الإسلام والفن / فلسفة فنون الإسلام (3)

تصغير
تكبير

 


| القاهرة - من د.عبدالغني محمد عبدالله  |


تعرف عند أهل أوروبا باسم الفزع من الفراغ اي الرهبة او الخوف من الفراغ الا ان هذه الفسلفة الفنية تعرف عند الفنانين المسلمين باسم كراهية الفراغ. وهي نظرية فنية تقول ان الفنان المسلم كان يكره ان يترك مساحات دون تغطيتها بالزخارف واشغال المساحات في العمائر والتحف بالزخارف وهذا الرأي قد دفع الفنان الى تكرار الوحدة الزخرفية. وتكرار الموضوع الزخرفي، ويظهر ذلك في الموضوعات التي يرسمها المصور المسلم في المخطوط وفي سائر التحف الاسلامية وحسبنا ان نذكر بعض الرسوم الشائعة في الفنون الاسلامية مثل الاوراق النباتية التي كان أشهرها ورقة العنب ذات الفصوص الخمسة وورقة البرسيم ذات الفصوص الثلاثة وورقة الاكنش وهي المشهورة باسم شركة اليهود اضافة الى الرسوم والوحدات الزخرفية الهندسية والحيوانات المتدابرة والمتواجهة (متدابرة أي ذيولها متقابلة أي أن التقابل كان برؤوس الطيور) وقد يكون بين هذا التقابل او التدابر شجرة الخلد أو شجرة الحياة. او تكون الطيور والحيوانات مل الارنب والطاووس وقد يكون في منقار الطير فرع نباتي او وريدة.

جاستون فيت قال ان الفنان المسلم ينصرف عادة عن النقش والحفر للتذويق السطحي الخالي من النتوء والبروز «مجلة المشرق عام 1936 عن ابوصالح الالفي - الفن الاسلامي» وفي رأي الاستاذ ابوصالح الالفي ان ما كتبه الباحثون في الفن الاسلامي عن تغطية جميع السطوح بالزخارف فزعا من الفراغ انما مرده في الحقيقة الرغبة في اذابة مادة الجسم بتوجيه النظر إلى الزخارف الغنية التي تغطيها والرغبة في اذابة مادة الجسم وتحطيم وزنه وصلابته واعطائه الخفة اتجاه تستهدفه النظرة الصوفية التي تميز فنون الشرق وقد حاول ان يسير في هذا الاتجاه نفسه بعض الفنانين في الغرب، وكانت وسائل الوصول الى هذا الطابع اللامادي استعمال النور واللون وبخاصة لون الذهب، ولذلك استعمل الفنان المسلم الزخارف الدقيقة للوصوف الى هذه القيمة الفنية الصوفية.

ويضيف لنا الاستاذ ابوصالح الالفي نقلا عن ريفية ويج في حاولة اثبات ان الفن في الضرب غير محروم من القيمة الروحية التي تقوم على اذابة مادة الجسم ولا يستطيع الفنان التعبير عن حضور النور والاضاءة تعبيرا قويا الا بالفتك بالشكل وجرحه وتشويهه. انه يشوه الشكل ابتغاء ابراز عنف الاضاءة ومع هذا فالضرب متميز عن الشرق (هذا رأي رينيه ويج) فالشرق يرى ان النور هو خصوصا رمز العالم المتجرد عن المادة. متجرد عن المنظور الفيزيائي ولولا انه يرى في النور لما كان مرئيا (أي ان النور ينزل على الاشياء فتراها العين) هناك يصبح النور رمزا للروح... هكذا عبر الشرق... والشرق نفذ في الغرب وبخاصة عن طريق بيزنطة.

والرأي عندي انهم اعطوا هذا الموضوع تعقيدات فلسفية بعضها صحيح وبعضها خطأ والموضوع ببساطة ان الفنان المسلم أراد ان يشغل الرائي عن الشكل أو عن بدن الطير مثلا فملأ بدنه بالزخارف بشكل فني حتى لا يفكر الرائي فيه. والزخارف جزء من هذه الفلسفة فهي التي تذيب البدن في عين الرائي. واضيف من عندياتي ان المسلم يعتقد تماما انه لا وجود للفراغ على الاطلاق حتى الجو مملوء بالهواء وحتى الهواء مملوء بذرات التراب.... لا شيء للفراغ واكثر من هذا انه يؤمن ايمانا قطعيا بان الله موجود في كل مكان... اذا فالكون كله مملوء ولا فراغ فيه. وهكذا الفنان لم يترك سطحا خاليا الا وكان يملؤه بالزخارف... لانه ببساطة يخاف من الفراغ ويخشاه او يفزع منه حسب التصوير الاوروبي لتلك الفلسفة الفنية.

هذا وكان الفنان المسلم يذيب ايضا مادة الجسم باستخدام البريق المعدني في الخزف خصوصا حتى يذيب مادة الاناء (في نظر الرائي) ذلك لان بريق الذهب له هذه الخاصية، تلمع فتشغل عين الرائي فينصرف عن النظر الى مادة الجسم أي انه جذب انتباه الرائي بسبب ان الذهب لون خارق للطبيعة. فالالوان كلها طبيعية الأخضر والاحمر والاسود والاصفر والازرق وغير ذلك من الالوان يمكن ان تراه في الطبيعة... الا لون الذهب لانشاهده ابدا في الطبيعة.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي