نحو ميثاق مواطنة عربي


بقلم الأمير الحسن بن طلال |
لا يختلف اثنان على ان حال الأمة لا تسر صديقاً، وأننا مازلنا نراوح أنفسنا، فكل احاديثنا وأطروحاتنا حول المشروع النهضوي العربي المنشود ما زالت كلاماً فوق كلام. ما العنصر المفقود، إذاً؟
دعونا نستذكر ان النهضة الأولى أحيت الأمل في النفوس، فهذا اليازجي والريحاني والبستاني ومحمد عبده والكواكبي، إلى آخر القائمة المشرقة من الرواد، يرسون البدايات ويبدعون الأسس. وهذه أعمالهم تلخص تضاريس تلك «النهضة الأولى» العظيمة التي مازالت تتغلغل في الوجدان. فحبذا لو عدنا إلى النصوص الحية التي تركها اولئك الكبار كي نستلهمها في حاضرنا ومستقبلنا.
دعونا نستكنه الرؤى النافذة التي مثلها الشعار المتألق «الدين لله والوطن للجميع»، وكأن هؤلاء الرواد قد وضعوا اصبعهم على الجرح، وكأنهم يحذروننا من أي شرذمة اثنية او طائفية او دينية او عرقية او سواها. لقد تكالبت المحن والرزايا من الداخل والخارج، فأجهضت نهضتنا الأولى، مع انها بقيت نبراساً تنويرياً يضيء لنا الدروب حين تدلهم الخطوب.
ثم هبت رياح النهضة الثانية، الثورة العربية الكبرى التي حركت الأمة وبعثت الأمل من جديد. والنهضة ان هي الا ثورة في النهاية: ثورة في الذهنيات من قبل ومن بعد. فقد حملت هذه النهضة الثانية شعلة سابقتها من حيث سعيها لتأصيل الحداثة وتحديث الأصالة.
ومرة اخرى - للأسف (تختلط الأوراق وتؤول النهضة الثانية إلى ما آلت اليه نهضتنا الأولى: خواء وعبثية وفوضى في القيم والمعايير.
ألم يحن الآوان لنهضة ثالثة أكثر رسوخاً؟ نهضة تجني العبر من اخطاء الماضي وخطاياه؟ أرى ان نهضة كهذه لا بد ان تنطلق من ترسيخ مفهوم المواطنة وأن تنتهي بميثاق شرف، ميثاق مواطنة عربي يوضح الواجبات والحقوق والمسؤوليات للأفراد والجماعات. هذا ما نأمل ان ننجزه، ولو بخطوطه العامة، في الندوة الفكرية السنوية لمنتدى الفكر العربي المنوي عقدها في ابريل 2008 باستضافة المملكة المغربية الغالية بعنوان «المواطنة في الوطن العربي». وكان لي شرف تقديم هذا المفهوم، أو بعض ايحاءاته، في الندوة الفكرية السنوية السابقة للمنتدى التي استضافته دولة قطر العزيزة في شهر يناير 2007.
ما المواطنة، إذاً؟ بل ما المواطنية، إذا أردنا ان نرفع مستوى المفهوم باستعمال صيغة المصدر الصناعي؟
هناك أبعاد وأبعاد للمواطنة الكاملة، المواطنة بمعناها الشامل، ويمكن تلخيصها في نظرة جامعة من المؤمل ان يتم تناوله بالتفصيل في بنود الميثاق الذي نحن بصدد مناقشته وبحثه في المملكة المغربية:
البعد الإنساني: الرحمة، التكافل، التعاون، المساواة بين الجنسين، رفض أشكال التمييز كافة، الإعلاء من شأن الحرية، ضمان حق اختيار المعتقد.
البعد الديموقراطي: حرية اختيار السلطات السياسية، التداول السلمي على السلطة، تأكيد مفهوم التشاركية التي تعني مؤسسات الدولة بقطاعيها العام والخاص، بما في ذلك مؤسسات المجتمع المدني، تمكين النهج الديموقراطي والحس العام وتعزيز المناخ الديموقراطي بشتى السبل كي لا تبقى الديموقراطية مجرد شعار او كلمة صماء، احترام مبدأ التعددية وممارستها التي تقوم على وعي عميق بمفهومي التنوع والاختلاف في اطار حضاري يستوعب التمايز الثقافي والديني والعرقي والقبلي والطائفي: التنوع في اطار الوحدة.
البعد البيئي: المحافظة على البيئة وحمايتها، الانتماء للأرض، المحافظة على القدرة الاحتمالية للأرض.
البعد القانوني والدستوري: احترام القوانين والدساتير والمعايير التي تكفل للأفراد والجماعات حرية التعبير عن آرائهم بكلمات معدودات، أن يكون المواطن مالك «أسهم» في بلده ليس فقط معنوياً، بالمعنى التقليدي للانتماء، وإنما أيضاً مادياً، بمعنى ان تكون له حصة عادلة في بلده.
بإمكاننا الاستفادة من تجربة المسلمين الأوروبيين في صياغتهم الميثاق الأول للمسلمين في أوروبا، الذي حدد حقوق المواطنة لثلاثين مليون مسلم. لقد خاطب هؤلاء من خلال هذا الميثاق الاتحاد الأوروبي والمسلمين في اوروبا والعالم الإسلامي، على أساس التزامهم بحكم القانون ومبادئ التسامح وقيم الديموقراطية وحقوق الإنسان، وتمسكهم بقيم الحياة والإيمان والحرية والملكية والكرامة.
فأنا أدعو - مرة اخرى - إلى صوغ ميثاق مواطنة او مواطنيةعربي، على غرار ميثاق المسلمين الأوروبيين. إننا نطمح إلى تأسيس المواطنة الكاملة التي يكفل ميثاقها الحقوق المتساوية للأفراد والجماعات في المشاركة في السلطة واقتسام الثروات والحضور المتكافئ في الفضاء العام. وينطلق مفهوم المواطنة هذا من أمة عربية إسلامية تتبنى سياسة الانضواء تحت مظلة النواميس الإنسانية من خلال برامج وخطط ذات مضامين. فالأمة مفهوم فوق قطري يبدأ من قاعدة الهرم حتى قمته.
وحتى ذلك الحين، لنفكر على الأقل في مفهوم مواطنة انتقالية على غرار مفهومي الديموقراطية الانتقالية والعدالة الانتقالية، ليس لتأجيل الموضوع لاسمح الله، وإنما كي نكسب فسحة في الأمل والوقت والمرونة فنعمم هذه الأفكار وفلسفتها ومنهجيتها بين المواطنين والجماهير.
لم أكمل بعد حديثي عن المواطنة وميثاق المواطنة المنشود.فالحديث موصول بإذنه تعالى.
لا يختلف اثنان على ان حال الأمة لا تسر صديقاً، وأننا مازلنا نراوح أنفسنا، فكل احاديثنا وأطروحاتنا حول المشروع النهضوي العربي المنشود ما زالت كلاماً فوق كلام. ما العنصر المفقود، إذاً؟
دعونا نستذكر ان النهضة الأولى أحيت الأمل في النفوس، فهذا اليازجي والريحاني والبستاني ومحمد عبده والكواكبي، إلى آخر القائمة المشرقة من الرواد، يرسون البدايات ويبدعون الأسس. وهذه أعمالهم تلخص تضاريس تلك «النهضة الأولى» العظيمة التي مازالت تتغلغل في الوجدان. فحبذا لو عدنا إلى النصوص الحية التي تركها اولئك الكبار كي نستلهمها في حاضرنا ومستقبلنا.
دعونا نستكنه الرؤى النافذة التي مثلها الشعار المتألق «الدين لله والوطن للجميع»، وكأن هؤلاء الرواد قد وضعوا اصبعهم على الجرح، وكأنهم يحذروننا من أي شرذمة اثنية او طائفية او دينية او عرقية او سواها. لقد تكالبت المحن والرزايا من الداخل والخارج، فأجهضت نهضتنا الأولى، مع انها بقيت نبراساً تنويرياً يضيء لنا الدروب حين تدلهم الخطوب.
ثم هبت رياح النهضة الثانية، الثورة العربية الكبرى التي حركت الأمة وبعثت الأمل من جديد. والنهضة ان هي الا ثورة في النهاية: ثورة في الذهنيات من قبل ومن بعد. فقد حملت هذه النهضة الثانية شعلة سابقتها من حيث سعيها لتأصيل الحداثة وتحديث الأصالة.
ومرة اخرى - للأسف (تختلط الأوراق وتؤول النهضة الثانية إلى ما آلت اليه نهضتنا الأولى: خواء وعبثية وفوضى في القيم والمعايير.
ألم يحن الآوان لنهضة ثالثة أكثر رسوخاً؟ نهضة تجني العبر من اخطاء الماضي وخطاياه؟ أرى ان نهضة كهذه لا بد ان تنطلق من ترسيخ مفهوم المواطنة وأن تنتهي بميثاق شرف، ميثاق مواطنة عربي يوضح الواجبات والحقوق والمسؤوليات للأفراد والجماعات. هذا ما نأمل ان ننجزه، ولو بخطوطه العامة، في الندوة الفكرية السنوية لمنتدى الفكر العربي المنوي عقدها في ابريل 2008 باستضافة المملكة المغربية الغالية بعنوان «المواطنة في الوطن العربي». وكان لي شرف تقديم هذا المفهوم، أو بعض ايحاءاته، في الندوة الفكرية السنوية السابقة للمنتدى التي استضافته دولة قطر العزيزة في شهر يناير 2007.
ما المواطنة، إذاً؟ بل ما المواطنية، إذا أردنا ان نرفع مستوى المفهوم باستعمال صيغة المصدر الصناعي؟
هناك أبعاد وأبعاد للمواطنة الكاملة، المواطنة بمعناها الشامل، ويمكن تلخيصها في نظرة جامعة من المؤمل ان يتم تناوله بالتفصيل في بنود الميثاق الذي نحن بصدد مناقشته وبحثه في المملكة المغربية:
البعد الإنساني: الرحمة، التكافل، التعاون، المساواة بين الجنسين، رفض أشكال التمييز كافة، الإعلاء من شأن الحرية، ضمان حق اختيار المعتقد.
البعد الديموقراطي: حرية اختيار السلطات السياسية، التداول السلمي على السلطة، تأكيد مفهوم التشاركية التي تعني مؤسسات الدولة بقطاعيها العام والخاص، بما في ذلك مؤسسات المجتمع المدني، تمكين النهج الديموقراطي والحس العام وتعزيز المناخ الديموقراطي بشتى السبل كي لا تبقى الديموقراطية مجرد شعار او كلمة صماء، احترام مبدأ التعددية وممارستها التي تقوم على وعي عميق بمفهومي التنوع والاختلاف في اطار حضاري يستوعب التمايز الثقافي والديني والعرقي والقبلي والطائفي: التنوع في اطار الوحدة.
البعد البيئي: المحافظة على البيئة وحمايتها، الانتماء للأرض، المحافظة على القدرة الاحتمالية للأرض.
البعد القانوني والدستوري: احترام القوانين والدساتير والمعايير التي تكفل للأفراد والجماعات حرية التعبير عن آرائهم بكلمات معدودات، أن يكون المواطن مالك «أسهم» في بلده ليس فقط معنوياً، بالمعنى التقليدي للانتماء، وإنما أيضاً مادياً، بمعنى ان تكون له حصة عادلة في بلده.
بإمكاننا الاستفادة من تجربة المسلمين الأوروبيين في صياغتهم الميثاق الأول للمسلمين في أوروبا، الذي حدد حقوق المواطنة لثلاثين مليون مسلم. لقد خاطب هؤلاء من خلال هذا الميثاق الاتحاد الأوروبي والمسلمين في اوروبا والعالم الإسلامي، على أساس التزامهم بحكم القانون ومبادئ التسامح وقيم الديموقراطية وحقوق الإنسان، وتمسكهم بقيم الحياة والإيمان والحرية والملكية والكرامة.
فأنا أدعو - مرة اخرى - إلى صوغ ميثاق مواطنة او مواطنيةعربي، على غرار ميثاق المسلمين الأوروبيين. إننا نطمح إلى تأسيس المواطنة الكاملة التي يكفل ميثاقها الحقوق المتساوية للأفراد والجماعات في المشاركة في السلطة واقتسام الثروات والحضور المتكافئ في الفضاء العام. وينطلق مفهوم المواطنة هذا من أمة عربية إسلامية تتبنى سياسة الانضواء تحت مظلة النواميس الإنسانية من خلال برامج وخطط ذات مضامين. فالأمة مفهوم فوق قطري يبدأ من قاعدة الهرم حتى قمته.
وحتى ذلك الحين، لنفكر على الأقل في مفهوم مواطنة انتقالية على غرار مفهومي الديموقراطية الانتقالية والعدالة الانتقالية، ليس لتأجيل الموضوع لاسمح الله، وإنما كي نكسب فسحة في الأمل والوقت والمرونة فنعمم هذه الأفكار وفلسفتها ومنهجيتها بين المواطنين والجماهير.
لم أكمل بعد حديثي عن المواطنة وميثاق المواطنة المنشود.فالحديث موصول بإذنه تعالى.