وقفات مع الأدب والأديب الإسلامي (7)


إذا أردنا تعريف الأدب الإسلامي سنجد أنفسنا أمام أكثر من تعريف فهناك من يراه «التعبير الفني الهادف الصادر من أي جنس أدبي عن أديب مسلم تمثل التصور الإسلامي للموضوع حين انشائه».
هذا التعريف للشاعرة المكية إنصاف بخارى، أما الدكتور ابراهيم بن عبدالعزيز الدعيلج فله تعريف أكثر تفصيلاً، يقول: هو التعبير الفني الهادف عن واقع الحياة والكون والإنسان على وجدان الأديب، تعبيراً ينبع من التصور الإسلامي للخالق - عز وجل - ومخلوقاته، وهو - الأدب الإسلامي - أدب هادف، لا يكتفي بجمال التعبير وابداع التصوير، إنما يشترط فيه ان يكون ممتعاً نافعاً، فهو يشمل الإنسان والحياة بكل مافيها، وهو ليس مقصوراً على الموضوعات الدينية فحسب، بل يشمل جميع المجالات، ويعالج جميع قضاياه، وهو يلبي حاجات النفوس المؤمنة إلى أديب نظيف يغذي ايمانها ويزكي فطرها».
مفهوم الأدب الإسلامي عند الطنطاوي
وهناك مفهوم آخر للأدب الإسلامي بينه الأديب الشهير علي الطنطاوي قائلاً:
«لايزال في الناس من يختلط عليه امر تعريف الأدب الإسلامي، ويدخل فيه كتابات إسلامية ليست ادباً، وكتابات أدبية ليست موافقة للإسلام، والذي أفهمه انا بذهني الكليل وفهمي القليل ان الأدب الإسلامي هو ما كان أدباً مستكملاً شرائطه جامعاً عناصره، وسواء في ذلك أكان ذلك قصيدة ان كان قصة، أم كان مسرحية ام كان رواية، فالشرط فيها ان تكون بالميزان الأدبي راجحة لا مرجوحة، وأن يكون الأثر الذي تتركه في نفس قارئها إذا انتهى منها مرغباً له في الإسلام، دافعاً له إلى الاقتراب منه، لا ان تكون بحثاً فقهياً، ولا تاريخياً، ولا شرح حديث، ولا تفسير آية، فهذا كله ليس أدباً، وإن كان شيئاً اغلى وأثمن وأعلى من الأدب».
هل يعتبر الأدب المتفق والتصور الإسلامي أدباً إسلامياً؟
الأدب المتفق والتصور الإسلامي هو أدب موافق ويمكن ان نطلق عليه هذا المسمى، لأن من المقرر ان المرء لا يصدر فيما يقول ويفعل الا عن عقيدة يؤمن بها، فالدين هو المحرك لعواطف الأديب، وهو الموجه لأغراضه والمسيطر على فكره وتوجهاته، والإسلام هو دين الفطرة، لا يندعنها ولا يشذ...، والإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل، دون اختلال او اعتلال، وبالتالي فهو ارتباط مقدس غداً - بفضل العقيدة - عملاً صالحاً في دنيا الناس والعلم، فإن التصور الصحيح للكون والإنسان والحياة، والاعتقاد السليم في الله والأنبياء والملائكة والرسل والكتب السماوية لا يكون الا في الإسلام دون تحيز او تضييق ومن ثم فالأدب الإسلامي هو نتاج الأديب المسلم، وما سواه أدب موافق او مشترك او قريب او صحيح او أي مسمى آخر، فنحن لا نحتكر الحقيقة والصواب لحسابنا، إنما هي ملك لكل من تبناها بشروطها.
معنى مقولات تدعو إلى فصل الأدب عن العقيدة
أما بعض المقولات - المنسوبة إلى بعض السلف - التي تدعو إلى فصل الأدب وعزله عن الدين والعقيدة، كمقولة القاضي الجرجاني: «إن الدين يجب ان يكون بمعزل عن الشعر»، ومقولة الأصمعي التي انساق وراءها ابن قتيبة وغيره حيث يقول: «الشعر نكد بابه شر، فإذا دخل في الخير ضعف»، هذه المقولات تحتاج إلى اعادة النظر فيها.
فقول القاضي الجرجاني جاء تعليقاً على اسراف بعض النقاد في الحكم على الشعراء من خلال فهمهم الخاص للدين، ففي القرن الرابع الهجري واجه بعض النقاد المتنبي، وعابوا عليه مبالغاته التي تتكئ على مفهومات عقدية، وقد أسرف هؤلاء النقاد في مهاجمته حتى اسقطوا شعره عامة، ونفوا عنه الشاعرية، ولا شك ان هذا الأمر قد احنق القاضي الجرجاني ودفعه إلى كتابة ما كتب.
وهذه المقولة بمعناها الذي اشرنا اليه تنسجم مع التصور الإسلامي، فالاشادة بالتجربة الأدبية لمجرد أنها احتوت على مضامين إسلامية، على الرغم من خلوها من مقومات الفن الجيد، أمر يتنافى مع واقعية الإسلام ومنطقه في التحلي بالموضوعية كما ان الغض من شأن شاعر كبير كالمتنبي وأخذه بالشبهات امر يتنافى مع الموضوعية التي أرسى الإسلام دعائمها.
وعلى هذا... فلا يصح الفصل بين الأدب والدين في الفكر الإسلامي، بل يجب ان يلتحم الأدب بالدين، ولا تعارض مطلقاً بين القول الجميل الرائق والأدب الجميل وبين القيم والآداب التي يدعو اليها الإسلام.
لقد قدر الإسلام الكلمة: خاصة الكلمة الشاعرة المسؤولة التي تسهم في تهذيب الذوق وبناء المجتمع بناء سليماً.
قال تعالي: (ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء، تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون) «سورة ابراهيم».
وعلى ذلك يجب على الأدباء ان يراعوا خطورة الكلمة وأثرها في النفوس، فلا يضمنوا أعمالهم ما يتنافي مع توجيهات القرآن الكريم والسنة، خاصة في مجال العقيدة الإسلامية حتى تؤتي كتاباتهم ثمرتها المرجوة بإذن الله تعالي، وليس هناك تعارض أبداً بين حرية الأديب وبين العقيدة الإسلامية، بل العكس من ذلك نجد العقيدة تمد الأديب بالتصورات والأفكار الكافية التي تفسر له سر وجوده، وحقيقة الحياة والكون وما بعد الحياة.
موقف الأدب الإسلامي من المذاهب الأدبية
الأدب الإسلامي لا يرفض المذاهب الأدبية الاخرى بالجملة، بل يتعامل معها بانفتاح ولذلك يقبل بعض الأشياء، إذا وجدها غير هادفة لهدم القيم والأخلاقيات، ولهذا يتلقى ما يسمى بـ: «شعر التفعيلة»، وما يسمى بـ: «الشعر المنثور»، لكننا لم نقبل بعض الأشياء من الرومانسية رغم أنها تلتقي معنا في كثير من الأشياء، ولدينا شيء من الواقعية لكنها ليست الواقعية الاشتراكية، او الليبرالية الموجودة الآن، والتي تحاول التركيز على الغرائز الإنسانية، او نستفيد من جميع هذه الأجناس الأدبية فلا نرفضها بالجملة، لكننا نرفض فلسفتها التي قامت عليها.
فإذا قالت الواقعية إن الإنسان حيوان، وإننا يجب ان نصور لحظات السقوط ونضخمها، ونجري عليها عمليات التجميل والتزيين، وأن نقدمها على انها نفق الحياة، فإننا نرفض الواقعية، لكن ان كانت الواقعية تريد ان تنقل حياة الإنسان الفقير المكافح والطالب المكافح فأهلاً بها.
فالأدب الإسلامي لا يرفض من الواقعية الا ما قام على فلسفة الحادية، وهذا يكون موجوداً في المذاهب النقدية والحديثة خاصة، والتي تريد الغاء الثوابت، فكل من يريد الغاء الثوابت فهو يريد الغاء الأديان وعلاقة الإنسان بخالقه، بل الغاء انسانية الإنسان، فالإنسان يقوم على هذه الثوابت، فلا بد من احترام الماضي فلا نسمح لأحد بالغاء الهوية والعقيدة والتاريخ والدين والانتماء واللغة، وأن يجعلها شيئاً مزيفاً، يلعب به كما يشاء.. كما نرفض الشيوعية والحداثة، لأن هذا عبث وفوضى، فالأدباء المسلمون يحترمون كل إنسان اعتز بالصدق الأدبي، والفني، والتاريخي، والديني، ومن ثم يقبل منه ما يقبل، ويرفض ما يرفض، لكن الحداثيين يريدون الغاء العقل والتاريخ والحضارة واللغات، واحداث فوضى إنسانية لا تخدم الا الصهيونية حقيقة، والتي تريد تحويل البشر إلى حيوانات وببغاوات ثم بعد ذلك توجههم لأهدافهم فالشيوعية والحداثة يلتقيان في النهاية لخدمة الصهيونية.