وانساقها البنيوية.

ان التقوى كمفهوم ومصطلح على هذا الاساس العلمي لا يمكن ان تتاصل في الذات الفردية او الجماعية على نحو عفوي او آلي كما لا يمكن ان تتحقق عبر محور «العادة» في مفهومها واجراءاتها الشكلية والروتينية لان عناصر الشحن والتجدد ولان مراكز الدفع المستمر والحركي غير متوافرة في بنية العادة وصيرورتها ومعطياتها في حين ان عناصر النجاح والانتاج متوافرة في فعالية العبادة.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي