إشراقات من الحكم / الزهد الحقيقي

تصغير
تكبير
| بقلم - علي يوسف السند |

اغلب الناس يستدل على الزهد بظاهر الاحوال، فيظن ان الزهد في ترك الاموال، واللباس الخشن، واظهار الاعراض عن جميع متع الدنيا، وربما دخل قلبه - وحالته كذلك - الاستئناس بمدح الناس له ونظرهم اليه.

ومع صعوبة تحديد حال الزاهد، الا ان ابن عطاء الله يحاول ان يحدد بعض المعالم التي تقرب الانسان من الزهد الحقيقي لا الشكلي فيقول: «ليقل ما تفرح به يقل ما تحزن عليه» فلا يفرح الانسان بالموجود ولا يحزن علىالمفقود، كما قال تعالى «لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم» فمن علامة تمكن الدنيا وما فيها من قلب الانسان انه يحزن على ما فاته منها، اما ان لم تكن كذلك فلا يضره بقيت في يده الدنيا ام ذهبت، فحزن الانسان على ما فاته يكون بقدر تمكن الدنيا من قلبه وقد قيل: «الحزن بالفقدان على قدر الفرح بالوجدان».

على قدر ما أولعت بالشيء حزنه*** ويصعب نزع السهم مهما تمكنا

لان حب الشيء متى ما استحكم في القلب واقبل عليه بكليته اصبح الانسان عبدا له، فيكون على استعداد للتضحية بالامور العظام لأجله، لذلك قال ابن عطاء الله «انت حر مما انت عنه آيس، وعبدلما انت له طامع»، اما اذا اخرج الدنيا من قلبه وجعلها في يديه فعند ذلك يكون قد حاز الحرية الحقيقية، التي تعتقه من ربقة الاكوان.


العبد حرّ ما قنع*** والحر عبد إن قنع

فاقنع ولا تطمع فما *** شيء يشين سوى الطمع

ثم يضرب ابن عطاء الله مثالا لما يفرح الانسان وجوده، وهو توليته على منصب يرفع ذكره وجاهه بين الناس، فيقول: «اذا اردت ألا تعزل، فلا تتول ولاية لا تدوم لك «فإذا شعر العاقل ان حب المنصب سيتمكن من قلبه، بحيث اذا عزل عنه فانه سيحزن عليه فلا ينبغي له ان يتولاه ابتداء.

من سره ان لايرى ما يسوؤه*** فلا يتخذ شيئا يخاف له فقدا

فإن صلاح المرء يرجع كله*** فسادا اذا الانسان جاز له الحدا

لذلك كان درء مفسدة الحزن مقدما على جلب مصلحة الفرح الذي لايدوم، وحتى اذا قبل الانسان بمنصب او ولاية فإن عليه ان يقبل عليها دون تعلق نفسه بها، وعلامة ذلك ثلاثة أمور:

-1 ان يكون القبول لها بسبب فقدان الرجل الصادق الذي يعطي المكان حقه.

-2 ان يكون الحذر والاشفاق على النفس منها مصاحبا له على الدوام.

-3 ان يكون الخروج من تلك الولاية احب اليه من البقاء فيها.

ولذلك كان «من تمام النعمة عليك ان يرزقك ما يكفيك، ويمنعك ما يطغيك».


 

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي