إن كان الفلاح ينشد ... الفلاح؟
حفل المؤتمر الصحافي لمدير عام سوق الكويت للأوراق المالية صالح الفلاح نهاية الاسبوع الماضي بالعديد من النقاط التي تستحق الوقوف عندها ومناقشتها عسى أن نسمع ايضاحا لها في المرات المقبلة، او عسى أن يسمع المعنيون بشؤون السوق تفسيرا لها، حتى لو لم يكن ذلك عبر وسائل الاعلام.
كان واضحا من المؤتمر الصحافي الذي عقده الفلاح أن هدفه كان اقناع «المراجع العليا» التي طلبت منه عقد المؤتمر الصحافي، ويبدو أن آخر همه كان محاولة استيعاب المجاميع الاستثمارية الرئيسية في السوق والتي رأى أنها «تمثل ربع الشركات المدرجة» ،مستنتجا أن من لم يوقع على البيان ضده فهو معه.
هذا الكلام يقنع غير المطلعين أو غير المتابعين للسوق وتفاصيله، أما من يعرف وزن الشركات التي وقعت البيان وأهميتها في السوق وتداولاته وفي الاقتصاد الكويتي عموما فيدرك أن هذه الشركات تمثل معظم السوق إن لم يكن كله.
وإذا أخذنا بقول الفلاح ،على علاته، فهل سنسمع منه موقفا آخر لو ارتفع عدد الموقعين في المرة المقبلة الى 100شركة مثلا، خصوصا أن هذا الرقم قد لايبدو بعيد المنال طالما تحدث الفلاح بالمنطق الذي تحدث به.
استغل الفلاح قضية استقلال القضاء فتجنب القضايا المحرجة له، وخصوصا قضايا الافصاح التي خسرها السوق، بحجة أنها منظورة أمام القضاء، بينما سمح لنفسه الخوض في قضايا أخرى منظورة أيضا أمام القضاء، إذ انه من غير المتصور أن مدير السوق لا يعلم أن هناك قضايا مرفوعة، فيما يخص رفض طلبات الادراج التي أسهب الفلاح في الحديث عنها كثيرا.
تحدى مدير السوق بيان المجموعات الرئيسية في السوق وقال أن الجميع يجب أن يفهم أننا لن نتراجع عن هذه القرارات، وهنا يبدو أنه لم يترك سوى المجال للقضاء للبت في الموضوع ليعيدنا الى المخاوف التي أبداها في السابق رئيس مجلس إدارة شركة دار الاستثمار عدنان المسلم، الذي عبر عن خشيته أن تدار البورصة بأحكام قضائية صادرة ضدها.
برزت في كلام الفلاح «نزعة دكتاتورية»، غير معهودة عن هذا الرجل، يمكن استعمالها في كل مكان الا في سوق الاوراق المالية الذي يحتاج الى جهود مضاعفة لجذب المستثمرين ، خصوصا عندما تسلح باللائحة الداخلية للسوق «التي أعطتنا السلطة المطلقة في رفض إدراج الشركات التي نراها غير ملائمة للسوق»، وتجاهل أن هناك قانوناً ودستوراً فوق اللائحة التي يتسلح بها.
ومن أقواله المأثورة في المؤتمر الصحافي قوله : «اللائحة أعطتني الحق في إيقاف أي شركة عن التداول دون الحاجة إلى الرجوع إلى لجنة السوق»، كذلك «سوف نوقف أي شركة مدرجة تندمج مع شركة أخرى غير مدرجة حتى لو لم تتقدم إلى الإدراج» (...) إذا كان هذا المنطق الذي يدار به أحد أهم المرافق الاقتصادية في البلاد، فإننا ننصح المشرعين بايقاف جهودهم لإنشاء هيئة سوق المال ،كذلك ننصح بتجاهل أي تشريعات تدعم وتعزز الرقابة والشفافية في البورصة، لأن هناك «سوبرمان» يشرع ويراقب وينفذ ويعاقب، ولا داعي لأن تضيع السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية وقتها في أمور لاطائل منها .
بالغ الفلاح كثيرا في دغدغة مشاعر صغار المستثمرين ،مع أن أقسى الضربات التي حلت بهم كانت نتيجة القصور الواضح من إدارة السوق في قضايا الشفافية، ولعل آخر مثال على ذلك يتعلق بسكوت إدارة السوق أكثر من اسبوع على الخبر الذي نشرته «الراي» في خصوص الضوابط الجديدة لدمج الشركات المدرجة مع شركات رفض طلب إدراجها، في حين أن صغار المستثمرين كانوا يئنون من الخسائر نتيجة تقصير إدارة السوق في الإعلان عن القرار حتى بعد اسبوع من صدوره، كذلك الأمر في قضايا قانون الإفصاح التي شكلت نكسة كبيرة للسوق ومتعامليه.
احتمى الفلاح بالجهات السياسية على اعتبار أنه معين بمرسوم ونسي أن سوق الأسهم هو روح القطاع الخاص، وأن معظم بورصات العالم يديرها القطاع الخاص وهي مملوكة له، والواقع العملي لبورصة الكويت يفترض ألا يشذ عن هذه القاعدة، لكن من حسنات هذه المواقف، هو أن هيئة سوق المال باتت حاجة ملحة، ويفترض ألا تتأخر ولو للحظة.
أبدى الفلاح حساسية مفرطة تجاه الإدراجات والاندماجات «لأن بعض الشركات لا تملك سوى أراض ومخططات»، وما العيب في ذلك ،خصوصا أن كبرى الشركات العقارية نشاطها الأساسي يقوم على الأراضي والمخططات، ولا نبالغ إذا قلنا أن كبرى الشركات العالمية، وخصوصا التكنولوجية بدأت بفكرة (...) لا من أرض ولا من مخطط، وطبقا لهذه المقاييس لو أتى بيل غيتس ليدرج «مايكروسوفت» في الكويت فإن طلبه سيرفض، لأنه لا يملك سوى العقول.
الشركات الراغبة بالاندماج أتت من الباب، وطبقا للقانون ولم تحاول الالتفاف أو التحايل، والبورصة تعاملت بجدية مع هذه الطلبات ونشرتها على لوحة إعلانات السوق، لكن مالذي حدث فيما بعد حتى ينقلب الحال... الله أعلم!
إذا كان الفلاح ينشد الفلاح في مهمته في سوق الكويت للأوراق المالية، وينشد حماية صغار المتعاملين، فالطريق المتبع حاليا، قد لايوصل الى الهدف المنشود، حتى لو كان الشعار هو تطبيق القانون وحماية صغار المتداولين لأن ما يحدث على أرض الواقع هو نقيض هذين الهدفين.