الأدلة العقلية لإثبات المعاد
| بقلم السيد ابو القاسم الديباجي |
تعرضنا آنفا إلى جملة من الادلة العينية المتعلقة بإثبات مسألة المعاد، وهنا سنحاول التعرض إلى بعض من الأدلة العقلية المثبتة له، والقاطعة بحدوثه، والتي سنعمل جاهدين على ان نطرحها بشكل علمي متوخين منه الايضاح غير المسهب والمطول، مستعينين في تحقيق ذلك بتوفيق الله تعالى ورعايته.
1ـ الدليل الفطري: لا مناص من القول بأن الإنسان يمتلك في اعماقه نفسا اعتقادا راسخا بالله تبارك وتعالى، وانه هو خالقه ومنشئه، وان هذا الاعتقاد اعتقاد فطري خلقه معه، وتكون مع تكون خلاياه وانسجته، اضافة إلى توافق هذا الاعتقاد مع التسلسل المنطقي والنفسي السوي والطبيعي، وهذا الامر قد بحثناه سلفا.
ويتوافق هذا الاعتقاد معه اعتقاد آخر مترسب في اعماق النفس البشرية يسلم بمسألة المعاد والبعث، يظهر في سلوكيات وافعال مختلفة قد يتصور البعض ان باعثها جملة معينة من الامور المختلفة ذات الابعاد الاخرى الا ان واقع الحال والدراسة النفسية المتأصلة في عمق هذا التصرف يظهر بوضوح ترسب هذا الاعتقاد وتشكله في داخل النفس البشرية، وانعكاسه باشكال مختلفة لا تنصرف عن التصور الذي ذكرناه، وهو الإيمان بالبعث وان الأمم السالفة لا بد لها من وقت تقوم فيه من رقدتها، وتهب من سباتها، وتنبعث فيها الحياة لتسري في الاجساد المتهرئة، والعظام النخرة.
ولا غرو في ذلك فهل تأملنا في ما يعنيه حرص عموم الناس على طول العمر، ودأبهم المتواصل للحفاظ على عوامل البقاء المختلفة، وما تناقلته اخبارهم من البحث عن عين الحياة ومائها الذي يهب البقاء لمن شرب منه.
هل يعني ذلك غير الحرص على الحياة والرغبة المتكالبة على البقاء، وحيث تترجم هذه الغريزة ايضا في علاقة الاب بابنه، ومثابرته على ان يكون استمرارا له، ومواصلة لوجوده بعد حياته. ما الذي يفسر هذا العشق والحرص الاكيد على هذا الامر، ألا يعني ذلك الخوف من انتهاء هذه الحياة والاقدام على شيء آخر وحياة اخرى لها مصاديق ومعايير مختلفة، كما هي الحال في المستضعفين والمغلوبين على امرهم في هذه الدنيا، حيث تراهم يتأملون غريزيا الاقتصاص ممن ظلمهم في عالم آخر، وحياة اخرى، وعلى هذا الامل ينامون.
بل ولو تأملنا بشيء من التدبر في جملة من التصرفات التي دأب الكثير من الأمم تصنف في خانة الجماعات غير المؤمنة بالرسالات السماوية وما جاء بها الانبياء والمرسلون عليهم السلام لوجدناها تشي بحقيقة هذا الامر وتنضوي تحت اطاره بلا ادنى شك وان كابرت وغالت في المعارضة والمنابذة والنفي والاستخفاف حيث انك ترى عموم اولئك الناس يفيضون بالكثير من التقدير والاهتمام والتبجيل لقبور محبيهم، ويرفعون صرحها، ويزورونها ويحادثونها بأدب جم، ولطف واضح، بل وترى اطلاقهم اسماء اولئك الاشخاص على الشوارع الرئيسية، والمدن والقرى والمدارس والجامعات المختلفة، ثم تراهم يضفون الكثير من التقدير والتبجيل لأسماء اولئك عند الحديث عنهم، أو التعرض لسيرتهم، ويحرصون كذلك على تسمية ابنائهم بأسماء اولئك الرجال.
والاوضح من كل ذلك العمل على تحنيط اجساد اولئك العظماء للمحافظة عليها من التلف والفساد، وغير ذلك من المظاهر التي نراها ونسمع بها كثيرا وفي ازمنة واماكن مختلفة، فما يعني ذلك الامر لولا وجود الغريزة الفطرية في النفس البشرية المؤمنة بأن هناك حياة اخرى لا بد وان ينتقل اليها اولئك الموتى من اعزائهم واحبابهم وقادتهم، وإلا فما جدوى هذا الاحترام وهذا التقدير الذي لولا ذلك لكان عبثا وتخريفا وتضييعا للوقت والمال والجهد.
انها تصرفات تبعث عن غريزة مستقرة في عمق الفطرة البشرية التي خلقت مع الإنسان والتصقت بوجوده واصبحت من اظهر مظاهره وانقاها.
نعم، ان الفطرة البشرية هي من المقاييس الكبرى التي تقود إلى ادراك الكثير من الحقائق الكامنة فيها، والمستقرة في اعماقها، قال تبارك وتعالى في سورة الروم: «فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن اكثر الناس لا يعلمون» وحيث نقل عن رسول الله صلى الله عليه وآله ان المراد بالدين هنا دين الله تبارك وتعالى، وعن الامام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام عن المراد بالفطرة انها الإسلام.
ولا مناص من القول بأن هذه الفطرة هي السبل التي اوجدها الله تبارك وتعالى للانسان ليسلك من خلالها المناهج القويمة والطرق الآمنة التي تقوده نحو النجاة والهداية، قال استاذنا العلامة الطبطبائي في كتابه (الميزان) «فالانسان كسائر الانواع المخلوقة مفطور بفطرة تهديه إلى تميم نواقصه، ورفع حوائجه، وتهتف له بما ينفعه وما يضره في حياته، وهذه الفطرة الخاصة تهديه إلى سنة خاصة في الحياة، وسبيل معينة ذات غاية مشخصة، ليس له إلا ان يسكلها خاصة، وهو قوله تعالى: (فطرة الله التي فطر الناس عليها)».
تعرضنا آنفا إلى جملة من الادلة العينية المتعلقة بإثبات مسألة المعاد، وهنا سنحاول التعرض إلى بعض من الأدلة العقلية المثبتة له، والقاطعة بحدوثه، والتي سنعمل جاهدين على ان نطرحها بشكل علمي متوخين منه الايضاح غير المسهب والمطول، مستعينين في تحقيق ذلك بتوفيق الله تعالى ورعايته.
1ـ الدليل الفطري: لا مناص من القول بأن الإنسان يمتلك في اعماقه نفسا اعتقادا راسخا بالله تبارك وتعالى، وانه هو خالقه ومنشئه، وان هذا الاعتقاد اعتقاد فطري خلقه معه، وتكون مع تكون خلاياه وانسجته، اضافة إلى توافق هذا الاعتقاد مع التسلسل المنطقي والنفسي السوي والطبيعي، وهذا الامر قد بحثناه سلفا.
ويتوافق هذا الاعتقاد معه اعتقاد آخر مترسب في اعماق النفس البشرية يسلم بمسألة المعاد والبعث، يظهر في سلوكيات وافعال مختلفة قد يتصور البعض ان باعثها جملة معينة من الامور المختلفة ذات الابعاد الاخرى الا ان واقع الحال والدراسة النفسية المتأصلة في عمق هذا التصرف يظهر بوضوح ترسب هذا الاعتقاد وتشكله في داخل النفس البشرية، وانعكاسه باشكال مختلفة لا تنصرف عن التصور الذي ذكرناه، وهو الإيمان بالبعث وان الأمم السالفة لا بد لها من وقت تقوم فيه من رقدتها، وتهب من سباتها، وتنبعث فيها الحياة لتسري في الاجساد المتهرئة، والعظام النخرة.
ولا غرو في ذلك فهل تأملنا في ما يعنيه حرص عموم الناس على طول العمر، ودأبهم المتواصل للحفاظ على عوامل البقاء المختلفة، وما تناقلته اخبارهم من البحث عن عين الحياة ومائها الذي يهب البقاء لمن شرب منه.
هل يعني ذلك غير الحرص على الحياة والرغبة المتكالبة على البقاء، وحيث تترجم هذه الغريزة ايضا في علاقة الاب بابنه، ومثابرته على ان يكون استمرارا له، ومواصلة لوجوده بعد حياته. ما الذي يفسر هذا العشق والحرص الاكيد على هذا الامر، ألا يعني ذلك الخوف من انتهاء هذه الحياة والاقدام على شيء آخر وحياة اخرى لها مصاديق ومعايير مختلفة، كما هي الحال في المستضعفين والمغلوبين على امرهم في هذه الدنيا، حيث تراهم يتأملون غريزيا الاقتصاص ممن ظلمهم في عالم آخر، وحياة اخرى، وعلى هذا الامل ينامون.
بل ولو تأملنا بشيء من التدبر في جملة من التصرفات التي دأب الكثير من الأمم تصنف في خانة الجماعات غير المؤمنة بالرسالات السماوية وما جاء بها الانبياء والمرسلون عليهم السلام لوجدناها تشي بحقيقة هذا الامر وتنضوي تحت اطاره بلا ادنى شك وان كابرت وغالت في المعارضة والمنابذة والنفي والاستخفاف حيث انك ترى عموم اولئك الناس يفيضون بالكثير من التقدير والاهتمام والتبجيل لقبور محبيهم، ويرفعون صرحها، ويزورونها ويحادثونها بأدب جم، ولطف واضح، بل وترى اطلاقهم اسماء اولئك الاشخاص على الشوارع الرئيسية، والمدن والقرى والمدارس والجامعات المختلفة، ثم تراهم يضفون الكثير من التقدير والتبجيل لأسماء اولئك عند الحديث عنهم، أو التعرض لسيرتهم، ويحرصون كذلك على تسمية ابنائهم بأسماء اولئك الرجال.
والاوضح من كل ذلك العمل على تحنيط اجساد اولئك العظماء للمحافظة عليها من التلف والفساد، وغير ذلك من المظاهر التي نراها ونسمع بها كثيرا وفي ازمنة واماكن مختلفة، فما يعني ذلك الامر لولا وجود الغريزة الفطرية في النفس البشرية المؤمنة بأن هناك حياة اخرى لا بد وان ينتقل اليها اولئك الموتى من اعزائهم واحبابهم وقادتهم، وإلا فما جدوى هذا الاحترام وهذا التقدير الذي لولا ذلك لكان عبثا وتخريفا وتضييعا للوقت والمال والجهد.
انها تصرفات تبعث عن غريزة مستقرة في عمق الفطرة البشرية التي خلقت مع الإنسان والتصقت بوجوده واصبحت من اظهر مظاهره وانقاها.
نعم، ان الفطرة البشرية هي من المقاييس الكبرى التي تقود إلى ادراك الكثير من الحقائق الكامنة فيها، والمستقرة في اعماقها، قال تبارك وتعالى في سورة الروم: «فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن اكثر الناس لا يعلمون» وحيث نقل عن رسول الله صلى الله عليه وآله ان المراد بالدين هنا دين الله تبارك وتعالى، وعن الامام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام عن المراد بالفطرة انها الإسلام.
ولا مناص من القول بأن هذه الفطرة هي السبل التي اوجدها الله تبارك وتعالى للانسان ليسلك من خلالها المناهج القويمة والطرق الآمنة التي تقوده نحو النجاة والهداية، قال استاذنا العلامة الطبطبائي في كتابه (الميزان) «فالانسان كسائر الانواع المخلوقة مفطور بفطرة تهديه إلى تميم نواقصه، ورفع حوائجه، وتهتف له بما ينفعه وما يضره في حياته، وهذه الفطرة الخاصة تهديه إلى سنة خاصة في الحياة، وسبيل معينة ذات غاية مشخصة، ليس له إلا ان يسكلها خاصة، وهو قوله تعالى: (فطرة الله التي فطر الناس عليها)».