العيد... هو يوم الجائزة

تصغير
تكبير

عند إطلالة فجر أول أيام العيد يبدو للناظرين لأول وهلة مظهر الحرية بأصدق تعبير ويتجلى في أبهى صوره معنى المساواة التي تتمثل بين الغني والفقير وبين الجليل والحقير. والعيد هو بهجة للنفس عند أداء واجبها لخالقها وكيف لا وقد عاد الناس إلى حياتهم الصاخبة بعد ان ارتضوا في شهر رمضان وما حمله رمضان من ايماءات هذبت نفوسهم وزكت فطرتهم وقوت عزائمهم وعقدت بينهم وبين اخوانهم اواصر المودة والإخاء فجعلتهم في صفوف الملائكة الأطهار وفي رحاب المقربين وهو يوم الجائزة... الساعة التي يروق للصائم وصفها فيفطر فيها تلبية لداعي الخالق بعد ان ادى خاضعاً مخبتاً النداء الالهي بالصوم فيلتقي الأمران وهو هذا نهاية السمو لجلال الصوم وما العيد في مفهوم الإسلام الا انتصار للمؤمن على نزوات النفس وارتقاء بها إلى مدارج الخلود المعنوي الذي يتركز في معطيات الصوم. والإسلام ينظر في مفهوم العيد على انه لمسة رحمة يمنحها المسلم لأخيه المسلم فيمسح بها الدموع من المآقي والكآبة وما هو الا باقة حب واريحية نقدمها للمحرومين والسائلين فإن لم يعلم هذا العيد الخير نقدمه للمجتمع الإسلامي قولاً وعملاً وسلوكاً وأخلاقاً فليس هو بعيد في مفهوم الإسلام إذ فيه تتجلى حكمة الإسلام الذي جاء بدين كله مساواة وإخاء ووداد وليصنع منهم خير أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، نعم هذا هو العيد يوافينا فجره ليذكرنا بمثله السامية ومعانيه الخالدة ليحفزنا بأن احتفالنا به جاء بعد جهاد مرير مع النفس والهوى فما أتى علينا هذا العيد الا وقد تعززنا بالغلبة والانتصار الكامل على مغريات الحياة الدنية وقدراتنا على كبح دوافع الشر وانتصار الايمان على الكفر وحين نستطيع بكل امكانياتنا نثر الحب ونشر الفضائل وحين نعد جيلاً رائعاً يشد بعضنا بعضاً في تضامن اسلامي رائع في حياتنا فذلك هو العيد. وإلى جانب هذه المميزات الروحية والنفسية ولذة الصفاء الروحي والتقوى القلبية وحيازتنا نعمة التوفيق على اداء حقوق شهر التقوى جاء العيد مذكراً لنا بنعمة إنزال الله القرآن الكريم وما تضمنه رمضان من النظام الخالد الذي هو أساس الحياة وروح العمران ومصدر التشريع الإلهي. ولو نظرنا إلى الابحاث السامية للعيد التي من أجلها نحتفل به لوجدنا ان الهدف الأسمى منه هو توثيق الأواصر بآثار الصيام وحكمته وتعويد انفسنا على التمسك بما قطفنا من  الثمار اليانعة في الصيام من بر وإحسان وعمل وأخلاق ومجاهدة حتى تتجلى تلك المعاني في تصرفاتنا اليومية مع الاخوان والجيران حتى يكون العيد مظهراً حياً لبث الوعي الإنساني ونشر المعاني الأخوية والمشاعر الإنسانية ومحاربة رذيلة البخل وحب الذات ويفرح فيها كل فرد بمساعدة أخيه كما انه فرصة لتأليف القلوب وتوحيد الصفوف واسعاد الأفراد والجماعات حتى يعم الفرح والمسرات المجتمع كله. ففي هذه اللحظة الخالدة ونحن نستقبل هذا اليوم الأغر حري بنا ان نتذكر ان اخواناً لنا في الدين والعقيدة بفلسطين وافغانستان والعراق والفيليبين والبوسنة والهرسك والشيشان يعيشون في بأس وضنك يأكلون الرصاص والقنابل يفترشون الأرض ويلتحفون السماء ويطاردهم الأعداء وفي صباح ذلك اليوم يخرج المسلمون الى المسجد او  مصلى العيد في أبهى حلة وأروع زينة اقتداء برسول الله (صلى الله عليه وسلم)  الذي كان يلبس برد حبرة في كل عيد. وروي الحاكم عن الإمام الحسن السبط عليه السلام قال: «أمرنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ان نلبس أجود ما نجد وأن نتطيب بأجود ما نجد وأن نضحي بأثمن ما نجد».

وفي ظلال هذه الأفراح الوارفة يحق لنا ان نستلهم من تعاليم الصيام كمكسب حافزاً لنا إلى التعلق بأهداب الدين والاكثار من ذكر الله الذي هو الشفاء للقلوب وجلاء للكروب وأن نعزم عزماً مؤكداً ان نجعل كل أيامنا أعياداً وأوقاتنا سروراً برضا الله العزيز الغفور ونعزم ان نكون اتقياء اصفياء والله تعالى هو القادر على ان يعيد العيد على المسلمين بالأمن والخيرات واليسر والبركات.



الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي