قرأة / «سمر كلمات» لطالب الرفاعي... إعادة اكتشاف الواقع وفق رؤية جديدة
«سمر كلمات» رواية قصيرة، تحقق معنى الرواية من حيث هي ( الحرية ) – حرية خلق عوالم أخرى فيها اختبار لقدرات الخيال والحلم ونظام المنطق - فهي إعادة اكتشاف الواقع وفق رؤية جديدة، تعبر عن موقف الذات من الآخر، والموروث الاجتماعي والثقافي والتاريخي، فما بين النقد للموجود والإبداع للمفقود، يتخلق عالم طالب الرفاعي الروائي.
البداية
«الحادية عشرة وخمس دقائق... ربما جف الدم على كاحلي، أحس الرجفة في أصابعي، وحدي ودموعي أقود سيارتي...».
تلك هي العبارة الافتتاحية في الرواية، وهي بداية تلقي القارئ مباشرة في قلب الحدث، وتحمل في طياتها أهم عنصر يجعل القارئ يشرع في قراءة الرواية وهو عنصر التشويق، حيث يتم تصوير الشخصية في موقف حرج منذ البداية، وهنا تثار في النفس مشاعر الخوف والقلق من النتائج المحتملة، والتعاطف مع الشخصيات، وتثار الأسئلة في ذهن القارئ، والذي ينبغي عليه أن يمضي قدما في تقليب صفحات الرواية، ليعرف الإجابة.
ومن تلك البداية ننتبه للطريقة التي اختارها المؤلف لتقديم وجهة نظره، ولربما كان هذا من أهم القرارات التي على الروائي اتخاذه، لأن ذلك سيؤثر تأثيرا جوهريا في استجابة القراء عاطفيا وأخلاقيا للشخصيات القصصية وللأعمال التي يقومون بها، وطالب الرفاعي في «سمر كلمات» ينحو نحو استخدام «تيار الوعي» أو «الواقعية السيكولوجية «حين يختار «المونولوج الداخلي «كطريقة للسرد. فيكون الخطاب بصيغة «الأنا»، «The first one narrator «ليفاجئ القارئ بنفسه وقد زج به بشكل مفاجئ في وسط حياة كاملة قائمة، فيسترق السمع على «سمر، وسليمان، وجاسم، وعبير، وطالب، وريم، و...»، وهم ينطقون بأفكارهم في نفس اللحظة التي ترد فيها على أذهانهن، فيختلط الحقيقي بالمجازي، والحاضر بالماضي، على نحو لا فكاك منه. وبتلك الطريقة تقدم الرواية مدخلا إبداعيا للحيوات الداخلية لأشخاص آخرين حتى ولو كانوا من نسج الخيال، وهنا يجبرنا الروائي على التورط والتعاطف مع الشخصيات، التي تكشف داخليات نفسها للأنظار، مهما بدت أفكارهم أحيانا أنانية أو جوفاء أو دنيئة.
وبذلك الانسياب المتواصل للفكر والإحساس في العقل البشري، والطريقة الداخلية في عرض التجربة، تسلط لفكرة الغوص إلى أعماق النفس البشرية وتحليل دقيق ومرهف لحياة الشخصيات الداخلية الأخلاقية والعاطفية.
كما يوقع القارئ في مأزق آخر، فالشخصيات جميعا تستخدم نفس طريقة السرد «الأنا» وتباعا تتعدد وجهات النظر وتختلف حين نراها من وجهة نظر كل طرف من الأطراف _ أليس هذا ما يحدث في الواقع _ والشخصيات جميعا تتقاسم بطولة العمل الروائي ف «سمر» وإن بدا أنها الشخصية الرئيسة في القصة، فإنما يتبدى أن هذا نوع من الإيهام، ورغم أن مساحتها من السرد «ثلاثة فصول» ثم يأتي «طالب» فصلين، وباقي الشخصيات «جاسم»، «سليمان»، «عبير»، «دلال »، «ريم» كل منهم فصل واحد، إلا ان الدور الرئيسي في تلك الرواية هو لتلك العلاقات المتشابكة والمتصارعة بين الشخصيات، فحبكة الرواية تسير في ثلاثة خطوط متوازية / متقاطعة في نفس الآن، فهناك العلاقة الشائكة بين «سمر وسليمان» سمر التي تحب سليمان منذ عشر سنوات كاملة، ورغم انه يبادلها نفس المشاعر إلا أنه يرفض الزواج بها، في البداية نتعاطف مع سمر، ونشعر بأنانية سليمان الذي يتخلى عنها في أشد أوقات احتياجها إليه، ونحس بمعاناتها، فهناك غضب أسرتها عليها، ونظرة المجتمع لها كمطلقة، ثم تورطها في علاقة اخرى مع «جاسم» طليق أختها الكبرى كمهرب أخير من تلك الأوضاع المؤلمة التي تعيشها. كما قلت نتعاطف مع سمر ونشعر بالحنق تجاه سليمان حتى يبدأ هو أيضا في تداعي أفكاره لنتعرف على تجربته المؤلمة الماضية مع زوجته الأولى التي انتحرت، لندرك سبب تخوفه وانزعاجه الشديد من فكرة الزواج، حتى وإن كان من سمر التي يحبها ويرتاح لوجودها معه. ثم نشتبك في حكاية أخرى تتقاطع مع «سمر وسليمان»، فها هو جاسم «زوج «عبير» الذي يطلقها بعد سنوات كثيرة من العشرة الزوجية ومن إنجاب ثلاث فتيات، فيهدم بيته راغبا في الزواج من «سمر «أخت» عبير، ونعود لنصاب بالحيرة من جديد، من المخطئ «جاسم» أم «عبير» هل عودته إلى منزله متأخرا سكرانا هي سبب نفور عبير منه، أم أن تكبرها وإهمالها لنفسها وله هما سبب نفوره منها، وما ذنب الفتيات الثلاث، اللواتي لم يبدأن حياتهن بعد، ليصبحن ضحية علاقات وخلافات الكبار.
وقبل أن نحل تلك الألغاز يفاجئنا الراوي بحيلة جديدة ولغز جديد، فيعمد إلى إظهار صوته وصورته في الرواية، ليجعل من نفسه إحدى شخصيات الرواية، ويخلق شخصية أخرى، وعلاقة أخرى، وخطا موازيا ثالثا في الرواية.
لتظهر شخصيتي «طالب الرفاعي»، و«ريم». أو ثنائية المؤلف/ البطلة.
وتثار مجموعة أخرى من التساؤلات حين يقوض المؤلف على نحو جذري إيهام الحياة الواقعية الذي تولده قصته، ويدعونا لكي نبدي اهتماما متعاطفا مع شخصياته ومصائرهم عن طريق الإشارة إليهم بوصفهم أناسا حقيقيين، إنه يوقعنا في شرك (كسر الإطار) أو الإيهام، ففي لحظة ندرك أننا نقرأ رواية عن أشخاص وأحداث من وحي الخيال، وفي لحظة أخرى نجد شخصيات حقيقية (طالب – شروق – فرح). وشخصيات نتماوج في إدراك مكانها مابين الواقع والخيال «ريم».
وتنتهي الرواية من دون إجابات محددة لكل التساؤلات والقضايا التي تطرحها الرواية.
فهي تبدأ في الطريق وتنتهي ونحن مازلنا في الطريق، دون أن يحدث اللقاء النهائي بين أي من شخصيات الرواية.
- هل تتزوج سمر من سليمان أم جاسم؟
- هل يعود جاسم إلى عبير؟
- هل يلتقي طالب وريم؟
رواية «سمر كلمات» هي أزمة. أزمة مجتمع وثقافة، أزمة أفراد. وأزمة مؤلف ممزق بين الواقع والخيال.