خيرالله خيرالله / خطاب حسن نصرالله استمرار للانقلاب على تركيبة لبنان...

تصغير
تكبير
خيرالله خيرالله



لا ينمّ الخطاب الأخير الذي ألقاه السيد حسن نصرالله الأمين العام لـ «حزب الله» في لبنان، وهو الحزب الوحيد المسلّح في البلد بحجة أنه يقاوم إسرائيل، سوى عن رغبة في متابعة الانقلاب الهادف إلى تغيير التركيبة اللبنانية. هذا الانقلاب بدأ بالفعل باغتيال رفيق الحريري الذي كان ضمانة للبنان العربي السيد الحر المستقل الساعي إلى أن يكون له موقعه على خريطة المنطقة وليس تابعاً للمحور الإيراني - السوري بكل ما يمثله من تطلعات ذات طابع مذهبي يُعتبر «حزب الله» من أبرز رموزها. الدليل على الرغبة في متابعة الانقلاب ما ورد في الخطاب الذي ألقاه نصرالله. لم يعد في الإمكان، في ضوء الخطاب، سوى التساؤل هل من مجال لإجراء انتخابات رئاسية بشكل طبيعي في لبنان...؟ أم أن المطلوب فراغ رئاسي يجعل إميل لحود قادراً على القول إنه سيبقى في قصر بعبدا إلى أجل غير مسمى، أي إلى ما بعد انتهاء ولايته، استناداً إلى نظرية قانونية تقول إنه يستحيل أن يكون هناك «فراغ في السلطة»؟

ما يمكن فهمه من خطاب الأمين العام لـ «حزب الله» في «يوم القدس»، وهو في المناسبة يوم إيراني يلتزمه الحزب بصفة كون مرجعيته إيرانية ذات طابع مذهبي، أن سلاح الحزب الإلهي بات موجهاً إلى اللبنانيين. صار سلاحاً في خدمة أغراض داخلية لبنانية، ليس إلاّ، بعدما صار متعذراً استخدام جنوب لبنان في اللعبة الإقليمية التي يعتبر «حزب الله» أداة من أدواتها ليس إلاّ. فما يتبين مع مرور الوقت أن القرار الرقم 1701 الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في أغسطس من العام 2006، أغلق جبهة الجنوب في وجه إيران وجعل «حزب الله» يحول سلاحه إلى الداخل. ولو لم يكن الأمر كذلك لما كان كل هذا الصياح يصدر عن الأمين العام لـ «حزب الله» لتأكيد أنه لا يمكن أن يكون هناك انتخاب لرئيس لبنان بالطرق القانونية والدستورية المتبعة، وأن هذا الرئيس ينتخب بموافقة الحزب أو لا يكون هناك رئيس للبلد الصغير.

في الأمس كان «حزب الله» مقاومة وكان يرفض الدخول في متاهات السياسة الداخلية اللبنانية، إلى أن تبين أن كل ما في الأمر أنه رأس حربة للمحور الإيراني - السوري في لبنان، وأن هدفه الأول والأخير خدمة أغراض هذا المحور وأهدافه عن طريق تكريس لبنان «ساحة» للصراعات الإقليمية يستطيع النظامان في إيران وسورية استخدامها لتحسين شروط التفاوض مع «الشيطان الأكبر» الأميركي و«الشيطان الأصغر» الإسرائيلي. يحصل ذلك كله على حساب لبنان واللبنانيين وأهل الجنوب خصوصاً الذين يصر «حزب الله» على استخدامهم وقوداً في معارك لا علاقة لهم بها على غرار ما كانت تفعل المنظمات الفلسطينية منذ توقيع «اتفاق القاهرة» في العام 1969 وحتى خروج منظمة التحرير الفلسطينية وعناصرها المسلحة من لبنان في العام 1982.

تحول حسن نصرالله من خلال خطابه الأخير إلى زعيم ميليشيا لبنانية. إنه يحاول عبر سلاح هذه الميليشيا ابتزاز الدولة اللبنانية خصوصاً واللبنانيين عموماً لتحقيق مكاسب تصب في خدمة النظامين السوري والإيراني والتوصل إلى توازن سياسي مختلف في البلد. لو لم يكن الأمر كذلك، لما كان السيّد حسن ذهب إلى حد اتهام إسرائيل باغتيال قيادات وشخصيات الرابع عشر من آذار، في حين أن الطفل، أي طفل، في لبنان يعرف تماماً من اغتال رفيق الحريري ومن اغتال كل اللبنانيين الشرفاء الذين يؤمنون بالعروبة الصادقة من رفاق رفيق الحريري، على رأسهم باسل فليحان وانتهاء بالنائب أنطوان غانم، مروراً بالطبع بكل من سمير قصير وجورج حاوي وجبران تويني وبيار أمين الجميل ووليد عيدو. من يتهم إسرائيل يستغبي اللبنانيين من دون أن يعني ذلك أنها ليست عدوّاً. ان إسرائيل عدو من دون أدنى شك مادامت لديها أطماع في الأرض والمياه العربية ومادامت ترفض الاعتراف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، لكن ذلك يجب ألا يجعلنا نتعامى عن الحقيقة. من يريد التعامي عن الحقيقة إنما يخدم إسرائيل من حيث يدري أو لا يدري. الأكيد أن من قتل رفيق الحريري وكل الذين استشهدوا بعده معروف جيداً من اللبنانيين. القاتل من هدد رفيق الحريري بشكل مباشر بأنه سينسحب من لبنان «لكنه سيحرق لبنان ويدمر بيروت على رأس الحريري وعائلته». الذي حصل أن من هدد بالقتل والتدمير نفّذ تهديده. فعل ذلك بعدما اضطر إلى الانسحاب من لبنان بفعل ثورة الشارع اللبناني، أي «ثورة الأرز» التي ارتدت طابعا سّنياً - مسيحياً- درزياً إلى حدّ كبير، والتي لا بدّ أن تشمل أبناء الطائفة الشيعية قريباً عندما يتحررون من عملية الخطف التي يتعرضون إليها حالياً.

لم تعد خطب حسن نصرالله تنطلي على أحد مهما رفع صوته واصبعه مهدداً. كل ما في ألأمر أن لبنان يمرّ حالياً في مرحلة مصيرية سيتبين بعدها هل يستحق الحياة أم لا؟ ومن هذا المنطلق تبدو انتخابات الرئاسة في غاية الأهمية نظراً إلى أنها ستكشف أن اللبنانيين لا يخشون أحداً ولا يخافون خصوصاً التهديدات التي يطلقها هذا الفريق أو ذاك المرتبط بالمحور الإيراني - السوري الذي لا همّ له سوى إبقاء لبنان «ساحة» يبتز عبرها العرب وغير العرب. وبدلاً من استخدام لغة التهديد والتخوين، يستطيع حسن نصرالله، في حال كان رجلاً حراً يرفض استخدام بلده وأهله وقوداً من أجل تمكين الآخرين، على رأسهم النظام السوري، تصدير أزماتهم الداخلية إلى الخارج، الانصياع لقواعد اللعبة الديموقراطية. كل ما عليه إدراكه ألا وجود لبلد في العالم يحتل فيه حزب مسلح وسط العاصمة ويدعو الآخرين إلى التفاوض معه من أجل الاتفاق على رئيس جديد للجمهورية يرفض القرارات الدولية وعلى رأسها القرار الرقم 1559 . هذا القرار اتخذ لينفّذ رغم أنه لم يُقر تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي يجعل منه قراراً ملزماً يسمح للأمم المتحدة بالاستعانة بالقوة بغية تنفيذه. سينفّذ القرار الرقم 1559 عاجلاً أم آجلاً بالكامل كونه نسخة طبق الأصل عن «اتفاق الطائف» الذي وافق عليه اللبنانيون، والذي هو في أساس دستورهم. أكثر من ذلك أن القرار 1559 مذكور في صلب القرار 1701 الذي وضع قوانين اللعبة الجديدة في جنوب لبنان أثر حرب صيف العام 2006 التي يعتبر «حزب الله» أنه خرج منتصراً منها...

في استطاعة «حزب الله» اعتبار أنه انتصر على إسرائيل في حرب الصيف الماضي. لكن ذلك الانتصار لا يعني في أي شكل أن عليه الآن توظيف سلاحه في تغيير قوانين اللعبة السياسية الداخلية في الداخل وأصولها، خصوصاً أن الأكثرية الساحقة من اللبنانيين تشعر بأن البلد عاد ثلاثين عاماً إلى خلف نتيجة هذا الانتصار. لا يستطيع لبناني أو عربي تجاهل تضحيات مقاتلي «حزب الله» وصمودهم إلا أنه ليس في استطاعة أي عاقل سوى الاعتراف بأن لبنان مُني بهزيمة ساحقة ماحقة نتيجة الأضرار التي لحقت ببنيته التحتية وبالحركة الاقتصادية. تكفي الإشارة إلى عدد اللبنانيين من ذوي الكفاءات العالية، من كل الطوائف والمناطق، الذين هاجروا منذ حرب الصيف للتأكد من حجم الخسائر التي لحقت بالوطن الصغير.

ما يمكن فهمه من الخطاب الأخير للأمين العام لـ «حزب الله» أنه لا يزال يراهن على الفراغ في موقع رئاسة الجمهورية. إنه يقول كلاماً كبيراً مرفقاً بتهديدات وبصوت عال لأخفاء أهدافه الحقيقية. على رأس هذه الأهداف رفضه القرار 1559 من زاوية أنه يرفض الطائف وأنه سيجد الوقت المناسب للانقضاض على القرار 1701. أما الهدف الآخر فيتمثل بحماية النظام السوري عبر تأكيد أن لبنان بلد غير قابل للحياة من دون المظلة الأمنية السوري بدليل أنه لم يعد قادراً على انتخاب رئيس للجمهورية وأن وسط العاصمة مشلول. يبقى بالنسبة إلى اتهام إسرائيل بأنها وراء اغتيال شخصيلت وقيادات لبنانية من الربع عشر من آذار، أن السؤال الذي يصح طرحه على السيّد حسن وغيره من زعماء المعارضة الذين يسيطر عليهم «حزب الله» ويسيّرهم، من ميشال عون إلى وئاب وهام، فهو الآتي: لماذا تأخر الأمر ثلاث سنوات؟ لماذا الحاجة إلى ثلاث سنوات لتوجيه التهمة إلى إسرائيل؟ أوليس ذلك دليل إفلاس سياسي قبل أي شيء آخر ودليل العجز عن قول كلام صريح عن رفض القبول بـ «اتفاق الطائف»؟ ليقل حسن نصرالله ما يفكر فيه «حزب الله» حقيقة. ليقل في العلن ما يقوله في السر عن أن الطائف لم يعد مقبولاً، لأنه يتجاهل الوزن الجديد للطائفة الشيعية في لبنان، هذا الوزن الذي يفرضه، أقله من وجهة نظره، خروج إيران منتصرة من الحرب الأميركية على العراق، بل المنتصر الوحيد في هذه الحرب من جهة وتمكن «حزب الله» من الاحتفاظ بسلاحه وشبكاته الأمنية على كل الأراضي اللبنانية من جهة أخرى. ليحدد الأمين العام لـ «حزب الله» مطالب الحزب ورغبته في أن يكون لديه موقع يمارس من خلاله حق الفيتو على أي قرار تتخذه الدولة اللبنانية أكان ذلك في شأن المحكمة الدولية أو أي شأن آخر. هذا هو جوهر المشكلة في لبنان. والباقي تفاصيل. وعرقلة انتخاب رئيس جديد للجمهورية تعبير عن هذه المشكلة ومدى عمقها لا أكثر ولا أقل.


خيرالله خيرالله

كاتب وصحافي لبناني مقيم في لندن

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي