الدليل الفقهي


السؤال: بعد ان عرفنا في سؤال سابق ان جمهور العلماء يرى حرمة حلق اللحية وهو أخذها بالكلية، فالسؤال الآن: هل يجوز أخذ شيء من اللحية؟
الجواب: ذهب كثير من العلماء - ومنهم الحنفية والحنابلة - الجواز الأخذ من اللحية اذا زاد طولها عن القبضة، وذهب بعضهم الى تقييد الجواز بما اذا تشوهت بافراط طولها او عرضها، وهذا منقول عن الحسن البصري وعطاء من التابعين، وبه اخذ القاضي عياض والحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله.
وقد نص الامام أحمد رحمه الله على جواز اخذ ما زاد عن القبضة، ونقل عنه الحنابلة أنه أخذ من عارضيه، والعارض: هو صفحة الخد: وقد ثبت في صحيح البخاري: وكان ابن عمر اذا حج او اعتمر قبض على لحيته، فما فضل أخذه». وقد اختلف العلماء في تأويل فعل ابن عمر رضي الله عنهما هذا، وقال الحافظ ابن حجر: «الذي يظهر: ان ابن عمر كان لا يخص هذا بالنسك، بل كان يحمل الامر بالاعفاء على غير الحالة التي تتشوه فيها الصورة بافراط طول شعر اللحية او عرضه «اهـ. وقد ثبت عن غيره من الصحابة رضي الله عنهم انهم كانوا يأخذون ما زاد على القبضة.
وقد أخرج ابن جرير في تفسيره باسناد حسن عن ابن عباس رضي الله عنهما انه فسر قوله تعالى: في آية الحج: (ثم ليقضوا تفثهم) بأن ذكر منه الأخذ من العارضين، وكأنه رضي الله عنه تعمد ان ينص على ذلك ليبين للناس جواز الاخذ منهما.
وهذا كله لا يعارض الاحاديث التي فيها الأمر بالاعفاء، وانما هو يوضحه ويبينه، فان الاعفاء معناه في اللغة الاكثار، كما قال تعالى: (حتى عفوا وقالوا قد مس آباءنا الضراء والسراء) حتى عفوا: اي: كثروا، والأمر بمطلق الاعفاء والارخاء - الذي هو الاطالة - يصدق على أي فرد - معنى - يتحقق به، كما لو قلت مثلا لرجل: أكثر من الصدقة، فبأي اكثار تمت به الصدقة يكون قد امتثل الامر وحقق المقصود، ولا يشترط ان يخرج ماله كله حتى يكون مكثرا من الصدقة، وهكذا ما نحن فيه، فاذا ما تم الاكثار من شعر اللحية، تحقق المقصود والمطلوب، والله تعالى أعلم.