كتاب / «اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية الأميركية»










| واشنطن - من مفيد عبدالرحيم |
أخيراً صدر الكتاب الذي أثار حفيظة الكثيرين حتى قبل أن يصدر، وهو أمر قلّ ما يحصل في عالم الطبع والنشر، وهو كتاب «اللوبي الاسرائيلي والسياسة الخارجية الأميركية» لمؤلفيه الدكتور جون ميرشايمر، أستاذ العلوم السياسية بجامعة شيكاغو، والدكتور ستيفن والت، أستاذ العلوم السياسية بجامعة هارفارد. ويتحدث الكتاب، الذي ستنشر «الراي» أبرز ما ورد فيه، بتفصيل غير مسبوق عن نفوذ اللوبي الاسرائيلي في صناعة السياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط، وفي علاقات أميركا التي يصفانها بـ «غير المسبوقة» مع اسرائيل.
يطرح الكتاب، على عكس الكثير من الكتاب والدراسات التي سبقته عن الموضوع، تعريفاً أوسع للوبي الاسرائيلي، بما في ذلك بحث أكثر استفاضة لدور «اليمين المسيحي» في اللوبي الاسرائيلي والدوائر الصديقة لاسرائيل في الولايات المتحدة. ويقول الكاتبان انهما يقدمان أيضاً تسجيلاً أكثر تفصيلاً لمسلك اسرائيل في الماضي والحاضر، خصوصاً تجاه الفلسطينيين: «نحن نقوم بهذا لا بسبب عداوة شخصية لاسرائيل أو لمؤيديها في الولايات المتحدة، أو لأننا تواقون لتسليط الضوء على سوء المسلك الاسرائيلي، بل اننا نعالج هذه المسألة لأنها مسألة مركزية لبعض الحجج الأخلاقية التي تُساق لتبرير المستوى الاستثنائي من الدعم الأميركي للدولة اليهودية. اننا، بكلمات أخرى، نسلط جهدنا على المسلك الاسرائيلي لأن الولايات المتحدة تسلط درجة استثنائية من دعمها لاسرائيل. ونبحث كذلك المسألة المثيرة للجدل المتمثلة في (ازدواجية الولاء) التي لم نقم بتغطيتها في مقالنا الأصلي». واللافت هو أنه رغم أن المقال الأصلي الذي بنى المؤلفان كتابهما الجديد عليه لم يكن بحظوة الكتاب نفسه، فذاك المقال لم تجرؤ مجلة أو مطبوعة أميركية أخرى على نشره، حتى المجلة التي كانت تعاقدت مع المؤلفين أصلاً على اعداده لحسابها، وهي مجلة «أتلانتيك مانثلي» الأميركية الشهرية المعروفة، فان الكتاب نفسه صدر عن دار نشر أميركية. وهذه الدار هي دار نشر «فرار، ستراوس أند غيرو» في نيويورك. أما المقال الأصلي، فقد كان المؤلفان «هربا» به الى لندن لنشره في مجلة «ذي لندن ريفيو أوف بوكس» اللندنية التي تلقفته من دون الكثير من التردد حينئذ.
الحلقة الرابعة / دعم واشنطن لتل أبيب... لا حدود له
في أحد أجزاء كتاب «اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية الأميركية» يشير المؤلفان إلى بعض التفصيل عن العديد من الجوانب التي لا يعرفها حتى المواطنون الأميركيون، ومن بينها الحجم الحقيقي للمساعدات الأميركية لإسرائيل والمساعدات الأخرى التي تدخل في الحساب، فضلاً عن كشفهما عن جوانب أخرى مثيرة عن مسألة المساعدات الخارجية الأميركية هذه للدولة العربية. ويعتبران أن إسرائيل تتلقى الآن ما معدله ثلاثة مليارات دولار سنوياً من المساعدات الخارجية المباشرة، وهي مساعدات تمثل سدس مجموع المساعدات الخارجية الأميركية كلها لبقية العالم، وتمثل نحو 2 في المئة من الدخل القومي العام لإسرائيل سنوياً. كما يشيران إلى أن نحو 75 في المئة من مجموع هذه المساعدات في الآونة الأخيرة كانت مساعدات عسكرية، أما البقية فتقسم على هيئة سلة من المساعدات الاقتصادية المختلفة. وبالنسبة إلى عدد سكان إسرائيل، فإن هذه المساعدات تمثل ما يمكن أن يكون مساعدة شخصية أميركية لكل مواطن إسرائيلي تبلغ 500 دولار سنوياً، وفي المقابل فإن الدولة الثانية لناحية حجم المساعدات الأميركية المباشرة إليها، وهي مصر، فيحصل فيها المواطن المصري على مبلغ 20 دولاراً سنوياً. أما دول أخرى مثل باكستان وهاييتي، مثلاً، فيحصل المواطن فيها على مساعدات أميركية لا تزيد عن خمسة دولارات أو 27 دولاراً على التوالي.
ويرى المؤلفان أنه مع اعتبار أن مبلغ «ثلاثة مليارات دولار هو مبلغ سخي، فإن هذه ليست القصة كلها». ويوضحان بأن مبلغ الثلاثة بلايين دولار هذا «يستثني عدداً كبيراً من الفوائد الأخرى التي تحصل عليها إسرائيل، وهو ما يخفض بصورة كبيرة من حجم المساعدات الأميركية الفعلية لإسرائيل». ويستشهد المؤلفان بتصريح للنائب لي هاملتون (الديموقراطي من إنديانا الذي كان لفترة رئيسا للجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب) يعود إلى العام 1991 ويقول فيه إن «إسرائيل هي واحدة من ثلاث دول في العالم يتجاوز حجم المساعدات الأميركية لها الأرقام المتداولة شعبياً، وان حجم المساعدات لإسرائيل الحقيقي يصل إلى 4.3 بليون دولار سنوياً». ويلفت المؤلفان إلى أن هذا الفرق بين مبلغ ثلاثة مليارات وأربعة مليارات وثلاثمئة مليون دولار (التي تحصل عليها إسرائيل فعلياً) يظهر بسبب أن إسرائيل تحصل على المساعدات الأميركية المقدمة لها بصورة أكثر تفضيلية من الآخرين من متلقي المساعدات الأميركية. ولهذا، إن الغالبية العظمى من متلقي المساعدات الأميركية يحصلون على مساعداتهم على صورة دفعات ربعية (أي كل ربع سنة)، ولكن منذ العام 1982، فإن تشريع المساعدات الخارجية يتضمن نصاً «خاصاً بإسرائيل فقط» بأن تتلقى إسرائيل مساعداتها دفعة واحدة في الأيام الثلاثين الأولى من السنة المالية». ولذا يرى المؤلفان أن هذا «هو كمثل أن يتلقى موظف كامل معاشه السنوي في الشهر الأول من السنة، وهو ما يعني أن بوسعه أن يستخدم معاشه السنوي هذا للحصول على فوائد بنكية منه إلى أن ينفقه بنهاية العام».
بل إن الأمر يصبح أكثر إثارة، فيكشف المؤلفان أنه بسبب أن الحكومة الأميركية عادة ما تعاني من عجز سنوي في الميزانية في العقود الثلاثة أو الأربعة الماضية، فإنه وحسب حسابات مكتب أبحاث الكونغرس، فإن الحكومة الأميركية تقوم باقتراض هذا المبلغ في بداية السنة المالية لدفعه إلى إسرائيل، حسب التشريع مرة واحدة وفي الثلاثين يوماً الأولى من السنة المالية الأميركية (التي تبدأ في الأول من أكتوبر)، وهو «ما يكلف دافعي الضرائب الأميركيين ما مجموعه ما بين 50 مليوناً إلى 60 مليون دولار سنوياً لتسديد فوائد المساعدات التي تدفعها لإسرائيل سنوياً، والتي عليها أن تدفعها لها دفعة واحدة وفي الشهر الأول من السنة المالية». والأكثر من ذلك أن «الولايات المتحدة تدفع لإسرائيل فوائد على ما تستثمره الدولة العبرية من هذه المساعدات في السندات الحكومية الأميركية». ويستشهد المؤلفان ببيان للسفارة الأميركية في إسرائيل جاء فيه أنه «بسبب دفع الولايات المتحدة لمساعداتها السنوية لإسرائيل في فترة مبكرة ودفعة واحدة على مدى الأعوام العديدة الماضية فإن ذلك ساعد إسرائيل على الحصول على ما مجموعه 660 مليون دولار على هيئة فوائد على هذه المساعدات حتى العام 2004».
وحسب المؤلفين، فإن هذه المساعدات لا تشمل المساعدات العسكرية التي تقدمها واشنطن لإسرائيل (هذه غير المساعدات العسكرية الرسمية) على هيئة معدات فائضة، والتي بلغت قيمتها في عام واحد، وهو العام 1991 وحده مبلغ 700 مليون دولار!
وفضلاً عن ذلك، فإن الولايات المتحدة تشترط على الدول التي تحصل على مساعدات عسكرية منها أن تنفق كل ما تحصل عليه من مساعدات عسكرية في الولايات المتحدة، وذلك لكي تفيد من ذلك شركات ومصانع الأسلحة الأميركية. ولكن المؤلفين يشيران إلى أن «إسرائيل هي الوحيدة من دول العالم التي تحصل على استثناء خاص ينص على ان بمقدور إسرائيل أن تنفق «واحداً من كل أربعة دولارات، أو 25 في المئة، من هذه المساعدات داخل إسرائيل نفسها لدعم الصناعات العسكرية الإسرائيلية نفسها، والدليل على ذلك بيان لمركز أبحاث الكونغرس في هذا المجال الذي يقول إنه ليس هناك أي دولة أخرى في العالم تمنح هذا الإعفاء. ويضيف المركز أن هذا ساعد إسرائيل في تحويل صناعتها العسكرية إلى صناعة كبيرة، بحيث انها أصبحت في العام 2004 ثامن دولة مصدرة للأسلحة في العالم».
وحين يتحدث المؤلفان عن المساعدات الأخرى التي تصل إسرائيل من الولايات المتحدة، فإن الصورة تصبح أكثر تعقيدا وإثارة، فهما ينقلان عن الرئيس الإسرائيلي الحالي شمعون بيريز القول في كتاب جديد له القول إن «تبرعات من يهود مغتربين (بمن فيهم العديد من الأميركيين) هي التي ساهمت في إنشاء البرنامج النووي الإسرائيلي السري في الخمسينات والستينات». كما يتحدث المؤلفان عن عشرات المؤسسات والجمعيات «الخيرية» المنتشرة في الولايات المتحدة التي تجمع الأموال لأغراض مختلفة لإسرائيل مع احتساب كل هذه الأموال كأموال معفاة من الضرائب للذين يتبرعون بها لإسرائيل. إحدى هذه المؤسسات، حسب الكتاب، هي مؤسسة «أصدقاء جيش الدفاع الإسرائيلي» التي جمعت في عشاء واحد في نيويورك أخيراً «مبلغ 18 مليون دولار، وهو مبلغ معفى من الضرائب حسب القانون الأميركي».
ويكشف المؤلفان حقيقة لا يعرفها كثيرون تعود إلى المفاوضات الإسرائيلية - المصرية لفض الاشتباك في العام 1975. ويقول الكاتبان إن وزير الخارجية الأميركي هنري كيسنجر وقع في العام 1975 على «مذكرة تفاهم» مع إسرائيل «تتعهد بموجبها الولايات المتحدة بتلبية احتياجات إسرائيل النفطية في حال وقوع أزمة، وأن تمول الولايات المتحدة وتخزن مخزوناً احتياطياً استراتيجياً من النفط لإسرائيل، وهو ما يكلف الخزينة الأميركية مئات الملايين من الدولارات سنوياً، وهذه المذكرة «تم تجديدها حين وقعت مصر وإسرائيل معاهدة السلام بينهما في العام 1979 ولا تزال تجدد سنوياً بهدوء منذ ذلك التاريخ».
ويشير المؤلفان إلى جانب مهم من جوانب العلاقة الأميركية - الإسرائيلية، ألا وهو الدعم السخي الذي تقدمه الولايات المتحدة لإسرائيل منذ إقامتها تقريباً، على الصعد المالية والعسكرية والديبلوماسية والسياسية. ولكنهما يخلصان إلى نتيجة واحدة لا يعيها كثيرون: الولايات المتحدة لم تستطع في واقع الأمر استعمال هذا القدر الهائل من مساعداتها لإسرائيل لحملها على الانصياع للرغبات الأميركية. بل إنهما يؤكدان أن واشنطن تلجأ حين تريد «الضغط على إسرائيل» لحملها على القيام بعمل أو الإقلاع عن القيام بعمل آخر، إلى إغرائها بالمزيد من المساعدات والمواقف السياسية والديبلوماسية الداعمة لها، ويشددان على أن أيام استعمال المساعدات الأميركية للضغط على إسرائيل «ولت».
إن أبرز سمات التأييد والدعم الأميركي لإسرائيل هو «طبيعته اللامشروطة المتزايدة باستمرار». إن الرئيس دوايت أيزنهاور كان قادراً أن «يهدد بمصداقية» بوقف المساعدات الأميركية لإسرائيل بعد حرب السويس عام 1956 (مع أنه واجه معارضة قوية في الكونغرس حتى حينئذ حين فعل ذلك)، ولكن «هذه الأيام باتت من الماضي فعلاً». ومنذ منتصف الستينات وإسرائيل تواصل تلقي الدعم السخي حتى حين كانت تقوم بأفعال يعتبرها المسؤولون الأميركيون «غير حكيمة وتتناقض مع المصالح القومية الأميركية»، فإسرائيل تحصل على المساعدات الأميركية السخية هذه، رغم أنها ترفض التوقيع على معاهدة عدم نشر الأسلحة النووية وبرامج أسلحة الدمار الشامل لديها. وهي تحصل على المساعدات الأميركية السخية حين تواصل بناء المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة مع أن السياسة الأميركية تعارض هذه السياسة. وهي تحصل على المساعدات حين تقوم بضم الأراضي التي تحتلها بالقوة، كما فعلت حين ضمت هضبة الجولان السورية والقدس الشرقية التي هي من أعقد قضايا الوضع النهائي التي تحول دون تحقيق سلام بينها وبين الفلسطينيين والعرب، وهي تحصل على المساعدات حين «تبيع تكنولوجيا عسكرية أميركية» لأعداء محتملين للولايات المتحدة مثل الصين، وحين تقوم بأعمال التجسس على الأرض الأميركية، أو تستخدم الأسلحة الأميركية بطرق تخالف القوانين الأميركية (كما فعلت حين استخدمت القنابل العنقودية في ساحة مدنية في حربها الأخيرة على لبنان). وهي تحصل على مزيد من المساعدات حتى حين ينكث قادتها بوعودهم للرؤساء الأميركيين. ويضرب المؤلفان على ذلك مثلاً هو تعهد رئيس وزراء إسرائيل السابق مناحيم بيغن للرئيس الأميركي السابق رونالد ريغان بألا تقوم إسرائيل بالضغط على الكونغرس للوقوف ضد رغبة الرئيس الأميركي حينئذ في عقد صفقة طائرات الإيواكس السعودية عام 1981، ثم «قام بيغن بعد ذلك مباشرة وعقد جلسة مع عدد من أعضاء مجلس الشيوخ واعترض في ذلك الاجتماع على تلك الصفقة».
وفي حقيقة لا يستطيع تصورها القراء العرب، بل وقد يستهجنها الأميركيون على حد سواء لو عرفوا بها فعلاً، وهي أن «هذا السخاء الأميركي، كما يمكن أن يفكر المرء، يتعين أن يمنح أميركا نفوذاً مهماً جداً على المسلك الإسرائيلي، ولكن هذه لم تكن الحال واقع الأمر في غالب سنوات العلاقة الأميركية - الإسرائيلية الخاصة!»
ويرى المؤلفان أنه حين «يتعلق الأمر بإسرائيل، فإن المسؤولين الأميركيين يستطيعون الحصول على تعاون منها فقط بعرضهم المزيد من المكافآت عليها (زيادة المساعدة إليها، مثلاً) بدلاً من استعمال العقوبات (مثل التهديد بحجب المساعدات عنها). فمثلاً، وافقت إسرائيل على قرار مجلس الأمن رقم 242 الصادر بعد حرب عام 1967، والذي ينص على انسحابها من أراض احتلتها في حرب الأيام الستة – فقط بعد أن قدم الرئيس نيكسون تعهداً «خاصاً» لها بقيام الولايات المتحدة بتزويدها بمزيد من الطائرات الأميركية. وهي وافقت على وقف إطلاق النار في حرب الاستنزاف مع مصر في أواخر الستينات بعد تقديم واشنطن تعهداً لها بتسريع تسليم الطائرات الأميركية إليها، وبتزويدها بوسائل إلكترونية مضادة للصواريخ المضادة للطائرات التي كان الاتحاد السوفياتي زود بها مصر حينها. ويستشهد المؤلفان بقول لشمعون بيريز، الرئيس الإسرائيلي الآن، والذي كان وزيراً من دون حقيبة في فترة مطلع السبعينات: «بالنسبة إلى قبولها ببرامج الولايات المتحدة، فإنني أقول إنهم عادة ما يتعاملون معنا بمنحنا المزيد من الجزرات (المكافآت) بدلاً من العصي (العقوبات)، وعموماً فهم لم يهددونا أبداً بفرض العقوبات».
وحين يتعلق الأمر بالمحاولات التي قام بها المسؤولون الأميركيون في أحيان قليلة باستخدام نفوذ واشنطن المحتمل على إسرائيل لحملها على القيام بعمل ما أو التوقف عن القيام بعمل ما، فإن تلك المحاولات نادراً ما كانت تنجح «حتى حين كان المسؤولون الأميركيون يبدون غضباً شديداً تجاه ممارسات إسرائيل». وحين فقد الرئيس جيرالد فورد ووزير الخارجية الأميركي هنري كيسنجر «صبرهما» تجاه التعنت والصلف الإسرائيلي خلال مفاوضات فك الاشتباك مع مصر في العام 1975، تم «حرف تهديد وجه لإسرائيل بحجب المساعدات عنها وإجراء مراجعة واسعة للسياسة الأميركية تجاهها بعد أن وجه 76 عضواً في مجلس الشيوخ رسالة رعتها «أيباك» طالبت الرئيس بأن «يظل متجاوباً مع احتياجات إسرائيل الاقتصادية والعسكرية». و«في ظل تقييد قدرة الرئيس فورد بعدها على حجب المساعدات عن إسرائيل، فإنه لم يترك سوى أمام خيار مواصلة ديبلوماسية الخطوة، أي خطوة في عملية السلام المصرية الإسرائيلية ومواصلة العمل على الحصول على (التنازلات الإسرائيلية) عن طريق تقديم المزيد من المغريات لها».
وهناك أمثلة أخرى على حالات بلغ فيها الغضب وانعدام الصبر لدى القادة الأميركيين أشده، ومع ذلك فإن الرؤساء الأميركيين، ربما لإدراكهم أن الخيارات التي أمامهم هي خيارات محدودة حين يتعلق الأمر بمعاقبة الإسرائيليين، كانوا ينأون بأنفسهم عن التهديد باستعمال العقوبات ضد إسرائيل أو التهديد بحجب بعض المعونات عنها. فالرئيس كارتر «استشاط غضبا» حين تبلغ أن رئيس وزراء إسرائيل حينئذ بيغن لم يطبق كامل بنود اتفاق السلام مع مصر للعام 1978، ولكنه «لم يحاول أبداً استعمال المساعدات الأميركية لإسرائيل للضغط عليها لكي تتقيد ببنود تلك الاتفاقية». وكذلك الرئيس بيل كلينتون هو الآخر استشاط غضبه أكثر من مرة مع رؤساء الوزراء الإسرائيليين، ولكنه لم يفعل شيئاً.
ويوضح المؤلفان أن كلينتون غضب جداً حين أدرك أن رئيسي وزراء إسرائيل المتعاقبين بنيامين نتنياهو وإيهود باراك لم يطبقا بنود اتفاقية أوسلو بنصها مع الفلسطينيين، بل إنه «استشاط غضباً» حين نكث باراك عهده للزعيم الفلسطيني ياسر عرفات أمام كلينتون بالانسحاب من ثلاث قرى فلسطينية في منطقة القدس، قائلاً: «باراك يجعلني أبدو كما لو كنت رسولاً مزيفاً في أعين زعيم أجنبي آخر هو عرفات». وكذلك فإن كلينتون يقال إنه «غضب جداً حين قام باراك في قمة كامب ديفيد عام 2000 بتغيير مواقف سابقة كان قدمها لكلينتون، إذ قال الأخير لباراك: «لا أستطيع أن أذهب لأرى عرفات بمواقف متغيرة كهذه. أنت تستطيع أن تبيع هذه المواقف، أما أنا فلا أستطيع ذلك. هذا ليس جدياً». ومع ذلك فإن كلينتون «لم يهدد ولو مرة باستعمال حجب المساعدات الأميركية عن إسرائيل».