ملف / الحلقة العاشرة / كرسي الرئاسة اللبنانية... حلم في لحظة يقظة










| بيروت - «الراي» |
معشوقة منذ العِمادة والولاء لمار مارون، لا يصل إليها إلا من أوتي الحظ وساقته الأقدار بعد طول مخاض تنشغل فيه الدنيا ويؤرق فيه الوطن، كأنها كنز مرصود لا يُفتح إلا على وجوه محددة تستيقظ في قصر بعبدا بعد ليل طويل أتعبه الأرق، وربما الكوابيس، لكن الصبح المنبلج بالتأكيد لن يكون بعد حلم جميل في ليلة صيف، والتاريخ خير شاهد، إنها كرسي رئاسة الجمهورية اللبنانية.
الأسئلة عن أهمية الرئاسة الأولى في بلد صغير كلبنان قد تكون الإجابات عنها بدهية لدى من يعرف الملابسات المحلية والإقليمية والدولية المرافقة لانتخاب سيد القصر، طالما أن استقلال لبنان عام 1943 تم بتدخل بريطاني عقب سجن الانتداب الفرنسي لرجالات الاستقلال الذين كان من ضمنهم الرئيس بشارة الخوري. لكن السؤال الأساس هو لماذا تكتسي رئاسة الجمهورية أهمية قصوى الآن؟ هنا لا بد من استحضار جملة من الأمور المرافقة لها، وهي أنها الانتخابات الرئاسية الأولى بعد الانسحاب السوري الذي تم في العام 2005 عقب اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، كما أنها الانتخابات الرئاسية الأولى بعد الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان في مايو 2000، فضلاً عن الاستحقاقات الأخرى المترتبة على لبنان أبرزها القراران الصادران عن مجلس الأمن الدولي 1559، و1701، واستكمال إجراءات المحكمة الدولية الخاصة بمحاكمة قتلة الحريري، والإصلاحين السياسي والاقتصادي.
أما بيت القصيد في القضية كلها فهو وصول رئيس جديد إلى قصر بعبدا يوم 22 نوفمبر المقبل، ذلك أن فريقاً من اللبنانيين يتمسك بمبدأ الديموقراطية التوافقية، ما يعني أن وجود «فيتو» على مرشح معين من أي فريق مؤثر على الساحة المحلية سيعيق انتخابه حتى لو كانت لديه الأكثرية في المجلس النيابي، وهذا ما يجعل من النظام السياسي اللبناني الطائفي غريب الأطوار، ففي هذا البلد الصغير هناك من يحرق بيتاً من أجل إشعال سيجارة، على حد وصف أحد القناصل الفرنسيين للبنانيين في مطلع القرن العشرين.
وفي خضم خلافات اللبنانيين على الرئيس المقبل غالباً ما تأتي «كلمة السر» من اللاعبين الإقليميين والدوليين على الساحة، فينتخب غالبية أعضاء المجلس النيابي المرشح المطلوب لمدة ستة أعوام يستهلها الرئيس بخطاب القسم ليترك القصر في ما بعد كارهاً أو راغباً أو مقتولاً، وليخلّف عهداً يذكره التاريخ ويختلف عليه اللبنانيون. ورغم الحديث عن الغالبية إلا أن خرقاً وحيداً حدث في 23 سبتمبر 1970 عندما انتخب النواب رئيس الجمهورية، الخامس، سليمان فرنجية بفارق صوت وحيد عن منافسه إلياس سركيس في وقت خفتت فيه حدة التدخلات الإقليمية والدولية في لبنان.
ومع انشغال اللبنانيين حالياً ليلاً ونهاراً بانتخابات رئيس الجمهورية وبدء الترشيحات تفتح «الراي»، على حلقات، ملف العهود الرئاسية والمرشحين حالياً إلى الكرسي الأول.
مرشح / روبير غانم من «بيت عسكري» وشديد الحساسية من ... العسكر
| بيروت - من سعد كيوان |
هل يصعد ابن صغبين درج بعبدا كما كان يصعد في طفولته درجات لوكندا «قصر البحر» التي كان يملكها جده أسعد في بيروت، في مواجهة «ريجنت أوتيل» اليوم؟ من عائدات زبائن اللوكندا تعلم اسكندر غانم وأخوه جورج في مدرسة الفرير في الجميزة ليصبحا في ما بعد، الأول ضابطاً كبيراً في الجيش، ثم قائداً له في 1971. والثاني درس الطب في جامعة القديس يوسف وتابع اختصاصه في طب الأطفال في الولايات المتحدة.
نزح الجد باكراً الى بيروت غداة الحرب العالمية الأولى سعياً وراء لقمة العيش. كان زمن الاحتلال التركي وما رافقه من استعباد وذل وفقر لم تعد «تكفي» ولا «تنفع» معه وجاهة خليل غانم، والد أسعد، وخدماته للناس في صغبين. فهو ليس من الملاك الكبار، وليس هناك في صغبين من أراض أو مساحات زراعية شاسعة...
جد أسعد وتعب وعاش ليشاهد أحفاده روبير وأسعد وجوزف يلهون ويتدحرجون أمام عينيه على درج اللوكندا، ويأكلون الحلوى من عند المجذوب تحت «قصر البحر»، بعد أن أصبح والدهم اسكندر ضابطاً في حمص ومن ثم قائداً للمدرسة الحربية فيها عشية انسحاب الجيش الفرنسي.
مظهره وهندامه يعكسان شخصية المحامي «النموذجي»، المحامي الطالع من روايات الأميركي جون غريشين. وجه ذو تقاسيم متناسقة وعينان معبرتان تعلوهما جبهة عريضة وشعر غض أملس تغلغل الشيب اليه، وتسريحة زمن جاك شارييه.
ولد روبير اسكندر غانم عام 1942 ونشأ وترعرع في بيروت وتلقى علومه الابتدائية والثانوية في مدرسة الجمهور، وليس عند فرير الجميزة، لأن والدته لوريس (توفيت عام 1997) بنت بطرس خوري البقاعي والذي كان يحتل وظيفة مرموقة كأمين صندوق زحلة (بمثابة رئيس مصلحة المالية اليوم) حتى الأربعينات، أصرت على تعليم أولادها عند اليسوعيين. ومع ذلك، يبدو غير مطبع بسلوكيات وطبائع يسوعية. هادئ، لغته مباشرة، أسلوبه غير «التفافي»، ولا «إيحائي» أو ساخر في التعبير عن آرائه ومواقفه.
واللافت للانتباه ان اسكندر لم يسم روبير على اسم جده أسعد رغم كونه الابن البكر جريا على التقاليد والعادات. هل لشعوره ربما انه لن يلتحق بالعسكر وسيختار طريقا آخر مناقضا تماما، أي دراسة الحقوق وممارسة مهنة المحاماة و... الدفاع عمن يتصدى للعسكر، فيما يسير أخوه أسعد على خطى والديه ويصبح فيما بعد عميدا في الجيش ثم يخرج الى التقاعد باكرا، عام 1999، قبل بلوغه السن القانونية ربما «امتعاضاً» على اثر تعيين ميشال سليمان قائدا للجيش بعد انتخاب اميل لحود رئيسا للجمهورية، وهو اليوم مدير عام الجمارك.
بدا المحامي الشاب شديد الحساسية تجاه العسكر رغم (أو بسبب؟) أنه تربى في بيت «عسكري» على «التراتبية والانضباط والقيم وحب الوطن». لدرجة انه غضب وترك المنزل أكثر من شهر احتجاجا على قبول والده في نهاية 1975 المشاركة في الحكومة العسكرية التي أوكلت رئاستها يومها الى اللواء نور الدين الرفاعي. إلا ان رهبة الوالد ظلت ترافقه الى حين: «دخلت الجامعة وترشحت على انتخابات الرابطة ونجحت ولم أكن أتجرأ على التدخين أمامه...».
ربما أن تدرجه في مكتب المحامي والمثقف فارس الزغبي وانخراطه باكراً في العمل في 1962 كموظف، وهو لم يتجاوز بعد سن العشرين، في مجلس النواب ولّدا لديه نزوعاً نحو «التمرد»، أثارا عنده نوعاً من ردة الفعل على واقع بيئته العائلية.
ويظهر أنه كان شديد التأثر بوالدته التي سعت لدى ابن شقيقتها وابن خالته كارلوس خوري الذي كان يعمل في القصر الجمهوري يومها كي يدبر له عملا يمارسه خلال فترة تدرجه. كما أن أحداث عام 1958 قد تركت أثراً في شخصيته.
ويروي روبير في هذا المجال انه كان يشاهد ما يجري من منزل العائلة الكائن في شارع بشارة الخوري، أي على «خطوط التماس» التي كانت تفصل بين «الثوار» و«جماعة التمديد». تلك الأحداث «وعّتني على السياسة، أثرت فيّ مجموعة أسباب وآراء وخلافات على الثورة...».
تعرّف روبير في البرلمان على رئيسه صبري حمادة، وتولى بعدها مهام الامانة العامة بين 1964 و1968 مع كامل الأسعد الذي خلف حمادة، ما مكّنه من «التعرف على جو المجلس وآلية العمل البرلماني فيه...». وفي الفترة نفسها (1965) أنهى دراسة الحقوق وبدأ يتابع مع الزغبي الأمور القانونية لجريدة «النهار» التي كان الزغبي وكيلها. وهكذا، تعرّف على غسان تويني، وما هي إلا اعوام قليلة حتى أصبح مستشاره في وزارة التربية في عهد «حكومة الشباب» التي ترأسها «شيخ الشباب» صائب سلام في 1970، وهي أول حكومة عهد سليمان فرنجية.
تكوّنت شخصية روبير غانم في مرحلة اشتد فيها الصراع بين «النهج» (التيار الشهابي) و«الحلف الثلاثي» (كميل شمعون، ريمون اده وبيار الجميل) الذي نشأ في مواجهته، وفي ظل احتدام السجال عن دور العسكر (المكتب الثاني) ونظام «العسكريتاريا» (وهو مصطلح استنبطه الزميل الراحل ميشال ابو جوده). وشهدت انتخابات 1968 فوزاً كاسحاً لمرشحي «الحلف» أدت الى خلط الأوراق في المجلس النيابي والبلد.
كبر المحامي الشاب و«اشتد عوده» فراح يتردد على صغبين ويحتك بأهاليها الذين «خدم والدي العديد منهم عبر توظيف المئات من المنطقة في الجيش، كنا مؤثرين...».
نشط روبير في انتخابات عام 1968 داعماً جوزف سكاف «لأنه لم يكن حزبيا أو طائفيا، نهجه كان تجسيدا للعيش الواحد...». إلا أن المكتب الثاني كان بالمرصاد للزعيم الزحلاوي، فسقط في الانتخابات وذهب غانم في «جريرته»، وبات ليلته في النظارة عشية الاقتراع، رغم ان والده كان يومها عميدا وقائداً لموقع بيروت.
عام 1970 دخلت البلاد في أجواء معركة رئاسة الجمهورية التي حملت سليمان فرنجية الى بعبدا إثر معركة حامية على «المنخار» (50 مقابل 49 صوت) مع الياس سركيس المدعوم من «النهج». يومها، «تموضع» فرنجية في الوسط ضمن «تكتل الوسط» الذي جمعه وكامل الأسعد وصائب سلام، وحظي بدعم «الحلف الثلاثي». ويروي المحامي الشاب انه تمكن من «التسلل» الى داخل المجلس وشهد وقائع جلسة الانتخاب. وعند فرز آخر ورقة تأكد من فوز فرنجية فخرج مسرعاً الى «النهار» ليزف الخبر الى غسان تويني وألبير مخيبر وتقي الدين الصلح وبيار اده الذين كانوا في الانتظار، فعاجله اده سائلا اذا ما كان صبري حمادة قد أعلن النتيجة. وقد رفض حمادة يومها بالفعل إعلان فوز فرنجية، ولم يسلّم بالنتيجة إلا بعد تدخل رينيه معوض الذي صوّت يومها ضد فرنجية.
مناخ أول السبعينات وما سبقه وتبعه من أحداث عاشها روبير بين «النهار» والمحاماة دفعه الى الابتعاد أكثر فأكثر عن أجواء والده والانخراط في أجواء السياسة والسياسيين. في هذه الأثناء أصبح والده قائدا للجيش خلفا للعماد جان نجيم الذي قضى في حادث غامض أدى الى «تحطم» مروحيته فوق قرن قيطو في الشمال. ساءت العلاقات بين تويني والعهد بعد خروجه من الحكومة وعودته الى صفوف المعارضة. أوقف تويني في 1973 بقرار وقعه والد روبير بأمر من فرنجية، فانبرى هو للدفاع عنه في المحكمة.
وبدأ لبنان يقترب شيئا فشيئا من الحرب الأهلية، وفي ابريل1973 فجر الانزال الاسرائيلي في فردان، والذي ذهب ضحيته القادة الفلسطينيون الثلاثة وما أعقبه من قصف للمخيمات، أول أزمة حكم بين فرنجية وسلام، الذي طالب يومها برأس قائد الجيش. يقول غانم: «حاولوا تحميل المسؤولية للوالد، علما ان رئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للقوات المسلحة، ولكن... الجو السياسي بدأ يتلبد والبلد يتجه نحو الانقسام الطائفي».
يقرأ روبير غانم الحرب «بين السطور»، تبدو قراءة بـ «مفعول رجعي»: «بداية الحرب كان لها معنى الدفاع عن الوطن وكرامة الناس، شباب قام للدفاع عن الوطن والوجود. كان هذا الشعور، لكن ظهرت في ما بعد خلفيات أخرى...». ثم ينطلق في «تركيز» أفكاره من التعايش: «هذا البلد لا يعيش إلا بمسلميه ومسيحييه، ضمانة تمايز المسلم بوجود المسيحي والعكس. يجب تعميم ثقافة الدين والايمان على المدارس بما هي قيم وحضارة وتاريخ، بدل من ان يتربى كل شاب على دينه ويتعصب ويتحول الى قنبلة موقوتة. الأفضل ان نشكل نموذجا لمجتمعات مركبة، نموذج قبول الآخر والتسامح واحترام خصوصيات الآخر...».
في خضم تلك الارتجاجات، وفيما كان لبنان ينزلق بسرعة الى الاقتتال، تزوج الاستاذ غانم في بداية العام 1975 من فيفيان حداد، ابنة بيار حداد الذي كان يملك في القنطاري محلا للتحف ووكيل شركات أدوية، والتي كانت تعمل صحافية في جريدة «الاوريان». أثمر زواجهما ولدين، اسكندر (31 عاما) ونديم (21 عاماً). وكان قد انطلق في مجال المحاماة وأصبح وكيلاً لرجل أعمال عربي (سوري - لبناني) له استثمارات في لبنان، يبدو انه لعب ويلعب دورا في نسج علاقات ابن صغبين مع دمشق وتعبيد طريقه في ما بعد الى النيابة... يؤكد أن علاقاته بالسوريين قديمة «عبر رجل الأعمال ومعارف وعلاقات اجتماعية أخرى عبر باريس وبيروت دمشق». يكشف انه التقى بشار الأسد قبل ان يصبح رئيسا ومرتين بعد ذلك.
مسار روبير غانم الشخصي والسياسي يبدو مختلفا عن كثيرين آخرين. مسار في «عكس سير» أمثاله من بني جلدته رغم الظروف العائلية والسياسية المواتية. ربما بسبب الحرب... علاقته المتينة بـ «النهار» حملته في 1976 الى باريس، حيث مكث لفترة وشارك في تأسيس «النهار العربي والدولي». عام 1978، وعلى اثر جريمة اغتيال النائب طوني فرنجية، استقر في العاصمة الفرنسية مع العائلة وأسس مكتب محاماة وأخذ يتابع أعماله من هناك متنقلا بين عاصمة وأخرى من دون ان يفقد «علاقته الذهبية» برجل الأعمال «ما غيرو» والذي يتحفظ عن كشف هويته.
تمضي عشر سنوات ... واذا بـ «الطائف» يحمل «المن والسلوى» الى اللبنانيين. عفواً، الى الطبقة السياسية الميليشياوية التي عاثت فساداً في الجمهورية. ويبدأ توزيع المغانم والحصص و«توسيع التمثيل الشعبي» عملاً بمبدأ «المشاركة» و«توزيع السلطات» و«التوازن الطائفي». و«يسقط» على البقاع الغربي مقعداً مارونياً. «فجأة»، يتصل ريمون روفايل، ابن عمة روبير طالباً منه الحضور، وكان ما كان... ودخل غانم «جنة» المجلس النيابي، وها هو اليوم في منتصف دورته الرابعة. وشارك في احدى حكومات المغدور الرئيس رفيق الحريري وزيرا للتربية. يحرص على تأكيد تعلقه ببلدته صغبين، فهو لم ينقطع عنها ويعود باستمرار لقضاء نهاية الأسبوع فيها. لكن روبير كان يجهل ان ضيعته البقاعية النائية، القابعة في «الأطراف» ستعود يوماً الى «الحظيرة» التي سلخت عنها بقرار من الجنرال كاترو عام 1920 تمهيداً لإعلان دولة لبنان الكبير. لم يكن يتوقع ان صغبين ستصبح يوما على تخوم «عاصمة القرار».
مع انتهاء ولاية اميل لحود الدستورية، في صيف 2004، قرر غانم الترشح للرئاسة، وكان يومها في معسكر الموالاة. أي في الصف المحسوب على سورية؟ وقبل ذلك بأشهر عدة زار دمشق واستقبله بشار الأسد: «ترشيحي لا علاقة له بلقاء، أعلنته قبل أكثر من ثلاثة أشهر وكررته مرتين قبل زيارتي الى دمشق...». ولكن قرار فرض التمديد جعل اي ترشيح أو طامح خارج السياق.
كيف ينظر الى «اتفاق الطائف»؟ «الطائف لم يطبق، الخلافات في شأن الصلاحيات والسلطات يمكن تعديلها، أما الطائف فهو حكم المؤسسات، الطائف ليس مرسوما تطبيقيا. انه السقف، علينا ان نحتمي به. كفانا مرة واحدة واستثنائيا... علينا تطبيقه وإطلاق الحوار والاصلاح، بعدها يمكن التعديل...». تعديل ماذا؟ «يجب إعادة التوازن بين السلطات التشريعية والتنفيذية بحيث يتمكن المجلس النيابي من إسقاط الحكومة، والأخيرة من طلب حله. إضافة الى ضرورة إعادة النظر بمدة رئاسة المجلس والمهل المعطاة لرئيس الجمهورية في توقيع المراسيم».
ما هو برنامجك للانقاذ كرئيس؟ «لدي رؤية تقوم على أربعة عناصر، أولها إصلاح سياسي إداري اجتماعي ينطلق من قانون انتخابي يعتمد الدائرة الصغرى واللامركزية الادارية وإعادة هيكلة الادارة وتفعيل دور المؤسسات الرقابية. مصداقية الدولة اليوم على الحضيض، يجب أن يتساوى المواطن والدولة تحت سقف القانون. المطلوب تأمين العدالة الاجتماعية عن طريق انتساب الجميع الى صندوق الضمان بعد إجراء الاصلاحات اللازمة. والأهم من كل ذلك كله ان يعود مجلس النواب الى ممارسة دوره الرقابي لأن الفساد معمم ويحبط الشباب، عدم المساءلة كالعبودية.
ثانياً، القضاء يحتاج الى أياد بيضاء. يجب تسليم النخبة والشرفاء المسؤوليات الكبيرة في القضاء ليصبحوا المثل والقدوة وليعطوا الثقة للمواطنين، وبالمقابل رفع معنويات القاضي ومادياته.
ثالثاً، الشباب والتربية. صياغة برامج من منطلق الانفتاح على ثقافة العصر، ثقافة الحوار والعيش معا. مخاطبة الشباب بلغتهم واحتضانهم كي لا تبقى الشهادة تساوي تأشيرة هجرة. كما يجب تعزيز التعليم المهني والتقني ورفعه الى المستوى الاكاديمي. ثروتنا هي الانسان واليد العاملة. نحتاج الى تربية مدنية تجعلنا نرى من مرآة واحدة، لا كل من مرآته الخاصة.
رابعاً، يجب تحويل الاقتصاد من ريعي الى إنتاجي. زيادة الضرائب على الارباح وتشجيع دخول الاستثمارات بدلا من عرقلتها ولو بربح قليل للدولة. علينا تنفيذ التزامات «باريس ـ 3» وإعادة هيكلة الأموال وتوجيه استعمالها لتحفيز النمو. إعادة النظر في ضريبة الدخل وربطها بالارباح وإعادة هيكلة العلاقة مع القطاع الخاص، إنشاء صندوق الدين العام، اتفاقات ثنائية مع الدول للحصول على سلفات طويلة الأمد من أجل إعادة هيكلة الدين العام».
يعرض غانم رؤيته، ثم يعود الى البداية مطالباً بقانون انتخابي «من دون استثناءات ومن دون استنساب لأن البلد لم يعد يحتمل التأجيل والتسويف والمسكنات. عشنا فترة تكاذب تعتمد على التسويات نصفها حق ونصفها باطل، تراكمت التسويات وتراكمت المشاكل... نحتاج الى التوافق على عقد اجتماعي جديد أساسه المواطنية الصحيحة بكامل حقوقها المدنية والسياسية والاجتماعية، ولننتقل من الساحة المذهبية الى الساحة الوطنية... كل ذلك يتطلب أعواماً وجهدا لوضع مشروع إنقاذي تغييري». توافق من وكيف؟ «التوافق يطلقه مجلس نواب منتخب يضع قانونا حديثا وعادلاً».
مداخيل النائب والمحامي غانم «تقوم على الاستشارات ومعظمها خارجي، أما اليوم فقد خفت مع السياسة والنيابة». وماذا عن روبير «الآخر»، وكيف يمضي وقته خارج السياسة؟ يقرأ كتب سياسية وتاريخية. يقرأ صحفاً أجنبية مثل «لوموند» و«هيرالد» وأسبوعيات فرنسية وإنكليزية، ويطالع على الانترنت. ومثل معظم السياسيين يقول انه لم يعد لديه وقت للقراءة ولممارسة «هوايات» أخرى غير السياسة: «كنت أمارس لعبة التنس وكرة الطاولة... أذهب من وقت الى آخر الى السينما».
ومن بين عظماء رجال الدولة الذين تركوا أثراً لديه؟ هنا تظهر بعض ملامح تأثر غانم بمناخ والده الجنرال: «بيسمارك، تاليران، بونابرت، ديغول كينيدي و...غاندي».
غانم هو اليوم ضمن «فريق 14 مارس» الذي يمثل الأكثرية النيابية، وهو في الأساس يشارك في اجتماعات «كتلة نواب المستقبل» التي يتزعمها سعد الحريري. فهل يسهل له هذا «التموضع» الوصول الى الرئاسة أم يصعبها عليه؟