تحقيق / الديوانيات... ملح الكويت

u0631u0648u0627u062f u062fu064au0648u0627u0646u064au0629 u0627u0644u0633u0648u064au062fu0627u0646
رواد ديوانية السويدان
تصغير
تكبير
| تحقيق أحمد راضي |



شهر رمضان شهر العبادات والطاعة والاستغفار، جعله الله فرصة لعباده لكسب الأجر والثواب، يكون فيه العبد في ضيافة الرحمن، يغرف من فضله وكرمه وجوده، حيث تفتح أبواب الرحمة وتغل الشياطين، وتنفرج الهموم وينتشر الخير وبركات الحسنات الطيبات.

ومن أحب الأعمال في هذ الشهر صلة الأرحام، ولذلك فإنه وتبعا لالتزام تعاليم الشرع، والعادات الأصيلة الملتصقة بالدين فإن رمضان يعد من أجمل الشهور في الكويت كبلد مسلم، حيث يسعى الكويتيون الى صلة الأرحام عن طريق الزيارات العائلية، فضلا عن زيارة الاصدقاء والمعارف والتي غالبا ما تحتضنها الدواوين.

وتستعد الدواوين لاستقبال روادها والزائرين لها في هذا الشهر المبارك، مثل عروس تتحضر للقاء حبيبها فترتدي كامل زينتها من الاثاث والمفروشات متضمنة كل ما تجود به النفس مما لذ وطاب من الأكلات الرمضانية، الجديدة والحديثة التي تنتشر من كل مطابخ الأرض، أوالأكلات الشعبية المعروفة في الكويت.

ويتميز نشاط الدواوين خلال شهر رمضان عنه في باقي الأشهر، حيث تخلو الدواوين من الرواد أثناء ساعات النهار وما ان يحل الليل حتى تزدحم بالزوار وكأنهم في اشتياق لها بعد غيابهم عنها طوال النهار.

كما تتميز بتعدد الوجبات فيها في ليالي رمضان فهناك الفطور، وهناك السحور الوجبة المعروفة في الكويت بـ «الغبقة» والتي يكون وقتها بين الفطور والسحور وتحتوي على الحلويات بكثرة وكذلك العصائر والمشروبات المختلفة وأنواعا من الاكلات الشعبية الخفيفة المعروفة، والتي كانت تعد سابقا في المنازل وبأيدي ربات البيوت الكويتيات، من الأمهات والجدّات، أما الآن فبات الكثير من ربات البيوت يلجأن إلى المطاعم لطلب هذه الحلويات.

وتشهد الدواوين زيارات كثيرة من قبل رجال الدولة والسياسة والمسؤولين في الدوائر الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني بالاضافة الى الزوار من عامة الناس ومختلف المناطق والتوجهات.

وللتعرف على طبيعة الدواوين ونشاطها في شهر رمضان، ودورها في المجتمع الكويتي، كانت لنا هذه اللقاءات مع عدد من اصحاب الدواوين والرواد:

تركي بدر السور:

التقيناه في ديوانية شقيقه نايف السور، حيث يقول:

تأسست الديوانية في سنة(1986) وليس لها مواعيد محددة، فهي مفتوحة للرواد في كل وقت، ومن مختلف الاعمار والفئات من ابناء المنطقة وغيرهم من ابناء المناطق الاخرى، وهي عبارة عن مجلس يجمعنا باصدقائنا واقربائنا ومعارفنا، وتقتصر الممارسات فيها على تبادل الاحاديث والتسامر.

ويقدم للرواد في الديوانية المشاريب الشعبية المعروفة كالشاي والقهوة، والتي يتكفل بتحضيرها العامل المسؤول عن خدمة الديوانية والرواد، كما تقدم فيها الوجبات المختلفة وخاصة في رمضان، حيث تكون هناك وجبات الغبقة والفطور، ووجبات السحور التي يتناوب رواد الديوانية على التكفل بها.

ان هناك الكثير من الاختلافات التي طرأت على الدواوين، مما جعلها تختلف عنها في الماضي، حيث كانت مفتوحة للزوار في كل وقت وبسيطة في محتوياتها، اما الان فقد تطورت الدواوين بعد ان دخلتها التكنولوجيا التي اجتاحت كل مناحي الحياة، فأصبحت تحتوي على التكييف والتلفاز والمفروشات الحديثة، وامور لم تكن موجودة في السابق، كما اصبحت غالبية الدواوين تستقبل الرواد في مواعيد محددة، بسبب انشغال اصحابها باعمالهم وامور معيشتهم، مشيرا الى ان ديوانيتهم من الدواوين القليلة المفتوحة في كل وقت.


ديوانية رسمية

إن بعض أصحاب الدواوين يعانون من المشاكل التي قد تسببها الدواوين لهم، وخاصة ما يخص اعمالهم، فهي تشغلهم عنها، الا اننا لا نعاني من هذه المشكلة بفضل تعاوننا كاخوة والتنسيق في ما بيننا على مباشرة الديوانية والضيوف، وتعتبر ديوانيتنا من الدواوين الرسمية، التي يلتزم روادها بازياء وآداب معينة في طريقة الجلوس واسلوب الكلام، وهناك دواوين اخرى لا تلتزم بهذه الامور، وخاصة الدواوين الشبابية.

واهتمام اهل الكويت المستمر بالدواوين يعود لانها تلعب دورا في التقارب والتواصل بين ابناء المجتمع الكويتي، ويؤدي الاختلاط فيها الى اكتساب الرواد الكثير من المعلومات وخاصة الشباب، الذين يستفيدون من خبرة كبار السن وتجاربهم، ويتعلمون منهم الآداب الكريمة والعادات والتقاليد، ويحفظون عنهم الحكايات التي تتعلق بالتراث، واخبار الاوائل الذين سبقوهم والتي يعودون اليها دائما في احاديثهم، في حين يقل تناولهم للمواضيع التي تتعلق بالسياسة، فاكثر ما يشغلهم هو المواضيع الخدمية وخاصة موضوع اسقاط القروض.

ويشير تركي السور الى ان الدواوين تختلف في شهر رمضان عن باقي الأشهر، فالناس لا يجتمعون فيها في اوقات النهار لكونهم صائمين، بينما يطيلون الجلوس في الليل لدرجة السهر، وتختلف الوجبات التي تقدم للضيوف من حيث مواعيدها ومحتوياتها.

ويؤكد ان الزيارات تكثر في هذا الشهر لهذه الدواوين من عامة الناس، وكذلك من رجال السياسة وخاصة اعضاء مجلس الامة، بهدف التواصل مع الناس وتبادل التهاني بحلول الشهر الفضيل.

ابو محمد - سالم المطيري:

احد رواد ديوانية السور، وهو اكبر الموجودين سنا (اكثر من سبعين سنة) يقول:

كانت الدواوين في السابق عند اهل الحضر مقتصرة على الوجهاء والتجار، اما اهل البادية فكان لكل واحد منهم ديوانية خاصة به، يجتمع فيها اصحابه ومحبوه (يتقهوون ويستانسون) ويستذكرون (السوالف) الماضية.

ان دور الدواوين حاليا لم يختلف عن دورها في الماضي، فهي لا تزال اماكن للالتقاء والتعارف.


مصقل الرجال

سلطان المطيري شاب في الثلاثينات من العمريقول:

الدواوين تعتبر مصقل الرجال وخاصة الشباب الذين تنميهم، فيتعلمون منها امورا كثيرة تفيدهم في حياتهم، كما تمثل ملتقى يعتمد عليه الناس في طرح قضاياهم، والامور التي تطرأ على المجتمع والبحث عن حلول لها، خاصة وانها (الديوانية) تعتبر كالبرلمان الصغير، تجمع الناس من مختلف المناطق والاعراق والتوجهات، وتحوي الاراء المتعددة، فتجد الناس يتحدثون ويتحاورون في جو ديموقراطي، تحكمه الآداب العامة والاحترام المتبادل بين الحضور.

ويتابع المطيري قائلا:

وينعكس صدى ما يحدث في الدواوين على الساحة السياسية، فالقضايا التي تطرح فيها تدخل الى قاعة مجلس الامة وتناقش فيه، وخاصة وان هناك زيارات يقوم بها اعضاء مجلس الامة لهذه الدواوين، وتكثر هذه الزيارات في المناسبات وخصوصا في شهر رمضان، حيث يزور الاعضاء الدواوين ويتواصلون مع المجتمع، وهم لابد وان يجنوا ثمار ذلك مستقبلا.

ان الدواوين في شهر رمضان يختلف نشاطها عنه في الشهور الاخرى، حيث تبدأ باستقبال الرواد من بعد صلاة التراويح ولغاية ساعات متأخرة من الليل، اما في باقي الشهور فتكون بحسب رغبة واستطاعة صاحب الديوانية والرواد ايضا، فهناك دواوين صباحية واخرى مسائية.


مواضيع مألوفة

ويتابع القول: كما ان الدواوين تختلف باختلاف الفئات العمرية، فهناك دواوين لكبار السن واخرى للشباب، وهناك دواوين تجمع مختلف الفئات العمرية، وبناء على هذا تتفاوت السلوكيات والمواضيع التي تطرح فيها بحسب اعمار ونوعية الرواد.

ويوضح المطيري ان غالبية المواضيع التي يتداولها الناس في الدواوين هي المواضيع الاجتماعية والخدمية، فاحاديثهم تدور حاليا حول حملة الترشيد في استهلاك الكهرباء وغلاء الاسعار الذي يؤرق المواطنين والموضوع الاكثر تداولا وهو اسقاط القروض،والتي يطالب المطيري باسقاطها.

ويضيف: اما الخوض في السياسة فهو قليل حاليا، لاسيما في فترة الركود السياسي التي تخيم على البلد، بسبب اجازة مجلس الامة وانشغال الناس بواجبات شهر رمضان، الا انه سيزداد عند عودة مجلس الامة للعمل، فكل ما يطرح في المجلس يجد صداه في الدواوين.

ويعتبر المطيري ان من الخطأ ان يتم تداول الامور السياسية بين عامة الناس، وخاصة الذين يجهلون القوانين والتشريعات.


للسياسة رجالها!

ويقول المطيري ان للسياسة رجالها المختصين الذين يتصدون لها، واعضاء مجلس الامة يقومون بهذا الدور، اما ان تكلم في السياسة من لا يفهم فيها فان ذلك فيه خطر على المجتمع.

ويرى ان الدواوين تتزايد اعدادها باستمرار في الكويت، وذلك بسبب تزايد السكان وتحسن الظروف المادية للفرد.

وينتقد سلطان المطيري السلبيات الموجودة في بعض الدواوين مثل لعب الورق، الذي يعتبره مضيعة للوقت بغير فائدة، وكذلك بعض الدواوين التي تكون فيها الغيبة والنميمة، ويواصل المطيري انتقاده قائلا:

سابقا لم تكن السجائر موجودة في الديوانية، وكذلك (السالفة) العوجاء، ولا تجد احدا يمسك الريموت كونترول وهو منبطح في الديوانية، وكان هناك احترام للمقابل وخاصة لكبار السن، اما الان فمع الاسف كل هذه التصرفات موجودة، والصغير يتكلم قبل الكبير في بعض الدواوين.

بدر فيصل الحداد يقول:

الديوانية تجمع الناس وتسهل عملية التعارف بينهم، وتعود علينا نحن الشباب بالفائد الكبيرة، حيث نتعلم ممن يكبروننا سنا الكثير من الاشياء التي نجهلها، ونشغل اوقاتنا بما ينفعنا، في حال ابتعدنا عن الغيبة والنميمة، واضاعة اوقاتنا في لعب الورق.

ويضيف:

يجب على الجالس في الديوانية الالتزام بآداب الجلوس واسلوب الكلام، واحترام المقابل ايا كان وخاصة كبار السن، فينبغي من الصغير اعطاء الاولوية في الكلام للكبير وعدم مقاطعته او الاستهزاء برأيه حتى وان كان مخطئا، تقديرا لكبر سنه وهو في النهايه (رأي).

وبالانتقال الى ديوانية اخرى يقول (راعيها) عبد العزيز خليفة السويدان، والذي اسس ديوانيته قبل عشر سنوات:

بدأت هذه الديوانية عندما فكرنا انا وزملائي في العمل في ان يكون لنا مكان يجمعنا خارج العمل، لنبتعد عن الروتين ولنتعرف على بعضنا اكثر فتتوطد بذلك العلاقات بيننا، ولهذا فان غالبية رواد ديوانيتي هم من زملاء العمل.

ويبين السويدان انه حدد لنفسه يوما في الاسبوع يستقبل فيه الرواد في ديوانيته، بينما ابناؤه يستقبلون اصدقاءهم بشكل يومي فيها وخاصة خلال موسم الصيف.

ويشيرالى ان ديوانيته تضم الرواد من جميع الفئات العمرية، والتوجهات والمذاهب، فيجتمع فيها الجميع في تآلف ومحبة.


إخاء ومساواة... ومحبة

ويقول: هكذا هي الكويت فأهلها متحابون متآخون، ولا توجد تفرقة في ما بينهم، ونقضي أوقاتنا بالسوالف ولعب الورق ونتناول في أحاديثنا كل ما يطرح في الصحف ووسائل الإعلام من مواضيع الساعة، ونناقشها ولكن دون الخوض في المواضيع الحساسة، وخاصة المذهبية منها، والخصوصيات التي قد تتسبب في الحزازيات والخصومات.

ويفيد السويدان أن غالبية أحاديثهم تدور حول المواضيع الفنية والرياضية، والمواضيع العامة وخاصة الخدمية منها، كزيادة الأسعار وإسقاط القروض.

ويبدي رأيه في مسألة إسقاط القروض قائلا: ربما يستاء الكثيرون من رأيي، الا اني ضد إسقاطها، لأن هذا القرار سيكون غير عادل فهو يصب في مصلحة من عليهم قروض فقط، في حين أنها تدفع من الميزانية العامة للدولة، والتي تخص الشعب الكويتي بأكمله وليس في هذا إنصاف.

ويتابع: أما المواضيع السياسية فقليلا ما نتطرق إليها، وذلك لأن إنشغالنا ينصب في الغالب على الرياضة.

ويعود السويدان إلى الماضي فيقول:

ما سمعناه من آبائنا عن الدواوين قديما أنها لم تكن تستمر فيها الجلسات لآخر الليل، كما هو حاصل حاليا، وذلك لعدم وجود الكهرباء في ذلك الوقت، كما ان روادها أصحاب أعمال يباشرونها من الصباح الباكر، ولم يكن في الدواوين لعب الورق والألعاب الأخرى الموجودة حاليا.

ويتابع: كانت الدواوين بمثابة الصحف اليومية بالنسبة لهم، يحصلون منها على الأخبار، وكانوا يلتزمون في الدواوين بالكثير من الرسميات، أما الآن فقد اختلفت الدواوين كثيرا عن السابق، فأدخلت إليها الألعاب والتلفزيون والتكنولوجيا الحديثة، كما أنها تعددت فأصبح هناك نوعان من الدواوين، نوعية يطلق عليها العامة مسمى( الدواوين الرسمية) وهي التي يمنع فيها لعب الورق، ويلتزم الناس فيها بأزياء وآداب معينة، والنوعية الثانية هي( الدواوين غير الرسمية) وتضم عادة أناسا تجمعهم علاقات وطيدة ولا توجد بينهم رسميات، سواء في نوعية اللبس أو طريقة الجلوس، أو الممارسات والأحاديث التي تدور بينهم.

ويصنف السويدان ديوانيته من النوعية الثانية.


دور لا غنى عنه

وعن أهمية الديوانية للمجتمع الكويتي يقول: على الرغم من أن الدواوين تتسبب بإنشغال الناس عن اعمالهم، وتفرض عليهم الالتزام والتفرغ لها، إلا ان الديوانية تستحق اكثرمن هذا نظرا للدور الكبير الذي تؤديه في تواصل وترابط المجتمع، ومعرفة أخبار الناس والاستمتاع باجتماعهم مع بعضهم في مكان واحد، وكذلك يستفيد الناس منها في قضاء الحاجات، فأي شخص لديه حاجة في أمر ما، يمكنه أن يطرحه في الديوانية ليعينه اصحابه المتواجدون فيها على قضائها.


ولاية الأبناء!

ويتابع: الديوانية (بدون دعوة) ومفتوحة للكل، ويمكن لأي زائر أن يطرق الباب ويدخل فيها، وحتى وإن كان يدخلها لأول مرة فهو يعامل كواحد من روادها بل وأفضل، وهذا ما تختلف فيه الدواوين عن المجالس المحددة بمواعيد، حيث الكثير من أصحاب الدواوين أصبحوا يحددون مواعيد لاستقبال الرواد فيها، لان ذلك يتطلب منهم الالتزام والتواجد في الدواوين لاستقبال الضيوف والقيام بواجبهم، وهذا ما لا يستطيع الكثير من الناس الالتزام به بسبب انشغالهم بأعمالهم وأمور حياتهم، ولهذا انتشرت الدواوين الأسبوعية والشهرية، في حين اقتصر وجود الدواوين الدائمة على البيوت التي يوجد فيها كبار السن، الذين غالبا ما يكونون متفرغين ويمكن في حال غيابهم أن ينوب عنهم أبناؤهم.

ويقول: ان نشاط الدواوين في شهر رمضان يختلف عنه في باقي الشهور، حيث تنقطع الزيارات خلال النهار، وتستأنف من بعد وقت الفطور ولغاية ساعات متأخرة من الليل أو حتى الصباح، ورمضان معروف بالسهر.

وخلال هذه الفترة تقدم للرواد الوجبة التي تسمى في الكويت بـ (الغبقة) والتي يتوسط موعدها الفطور والسحور، وتقدم فيها الأكلات الرمضانية الخفيفة المعروفة دون تكليف زائد.

ولكن هذا النشاط للدواوين يقل في الأيام العشرة الأواخر من شهر رمضان، حيث تنشغل الناس بالعبادات.

ويشير السويدان الى ان الزيارات من رجالات الدولة والسياسة تزداد وعلى أعلى المستويات للدواوين في هذا الشهر، للتواصل مع الناس والتهنئة بهذا الشهر الكريم، أما في باقي الشهور فتكون هذه الزيارات بحسب الأحداث السياسية في البلد، كأن يكون هناك حاجة لاستكشاف آراء الناس في موضوع معين من قبل الحكومة، ناهيك عن الزيارات التي يقوم بها المرشحون والأعضاء في مجلس الأمة، والمجالس البلدية والجمعيات، قبل بدء الانتخابات.


هايد بارك

وفي الديوانية التقينا ببعض الرواد الذين أدلوا بدلوهم:

ناصر البصري قال إن الدواوين متنفس للناس يقولون فيها ما يجول في خواطرهم، وكأنها (الهايد بارك في بريطانيا)، خاصة في ظل الحرية التي ننعم بها في الكويت، وهذا ما تحسدنا عليه الشعوب الأخرى، وينعكس إيجابا على الجوانب النفسية والاجتماعية والأمنية، فمن يتاح له المجال بأن يعبر عن رأيه بالكلمة، فلا مبرر له لان يلجأ للعنف للتعبير عن رأيه كما يحدث في بعض الدول التي تقمع فيها الحريات.


إشاعات الحكومة

ويقول إن الدواوين تستغل سياسيا ايضا، فأحيانا عندما تكون لدى الحكومة فكرة معينة تقوم بنشرها من خلال الإشاعة في الدواوين، ثم ترى ماذا تكون ردود الفعل، وبالنتيجة ستعرف إن كانت الفكرة يمكن تطبيقها ام لا، كما يستغل اعضاء مجلس الامة الدواوين لعرض آرائهم على الناس، وكذلك معرفة آراء الناس حول التشريعات والقوانين التي تطرح في مجلس الامة، إضافة الى التعرف على مشاكل الناس ومطالبهم لعرضها في المجلس «وهذا هو الاصل».

وهناك الكثير من القوانين تطبخ في الدواوين، حيث يستشف الاعضاء آراء الناس في الدواوين لتبدأ الشرارة الاولى التي يبدأ منها الاعضاء في طرح مقترحاتهم وتشريعاتهم ومطالباتهم في المجلس.

ويضيف: ان الشيء الثابت في الدواوين ولم يتغير هو المفهوم، وهو أنها مكان لالتقاء الناس ببعضهم وتناقل الأخبار، وتتحدد هذه الأخبار بحسب نوعية وخلفية الحضور الثقافية والفكرية والمهنية.

ويوضح أنه ظهرت في الآونة الأخيرة فئة جديدة من الدواوين، ويمكن أن نسميها المتخصصة فهناك دواوين خاصة بتجار الأسهم وأخرى خاصة بالسياسيين وهكذا، كما ظهرت الدواوين النسائية إلا ان نسبتها قليلة جدا لأنها حديثة على الساحة.

ويبين أن الدواوين كان لها دور في نشر الأصول (السنعة) كما أنها كانت مراكز تدريب للشباب، إلا ان هذا الأمر قد تلاشى، وأصبحت الدواوين لا تعمل بالشكل الصحيح، لأن الشباب اصبحوا يفرضون إرادتهم ويعملون ما يريدون.

ويؤكد ان للحالة المادية دورا كبيرا في تزايد عدد الدواوين في الكويت، قائلا: كانت الإمكانات قديما لا تسمح إلا للتجار والشخصيات البارزة في الفريج، في وضع الدواوين في بيوتهم، أما الآن وبفضل تحسن الظروف المادية للفرد الكويتي فقد انتشرت الدواوين بكثرة وأصبح في كل فريج عدد من الدواوين، وكذلك بسبب كثرة الانتخابات في الكويت، فهناك انتخابات مجلس الامة وانتخابات المجلس البلدي والمجالس الرياضية والنقابات والجمعيات وغيرها، ويقوم المرشحون لها ببناء الدواوين لحشد الدعم من خلالها.


مميزات خاصة

ويشير إلى ان الشخص الذي يفتتح له ديوانية يجب ان يتمتع بمميزات خاصة، فينبغي له ان يكون صبورا ولبقا وان يمتاز بحسن التصرف، فيعرف متى يتدخل في النقاشات الحادة التي تحدث أحيانا بين الضيوف، دون أن ينحاز لأحد على أحد وإن كان هناك من يتسبب في تعكير الأجواء في الديوانية، فعليه كصاحب ديوانية أن يتخلص منه بطريقة مناسبة، كما ان عليه ان يتواصل مع رواد ديوانيته، فإن غاب أحدهم كان عليه أن يسأل عنه ويتصل به للإطمئنان عليه، وليشعره بأهميته وأنه محل تقدير لديه.

حمد سليمان يقول: الدواوين هي ملتقى للناس من مختلف الاعمار والتوجهات والتخصصات، وكل واحد منهم يدلي بدلوه ويتحدث عن مجاله وتجاربه، فتعم الفائدة على الجميع، فتزداد ثقافتهم وأطلاعهم بما ينفعهم في حياتهم.

ويؤكد سليمان أن الدواوين صورة عن المجتمع نفسه، ومن يرد ان يتعرف على المجتمع الكويتي فما عليه إلا ان يقصد الدواوين، فهي تحوي جميع فئات المجتمع.

ويشير سليمان إلى ان كل المواضيع المهمة التي تتحدث عنها الصحف ووسائل الاعلام،والامور التي تهم المجتمع الكويتي بشكل عام، تتم مناقشتها في الدواوين، ويحصل من ذلك التقارب في وجهات النظر، والخروج بأفكار جديدة قد ترى النور، وتخرج الى الشارع فينعكس صداها في مجلس الامة وغيره من مؤسسات صناعة القرار.

ويتابع القول إن الدواوين كانت في السابق لكبار السن في الفريج الواحد وذلك لصعوبة التنقل في ذلك الوقت، وكانت الأعمار متقاربة فيها، بينما الشباب لم يكن لهم دواوين خاصة بهم، أما الآن فقد كثرت دواوين الشباب، وهناك دواوين اخرى يختلط فيها الشباب وكبار السن ومن مناطق عدة، وقد يتسبب الاختلاط بين الشباب وكبار السن في هذه الدواوين ببعض الازعاجات، وخاصة لكبار السن الذين لا تعجبهم بعض التصرفات من قبل الشباب، فهناك أمور يقوم بها الشباب لا يؤمن بها كبار السن والعكس صحيح كما ان المزاح بينهم فيه شيء من الصعوبة والتقيد بحكم الفارق العمري بينهم.

ومع ذلك فإن سليمان يعد هذه السلبيات بسيطة مقارنة بالإيجابيات التي تنتج عن هذا الاختلاط، فالشباب يتعلمون من كبار السن الكثير من الآداب والاخلاق الكريمة والعادات والتقاليد، إضافة الى اكتسابهم الخبرة من تجارب الكبار، وهذا ينعكس بشكل إيجابي على الشباب، وبالتالي على المجتمع ككل.

وينوه سليمان الى ان «سوالف» الماضي حاضرة ويحبها الكبار والصغار، لانها تحمل في طياتها العبر والمواعظ إلا انها قلت في الدواوين خلال السنوات الاخيرة، بسبب انشغال الناس عنها، وخوضهم في الموضوعات التي تتعلق بالمشاكل والمتطلبات اليومية لحياتهم، وخاصة ما نقرؤه في الصحف اليومية من أحداث وجرائم « تعور القلب».

ويتوقع حمد سليمان ان تزداد الدواوين في الكويت، بسبب رغبة أهل الكويت في التلاحم وعدم الانقطاع عن بعضهم، وهذا ما جبل عليه اهل الكويت، مبينا ان الدواوين لها تأثير كبير على الوضع السياسي في البلد وبشكل إيجابي، حيث تسهم في زيادة اللحمة الوطنية في المجتمع، وعدم تفككه الى احزاب وطوائف وفئات، لان كل ديوانية يجتمع فيها الناس من عدة توجهات وعدة أفكار وعدة طوائف في مكان واحد، وفي ألفة ومحبة، وبالتالي فإن احتمالات تفكك هذا المجتمع صعبة جدا، بل غير واردة.

ومن جانبه، يقول مجبل ابراهيم الصوان وهو في العقد الخامس من العمر: تعني لي الديوانية مكانا للتواصل والترفيه، ومكانا مناسبا لمتابعة المباريات، فأنا أفضل متابعتها في الديوانية وخاصة «ديوانية سويدان».

مجبل الصوان يقول: أنا معتاد على ارتياد الدواوين بشكل يومي، وفي شهر رمضان كثيرا ما نستعيد ذكريات «رمضان أيام زمان»، وعاداته قديما وكيف كان وكيف اصبح، والأكلات التي كانت تعد فيه في السابق وكيف تغيرت، ونتشارك جميعنا في اي موضوع نتحدث عنه وبما أنني أحد الأشخاص الذين عاصروا الرعيل الأول فأعتبر وزملائي من كبار السن الآخرين، حلقة وصل بين الماضي والحاضر، فنحكي لمن هم اصغر منا سنا ما شهدناه وما عايشناه في الماضي.

ويتابع ان هناك أمرين لا أخوض فيهما أبدا، وهما المواضيع السياسية، وأسعار الأسهم، والتي تستولي على اهتمام غالبية الدواوين حاليا، وعندما يتم فتح احد هذين الموضوعين أحاول وبأي طريقة أن أغير موضوع الحديث.

ويقول الصوان إننا نتطرق للمواضيع الخدمية والمشاكل العامة التي يعاني منها المواطن، وكذلك موضوع العمالة وخاصة المنزلية منها، وكثيرا ما نستذكر عاداتنا القديمة، وأمور ديننا من الصلاة والزكاة وغيرهما، من أجل أن نعلمها لأبنائنا.

ويؤكد أن إيجابية الدواوين هي التواصل والاطلاع على احوال الناس، واما السلبيات فهي قليلة، واهمها النقاشات الحادة والجدل، وكذلك الغيبة والنميمة وإن حصلت هذه الأمور في أي ديوانية، فإنه سوف يبتعد عنها ولا يجلس فيها.

ويشتكي الصوان من زيادة الدواوين قائلا: ان عدد الدواوين قد زاد عن حده فأصبح أكثر من عدد المساكن في الكويت، خاصة وان هناك الكثير من البيوت التي توجد فيها أكثر من ديوانية واحدة، وهناك دواوين تستقبل الرواد من بعد صلاة الفجر، ولغاية الساعة السابعة او الثامنة صباحا وأخرى في الأوقات ما بين صلاتي العصر والمغرب، وثالثة تبدأ من بعد صلاة المغرب ولغاية صلاة العشاء، وهذه هي دواوين كبار السن، أما دواوين الشباب فهي غالبا ما تمتد من بعد صلاة العشاء ولغاية الفجر.

وعن الزيارات التي تشهدها الدواوين، يشير «أبو زيد» الى ان اعضاء مجلس الامة والمجالس الاخرى، تكثر زياراتهم للدواوين في اوقات الانتخابات، ويعدون الناخبين بمواصلة هذه الزيارات، ولكن بعد نجاحهم او فشلهم في الانتخابات يذهب ما وعدوا به مع الريح، وحتى يقترب موعد الانتخابات المقبلة، وقبلها بشهرين او ثلاثة فيعيدون الكرة مرة أخرى، وبالطريقة نفسها.



مجبل الصوان يتصفح الراي

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي