قراءات / قراءة في كتاب سيد أحمد الرفاعي عن خليفة رسول الله ? عليم قريش... أبو بكر الصديق من إسلامه حتى وفاته

تصغير
تكبير
| بقلم منى الشافعي - الكويت |

•قراءة في كتاب د. سيد احمد الرفاعي عن خليفة رسول الله ? وخصاله وآثاره.

في مقدمته يقول د. سيد احمد الرفاعي بشفافية وصدق: (واخيرا اود ان اوضح للقارئ الكريم انني عندما تطاولت واعتزمت ان اكتب في سيرة الخليفة الراشد ابي بكر الصديق رضى الله عنه كنت على يقين بان سالك هذا الطريق على خطر كبير. لانه ينصب نفسه شاهدا على ما لم يشهده، ويقضي بشأن حقبة سماها الحبيب المصطفى محمد ? خلافة النبوة).

تأكيدا لما تقدم به د. سيد احمد الرفاعي، فان كتابة وتأليف هذا النوع من الكتب الخاصة بسير الصحابة والسلف الصالح رضي الله عنهم، تحتاج الى منهجية علمية واضحة تلتزم الدقة والحيادية والموضوعية وتبتعد قدر المستطاع عن العواطف والاهواء، وتتميز بالصدق والقناعة.


الصحابة

الصحبة، في اللغة هي الملازمة والمرافقة والمعاشرة ... والصحابة هم اصحاب رسول الله سيدنا محمد بن عبدالله ? الذين لقوه مؤمنين وماتوا على دين الاسلام... وهم الذين ساعدوه علي ايصال رسالته المقدسة الى الناس، كما دافعوا عنه مرات عدة بالنفس والمال، حسب امكاناتهم في ذلك الوقت، ومنهم من تفرق بين الامصار والمدن ينشر الدعوة الاسلامية ويدعو الى الجهاد في سبيلها، وهناك من ذهب لينشر العلم والمعرفة بين الناس، والبعض منهم قاد العديد من الحملات الاسلامية والمعارك لفتح العراق وبلاد الشام ومصر.

اما بعد وفاة الرسول محمد ? فقد قام الصحابة رضوان عنهم بتولي الخلافة من بعده، ولقد عرفت تلك الحقبة التاريخية الاسلامية بعهد الخلفاء الراشدين.


الإصدارات

ها هو الاصدار الرابع يطل علينا هدية رائعة من د.، سيد احمد الرفاعي، الموسوم عليم قريش... الخليفة ابو بكر الصديق (رضى الله عنه)، وقبل ان ننهل من اطايبه ونتجول بين فصوله وابوابه، لنا وقفة مع د. الرفاعي الذي يحمل دكتوراه في علم الادارة فما الذي دفعه للاهتمام والتعلق بكتابة سير الصحابة وآل البيت (رضى الله عنهم) جميعا، تلك السير العطرة الطاهرة؟

نشأ د. سيد احمد الرفاعي في بيئة اسلامية واسرة مؤمنة محبة للخير والصلاح، وهبت نفسها لخدمة الاسلام والمسلمين، تنحدر من سلالة آل البيت رضي الله عنهم، فكان تأثيرها الديني واضحا ومثمرا في حياة د. سيد احمد، فقد استطاعت هذه الاسرة الشريفة، ان تغرس في قلبه وعقله حب رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه (رضى الله عنهم)، كما دفعته لقراءة القرآن الكريم وحفظه، والالتزام بأداء العبادات والفروض والسنن بأوقاتها، منذ طفولته المبكرة، وهكذا شب على حب الاسلام، والشغف بسيرة الصحابة وآل البيت (رضى الله عنهم)، فاخذ يغرف من منابعه التي لا تنضب، وجداوله التي لا تجف ولا تختفي... فظهرت موهبته المتميزة، على شكل مؤلفات قيمة ثرية توثق لسير الصحابة وآل البيت (رضى الله عنهم)، فقد اصدر اول ثمرات هذه السلسلة العطرة، كتابا يحمل عنوان (الامام علي بن ابي طالب، كرم الله وجهه، من اسلامه الى استشهاده) عام 1999م، اما الكتاب الثاني فجاء تحت عنوان (امير المؤمنين عثمان بن عفان، رضى الله عنه، من اسلامه الى استشهاده) عام 2003م ويحمل الكتاب الثالث عنوان: (الشهيد الامام الحسين بن علي، رضي الله عنهما، من مولده الى استشهاده) عام 2004م

ولقد لفت نظري وانا اتابع انتاج د. احمد الرفاعي احد مؤلفاته الذي يحمل عنوان (الخصخصة... تجربة حكومة دولة الكويت) الذي صدر عام 2006.

وبالتالي، نجد هناك نوعا من المصالحة بين ما يكتبه د. الرفاعي عن الامور المالية والادارية والتي هناك الكثير منها على قائمة الانتظار وبين كتاباته المتعلقة بسير الصحابة وآل البيت (رضى الله عنهم) جميعا... وهذا دليل على ان د. الرفاعي افاد من شهادة الدكتوراه وموضوعها (منظمة الاقطار العربية المصدرة للبترول... دراسة عن انجازات وامكانيات التعاون بين الدول الاعضاء) وذلك باستثمار ما تعلمه ودرسه من أسس واصول البحث العلمي، ليطبقه علميا في ابحاثه وكتاباته الاخرى المميزة عن الصحابة وآل البيت (رضى الله عنهم)... وبذلك اجاد في تنوع   كتاباته ومواضيعها، التي بالضرورة ستفيد المجتمع وتثري المكتبة الكويتيتين والعربية.


محتويات الكتاب

يحتوي الكتاب على سبعة فصول، تضمنت دراسة مستفيضة لشخصية الخليفة ابي بكر الصديق رضى الله عنه، وعلاقته الرائعة بالرسول الكريم ?، واعماله وغزواته في حياة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم، ومن ثم عهد خلافته على المسلمين كأول خليفة للاسلام بعد الرسول صلى الله عليه وسلم وحروبه وفتوحاته، وحكمه والاحداث التي جرت في عهده ثم وفاته (يرحمه الله).

الكتاب غني بآراء د. سيد احمد الرفاعي، وآراء كتاب آخرين... لذا سأحاول في هذه العجالة ان اقتطف بعضا من اهم الثمرات التي يحتويها كل فصل من الفصول السبعة، وسأنتقي بعض الفقرات المعبرة عن رأي د. الرفاعي.


الفصل الأول

تناول د. سيد احمد الرفاعي في هذا الفصل، التعريف بالخليفة ابي بكر الصديق رضى الله عنه، من حيث اسمه وكنيته والقابه، والتي منها عتيق والصديق، وعبد الكعبة وغيرها... واوضح كيف لصقت به كنية ابي بكر... وبعد ان استعرض آراء الكتاب الاخرين، مال إلى رأي د. محمد هيكل، الذي قال إنه: (أول من بكر بالاسلام)... وعليه تكون الكنية قد اطلقها عليه الحبيب المصطفى محمد ? من دون ادني شك. كما بين الباحث ان اول من لقبه بالصديق هو جبريل... حيث يقول: «عن محمد بن كعب قال: لما رجع رسول الله ? حين اسري به، فبلغ ذا طوى قالك «ياجبريل، اني اخاف ان يكذبوني» قال: كيف يكذبونك وفيهم ابو بكر الصديق؟».

ومن اهم صفاته، (عليم قريش)، تلك المعلومة التي اشار اليها الباحث في هذا الفصل واكد عليها، ذلك لان ابا بكر الصديق رضي الله عنه، انسب العرب، اي انه عليم بمعرفة الانساب وهذا ما تشير اليه معظم الروايات التي تتحدث عن شخصيته وصفاته والتي ذكرها الباحث... عن عائشة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لحسان (لا تعجل وآت ابا بكر فإنه اعلم قريش بانسابها حتى يمحص لك نسب).


الفصل الثاني

في هذا الفصل يتناول د. الرفاعي خصائص وصفات ومميزات الخليفة ابي بكر الصديق (رضي الله عنه).

يقول الباحث (إن مناقب الشخصيات الكبيرة لاسيما ما يتعلق منها بالباطن، تفوق القدرة البشرية اذا اردت حصرها ذلك ان بواطن النفوس، فضلا عن كونها من الغيوب التي تفرد الله عز وجل بالاحاطة بها، لها من المكونات والداوعي والاسباب والمؤثرات، سواء من الوراثة او التربية او البيئة او التكوين الجسدي او المواقف والظروف، ما لا يدعي احد القدرة علي حصرها ومن ثم على سبر اغوارها او معرفة تفاعلاتها سلبا وايجابا، فكيف بنا نحن امام شخصية تاريخية فذة ... (ويضيف: ولكن رغم ذلك سوف احاول ان استخلص اهم ما قيل عن مناقبه وخصائصه).

يقول د. الرفاعي: (عشقه رضي الله عنه للصدق، قد تكون هذه الميزة من اهم ما تميز به ابو بكر الصديق رضي الله عنه عن غيره من الصحابة رضوان الله عليهم اجمعين).

ومن خصائصه الاخرى التي ذكرها الباحث د. الرفاعي، هي ائتمانه للسر وانه كان اعلمهم بما قال رسول الله ? كما كان شديد الحفظ، ومستشار الرسول ? وهناك خصائص اخرى لا حصر لها حيث يؤكد د. الرفاعي بقوله: (... فإنه من الصعب حصر ذكر اختصاص هؤلاء الصحابة الاجلاء في هذه العجالة، لذلك، فإن ما ذكرت وسطرت في هذا الفصل ما هو إلا غيض من فيض، ولا يسعنا في هذا الكتاب إلا ذكر ما هو مهم ومايبرز اهم اختصاصات الخليفة ابي بكر الصديق رضي الله عنه.

لقد لفت نظري انه من اهم المراجع الذي استند عليها الباحث د. الرفاعي في هذا الفصل، لكثير من الحقائق، هو كتاب نهج البلاغة الجامع لخطب ورسائل وحكم امير المؤمنين ابي الحسن علي بن ابي طالب كرّم الله وجهه حيث اشاد بفضائل الخليفة ابي بكر الصديق رضى الله عنه.


الفصل الثالث

تناول د. الرفاعي في هذا الفضل هجرة الحبيب المصطفى ? ورفيق دربه وصاحبه رضي الله عنه.

يقول الباحث في بداية الفصل «لا يستطيع اي مؤرخ او كاتب وهو يتحدث عن ابي بكر الصديق رضي الله عنه، إلا ويستذكر هجرته مع الحبيب المصطفى محمد ? لانه صاحبه الذي ذكر في القرآن الكريم واكده الحبيب المصطفى محمد ?.

ويطرح د. الرفاعي سؤالا مهما جدا، يقول: (لماذا اختار الرسول ? ابا بكر الصديق رضي الله عنه، دون غيره ليكون رفيق دربه؟ اماذا استثناه من جميع الصحابة رغم وجود من هم اشد منه على تحمل مشاق السفر والقتال واصغر سنا... الخ...؟). ولكن د. الرفاعي استطاع ان يبين بعض الامور التي ميزت ابا بكر الصديق عن باقي الصحابة وجعلت الحبيب المصطفى محمد ? يختاره دون غيره لهذه الرحلة المهمة والعظيمة وهي الهجرة.

اما المعلومة الجديدة التي اكدها وبينها لنا د. الرفاعي، فهي الهجرة او المحاولة الاولى لابي بكر الصديق رضي الله عنه، حيث استخلص واستنتج من الروايات التاريخية المؤكدة، التي تتحدث عن تلك الهجرة، بان ابا بكر الصديق رضي الله عنه، وبعد موافقة الحبيب المصطفى محمد ?، حاول ان يهاجر الى الحبشة ولكن ارادة الله عز وجل وضعت امامه ابن الدغينة كي يجبره ويرده عن هجرته الاولى لان الله عز وجل اذا احب عبدا سيره بارادته لامر يريده، وهكذا كان، فالله سبحانه وتعالى اراد لابي بكر الصديق رضي الله عنه ان يكون هو الصحابي المميز من امة الاسلام لكي يصحب الحبيب المصطفى محمد ? في الهجرة التي غيرت معالم التاريخ الى المدينة المنورة.

وفي هذا الفصل يتطرق د. الرفاعي إلى الروايات التي تشير وتؤكد على ان ابا بكر الصديق رضي الله عنه، هو ثاني اثنين في الغار، وذلك ان رسول الله ? قال لأبي بكر الصديق رضي الله عنه: (انت اخي وصاحبي في الغار).


الفصل الرابع

تضمن هذا الفصل أعمال أبي بكر الصديق (رضي الله عنه) في حياة الحبيب المصطفى محمد (صلى الله عليه وسلم)  وأول هذه الأعمال مشاركته غزوات الرسول (صلى الله عليه وسلم)  والتي منها غزوة بدر العظمى ودوره الفعال في هذه الغزوة العظمى، فقد قام بحراسة العريش، مقر قيادة الجيش وكان فيه عريش الحبيب المصطفى محمد (صلى الله عليه وسلم) ، كما أنه قام بالتخفيف عن الحبيب المصطفى محمد (صلى الله عليه وسلم) ، حينما ناشد ربه النصر. أما موقفه من الأسرى فكان موقفاً إنسانياً بحيث أشار على الرسول (صلى الله عليه وسلم)  بألا يقتلهم وبأنهم أبناء العمومة. وأن يأخذ منهم الفدية حتى يعلمهم سماحة الإسلام لكي يعتنقوه.

ولقد كانت له أدوار مختلفة عظيمة في جميع غزوات الحبيب المصطفى محمد (صلى الله عليه وسلم) .

في هذا الفصل يبين د. أحمد الرفاعي، كيف أن أبا بكر الصديق (رضي الله عنه) كان أول أمير للحج وذلك في سنة تسع للهجرة، فقد أناب الحبيب المصطفى محمد (صلى الله عليه وسلم)  كلاً من أبي بكر الصديق (رضي الله عنه)  أميراً للحج، والإمام علي (كرم الله وجهه) مبلغاً عنه المشركين (سورة براءة).


الفصل الخامس

يقول الباحث د. الرفاعي في بداية هذا الفصل الذي يحمل عنوان «وفاة الحبيب المصطفى (صلى الله عليه وسلم): «سأسترسل كثيراً في موضوع وفاة الحبيب المصطفى محمد (صلى الله عليه وسلم)  ودور أبي بكر الصديق (رضي الله عنه) أثناء وبعد الوفاة، ويرجع سبب ذلك لوقوع عدد من الحوادث المهمة والحرجة، استدل - برأيي المتواضع - البعض بها على أشياء، والبعض الآخر رأي فيها النقيض. ولكي استطيع ان اوضح للقارئ الكريم بعضاً من تلك الأمور، فسوف أقسم هذا الفصل إلى جزأين يكمل أحدهما الآخر، ثم سأشرح شرحاً وافياً، إن استطعت، تلك الحوادث والأمور.

ومن أهم ما يضم القسم الأول، بداية مرض الحبيب المصطفى محمد (صلى الله عليه وسلم) ، والروايات حول وفاته (يرحمه الله).

كما يضم تكليف الرسول (صلى الله عليه وسلم)  بإمامة أبي بكر الصديق (رضي الله عنه) للمسلمين أثناء مرضه. ثم دور أبي بكر الصديق (رضي الله عنه) في تهدئة المسلمين وتقبلهم للحقيقة والأمر الواقع وأمور أخرى حول هذا الموضوع.

أما القسم الثاني فقد عرف فيه د. الرفاعي، الخليفة والخلافة والبيعة، حسب الروايات التي تحدثت عن هذه الأمور المهمة، ثم استند على الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة الدالة على خلافة أبي بكر (رضي الله عنه). كما تطرق إلى مواضيع أخرى في هذا القسم منها، سؤاله: (لماذا لم يعين أو يسمي الحبيب المصطفى محمد (صلى الله عليه وسلم)  أحداً لخلافته؟). كما تحدث عن بيعة الصحابة وخطبة أبي بكر الصديق (رضي الله عنه)، والخلاف على ارض فدك.

يقول د. الرفاعي في الخلاصة لهذا الفصل: (يتبين مما سبق ان الحبيب المصطفى محمد (صلى الله عليه وسلم)  لم يُصِ لأحد من بعده بالخلافة إنما كان يوصي بإقامة الصلاة وإمامة أبي بكر الصديق (رضي الله عنه) ليؤم الناس).

وبعد ان استعرض الباحث الروايات التاريخية بهذا الخصوص، جاء تعليقه بقوله: «بناء على ما تقدم، فإن هناك الكثير من الشواهد والأدلة التي تثبت أهلية وخلافة أبي بكر الصديق (رضي الله عنه)، سواء من الروايات التي ذكرناها أو والأهم من ذلك قول الله تعالى في كتابه الكريم: «الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلواة وءاتوا الزكواة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور (الحج الآية 41). وهي من الآيات المستقبلية التي بشرت بتلك الخلافة لأبي بكر الصديق (رضي الله عنه).


الفصل السادس

يختص هذا الفصل بأعمال الخليفة أبي بكر الصديق (رضي الله عنه) فيقول د. سيد أحمد الرفاعي: (بالرغم من قصر مدة خلافة خليفة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، أبي بكر الصديق (رضي الله عنه) الا ان عهده كان حافلاً بالأحداث الخطيرة والمهمة والتي كان من الممكن ان تهدم الدولة الإسلامية الفتية في بداية عهدها. وكان أمام الخليفة أبي بكر الصديق (رضي الله عنه) أمور كثيرة من أهمها حماية الدين من التمزق والتشقق وأقصد تجزئته عندما رفض البعض دفع الزكاة وبإلغائها، والثانية حروب الردة بشتى أنواعها، والثالثة حروب المتنبئين والكذابين، والرابعة اهتمامه بالفتوحات الإسلامية).

ومن الأعمال المهمة التي ذكرها الباحث، تسيير جيش الصحابي الجليل اسامة بن زيد، الذي عقد لواده الحبيب المصطفى محمد (صلى الله عليه وسلم)  قبل وفاته.

وبعد ان نورنا د. الرفاعي بصفحات ثرية مكثفة عن حروب الردة بشتى أنواعها... يقول بتعليقه على تلك الحروب: (وهكذا انتهت حروب الردة التي ارادها الله عز وجل ان تنتهي بفضل قوة وشجاعة خليفة رسول الله (صلى الله عليه وسلم)  أبي بكر الصديق (رضي الله عنه) وما كان لأبي بكر الصديق (رضي الله عنه) ان يفعل هذا كله لولا ان وفقه الله تعالى برجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وكان على رأس هؤلاء صحابة الحبيب المصطفى محمد (صلى الله عليه وسلم)  ومن ضمنهم القائد المغوار خالد بن الوليد (رضي الله عنه) سيف الله المسلول. السيف الذي أسله الله عز وجل من خلال حبيبه وصفيه محمد (صلى الله عليه وسلم)  على الكفار والمشركين بقوله: «أنت سيف الله سله الله على المشركين»).

بعد ذلك بين لنا د. الرفاعي. كيف ان الخليفة أبا بكر الصديق (رضي الله عنه) ألهمه الله تعالى ضرورة تكملة مشوار الحبيب المصطفى محمد (صلى الله عليه وسلم)، وذلك بنشر الإسلام في البلاد المحيطة وخاصة العربية منها والتي استعمرتها، امبرطوريتا الفرس والروم. وبعد التشاور مع كبار الصحابة، «رضوان الله عليهم» بدأت مسيرة الفتوحات الإسلامية في كل من بلاد العراق والتي تقع ضمن الامبراطورية الفارسية والشام والتي تقع ضمن الامبراطورية الرومانية.


الفصل السابع

يتحدث د. الرفاعي في هذا الفصل عن وفاة الخليفة أبي بكر الصديق (رضي الله عنه). حيث يذكر لنا روايتين عن أسباب وفاته، يقول: (لقد اختلف في وفاة أبي بكر (رضي الله عنه) فقيل سببها ان اليهودية سمته في أرز، وقيل في حسو فأكل هو والحارث بن كلدة فقال الحارث أكلنا طعاماً مسموماً سم سنة، فماتا بعد سنة). هذه كانت الرواية الأولى.

أما الرواية الثانية. فيقول الباحث: (قالوا: كان أول بدء مرض أبي بكر، أنه اغتسل يوم الاثنين لسبع خلون من جمادى الآخرة، وكان يوماً بارداً، فحم خمسة عشر يوماً، لا يخرج إلى صلاة، وكان يأمر عمر بن الخطاب يصلي بالناس، ويدخل الناس عليه يعودونه، وهو يثقل كل يوم، وهو نازل يومئذ في داره التي قطع له النبي (صلى الله عليه وسلم)  وجاه دار عثمان بن عفان اليوم، وكان عثمان ألزمهم له في مرضه).

قال أبوسفر: (دخلوا  على أبي بكر في مرضه، فقالوا: يا خليفة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ألا ندعو لك طبيبا ينظر إليك؟ قال: قد نظر إليّ، قالوا: ما قال لك؟ قال: (إني فعال لما أريد).

وبعد ان تحدث الباحث في هذا الفصل عن وفاة الخليفة أبي بكر الصديق (رضي الله عنه)، أفاض في الحديث عن استخلاف أبي بكر الصديق (رضي الله عنه) لعمر بن الخطاب (رضي الله عنه)، كما أجاب عن سؤال يتبادر الى الأذهان وهو: لماذا الفاروق عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) من  استقر عليه رأي أبي بكر الصديق (رضي الله عنه) دون غيره؟

أما  وصية أبي بكر الصديق للفاروق عمر بن الخطاب «رضي الله عنهما»، فهذا مقتطف صغير منها (بسم الله الرحمن الرحيم... هذا عهد من أبي بكر الصديق، عند آخر عهده بالدنيا، خارجا منه، وأول عهده  بالآخرة، داخلا فيها، حيث يؤمن  الكافر، ويتقي الفاجر، ويصدق الكاذب إني استخلفت من بعدي عمر بن الخطاب. فان عدل فذلك ظني فيه، وان جار وبدل فالخير أردت، ولا أعلم الغيب (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) «الشعراء الآية 227).

ويحتوي هذا الفصل على كلمات الرثاء التي قيلت فيه ومنها رثاء الامام علي «كرم الله وجهه» ورثاء أم المؤمنين السيدة عائشة «رضي الله عنها»، كما يحتوي على نماذج من دعائه.

وفي ختام الفصل كان هناك أجمل ما قيل في ثناء الخليفة أبي بكر الصديق «رضي الله عنه» وهو ثناء الامام جعفر الصادق (رضي الله عنه)... يقول: (عن المفضل بن عمر عن أبيه عن جده قال سئل جعفر  الصادق عن الصحابة ومن ضمنهم الخليفة أبوبكر الصدق (رضي الله عنه) فقال: ان أبا بكر صديق مليء قلبه بمشاهدة الربوبية وكان لا يشهد مع الله غيره فمن أجل  ذلك  كان أكثر كلامه لا إله إلا الله).


خاتمة الكتاب

يقول د. سيد احمد الرفاعي في خاتمة الكتاب: (لا نعلم رجلا أخذ مثل هذا المقام وكافح مع نبي آمن به واتبعه اتباع الفصيل لأمه كالخليفة الراشد أبي بكر الصديق (رضي الله عنه) لا يوجد رجل بعد النبيين يقارن بأبي بكر الصديق (رضي الله عنه)، وقد يقول قائل: كيف؟ لقد كان لكل نبي من الحواريين والأنصار من التزموا به واتبعوا تعاليمه وساروا على نهجه، وانا اقول: سموا لي واحدا عمل عمل أبي بكر الصديق (رضي الله عنه) بهذا  الاخلاص وهذا الوفاء، وبهذا الالتزام مع أي نبي من أنبياء الله الصالحين).


رأي وأهمية

اتمنى ان أكون قد وفقت بتلك الومضات والفلاشات البسيطة، عن محتويات هذا الكتاب القيم الثري بمعلوماته، ورواياته ودقة تعليماته وآراء الباحث، الذي لا يمكن ان نعطيه حقه بهذه الوريقات القليلة، لكننا  على الأقل حاولنا ان نبرز بعض النقاط والامور الواردة بين دفتيه والتي تشكل أهميته وخصوصيته.

يتميز الكتاب، بأن الباحث د. سيد أحمد الرفاعي، قد انطلق من منهجية علمية، ساعدته على الحيادية والموضوعية، لتؤكد نزاهته وصدقه في طرح الحقائق التي توصل اليها في هذا البحث، وتعينه على ابداء رأيه حولها بأمانة وشجاعة... وبالتالي استطاع ان يهدي القارئ والمهتم، نتائج عملية صحيحة منطقية، موثقة ومحققة وتاريخية... وهذا ما يميز جميع كتاباته السابقة ذات  المنفعة العامة التي يتطلع اليها الباحث.

لقد أجاد د. الرفاعي في البعد الموضوعي لمحتويات الكتاب، كما أجاد في البعد الشكلي للكتاب، فجاء متسلسلا بأحداثه التاريخية، واضحا  ومنتظما ومفهوما، مزودا بالمراجع والمصادر والهوامش التوضيحية، كما انه ملحق بخرائط ملونة مفيدة للقارئ، وملاحق أخرى، لا  تقل أهمية عن موضوعات الكتاب نفسها، بل تثريها وتدعمها.

وبذلك يكون د. الرفاعي، قد قدم لنا دراسة وافية، كافية، جدية، تتميز بخاصية الشمولية، كان الهدف الأول منها، تصفية  وتنقية، بعض الشوائب التي قد علقت ببعض الدراسات والكتب التي كانت أسيرة للعواطف والأهواء،  حيث ابتعدت في طرحها للمادة العلمية والتاريخية والتحليلية، عن الموضوعية والحيادية.

الكتاب، جهد مبارك، به من الخير الكثير لأمة الاسلام  ولكل دارس وباحث ومهتم بهذا الشأن... وثمرة طيبة من ثمار السلف الصالح الذي نعتز بهم كخير مثال، له دلالة واضحة وثابتة على سماحة وبساطة وخلق الاسلام.

الكتاب، أثرى المكتبة الكويتية والعربية في هذا الجانب المطلوب تحقيقه واثباته والاكثار  من الكتابة حوله... وهو جدير بالقراءة والاقتناء... نتمنى على الجهات المعنية مثل مكتبات وزارة التربية وجامعة الكويت والجامعات الخاصة، اقتناءه، لما له من أهمية واستفادة علمية... نتمنى. جاء الكتاب بلغة سلسة، سليمة، بسيطة، وأسلوب راق بعيد عن التعقيد... واضح ومفهوم.

يقع الكتاب في (655) صفحة من القطع  الكبير، وطباعة فاخرة، وغلاف مزخرف سميك... صدر بطبعته الأولى عام 2007 دمشق.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي