إشراقات من الحكم / العلم الحقيقي


ان من نافلة القول التذكير بالاهمية العظمى التي اولاها الاسلام للعلم والعلماء، فالنصوص الشرعية في فضائل العلم مستفيضة، واقوال العلماء وسلوكهم العملي الذي يدل على مكانة العلم اكثر من ان تحصر، واشهر من ان تذكر.
ومع اجماع عقلاء البشر علي دور العلم في اقامة الحضارات وتأسيس المجتمعات الراقية والمتقدمة، الا ان هناك اضافة متميزة يضيفها الاسلام في نظرته للعلوم، وقد عبر ابن عطاء الله عن هذه الاضافة بقوله: «خير العلم ما كانت الخشية معه» فالعلم النافع هو الذي يقرب صاحبه الى الله تعالى ويزيده معرفة بربه وذلك مصداقا لقول الله تعالى: [إنما يخشى الله من عباده العلماء]، لان العلم الذي تلازمه الخشية ويقود اليها ينشأ عنه اجلال لله تعالى يقود إلى العمل لمرضاته سبحانه.
لو كان للعلم من دون التقى شرف *** لكان أفضل خلق الله إبليسُ
وذلك لان العلم في الاسلام هو ميراث النبوة، فلا ينبغي لميراث النبوة ان يصد صاحبه عن سبيل الله، لان بعض من جمع من العلم حظ وافرويكون همه الجمع والادخار والمباهاة والاستبكار وهذا لا يليق بحملة ميراث النبوة، فعلى الوريث ان يتحلى بصفات الموروث من زهد ورغبة في الدار الآخرة والتجرد من حظوظ النفس، فهذا هو العلم الحقيقي الذي قال فيه ابن عطاء الله: «العلم ان قارنته الخشية فلك، والا فعليك»، فالعلم الذي تقارنه الخشية هو العلم النافع الذي كان يوصي النبي (صلى الله عليه وسلم) بالدعوة لحصوله فيقول: «اللهم ان اسألك علما نافعا»، وهو العلم الذي تلازمه الخشية وينشأ عنه عمل، لذلك قالوا: «مثل من قطع الأوقات في طلب العلم فمكث خمسين سنة يتعلم ولا يعمل، كمثل من قعد هذه المدة يتطهر ويجدد الطهارة ولم يصل ركعة واحدة، اذ المقصود من العلم العمل، كما ان المقصود من الطهارة وجود الصلاة».
فاذا خلا العلم من الخشية ومن العمل فهو العلم الذي يجر صاحبه إلى الهاوية والذي قال الله تعالى فيه [ فأعرض عمن تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا، ذلك مبلغهم من العلم]، ويذكر ابن عطاء الله تعالى بعضا من علامات هذا العلم فيقول: «متى آلمك عدم اقبال الناس عليك، أو توجههم بالذم اليك فارجع الى علم الله فيك، فإن كان لا يقنعك علمه فمصيبتك بعدم قناعتك بعلمه اشد من مصيبتك بوجود الأذى منهم «فالعالم الذي يحرص على اقبال الناس عليه، ويحزن اذا ما توجهوا بالذم اليه، فإن حامل هذه العلم لم يقتنع بعلم الله به ورأى ان علم الناس بحاله اولى من علم الله، فمصيبة عدم القناعة والرضا بعلم الله اعظم من مصيبة ما يتلقاه من ذم الناس، ولا ينبغي للعالم ان يكون هذا حاله، يقول الفضيل ابن عياض: «العالم طبيب الدين، والدنيا داء الدين، فاذا كان الطبيب يجر الداء الى نفسه فمتى يُبرى غيره».