إنها معركة القرار الرقم 1559. معركة اتفاق الطائف الذي لا فارق بينه وبين القرار 1559. ولذلك يقف «حزب الله» ضد انتخاب رئيس جديد للجمهورية يؤمن باتفاق الطائف وبتنفيذ القرارات الدولية. لو لم يكن الأمر كذلك لما كان هذا الإصرار المقرون بالتهديدات المبطنة لدى الحزب وأدواته المستأجرة على اعتبار انتخابات الرئاسة اللبنانية مرتبطة ارتباطاً عضوياً بالقرار المذكور. لماذا المطلوب، من وجهة نظر الحزب، الإتيان برئيس جديد للجمهورية يرفض القرار الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي ينزع صفة الشرعية عن الرئيس إميل لحود من منطلق أن ولايته ممدة تحت التهديد الذي مارسه نظام الوصاية السوري؟ لماذا الرفض لقرار يمهد لأن يكون لبنان دولة مثل بقية دول العالم المتحضر، دولة خالية من الميليشيات، تمارس فيها القوى التابعة للشرعية والتي في أمرتها سلطتها على كل التراب الوطني؟
الجواب بكل بساطة أن الحزب يعتبر القرار 1559 تعبيراً عن إرادة دولية ترفض أن يكون لبنان «ساحة» أو امتداداً للمحور الإيراني ـ السوري، مجرد «ساحة» يستخدمها المحور لتحسين شروط التفاوض مع «الشيطان الأكبر» الأميركي و«الشيطان الأصغر» الإسرائيلي. يسعى هذا المحور إلى تحسين شروط التفاوض مع أميركا وإسرائيل على حساب لبنان واللبنانيين والعرب الشرفاء الرافضين للأحزاب المذهبية والطرح المذهبي والسلاح المذهبي الذي لا يخدم سوى الدولة اليهودية. يريد «حزب الله» الذي لا يؤمن بلبنان، بل يؤمن باستخدام لبنان لأغراض مرتبطة بأجندته الإيرانية والسورية تحويل البلد إلى مجرد أداة على طريقة ما فعله بالجنرال ميشال عون الذي كان يعتبر نفسه أب القرار 1559 في العام 2004، فإذا به يتحول في العام 2007 إلى وسيلة تستخدم للحؤول دون تنفيذ القرار تنفيذاً كاملاً. لا يدرك حضرة النائب، الذي دفع اللبنانيون عموماً والمسيحيون خصوصاً غالياً ثمن سياساته منذ استيلائه على قصر بعبدا في العام 1988 من القرن الماضي ورفضه الخروج منه، أنه لا يمكن أن يكون المرء مع القرار 1559 وضدّه في الوقت ذاته. من يفعل ذلك رجل مريض. وربما كان العميد كارلوس إده الرجل النزيه المتعالي على الصغار والصغائر أفضل من وصف الجنرال برتبة مهرج، عفواً المهرج برتبة جنرال، وصفاً واقعياً في مقاله الأخير قبل أيام. قال كارلوس إده بعدما استشهد بقول عون أمام لجنة من لجان الكونغرس: «بعد الانسحاب السوري المتوقع، من المؤكد أن السوريين سيتركون وراءهم أدوات عدة من الإرهاب والتدمير كما ومنظماتهم شبه العسكرية والمخابراتية». إن لدى الرجل قناعتين. وأوضح أن الأولى «قناعة راسخة لدى الجنرل بأن مصلحة لبنان لا تتحقق إلاّ من خلال نجاحه الشخصي. أما الثابتة الثانية، فهي خطابه العنيف والحاقد على كل من يحاول اعتراض طريقه للوصول إلى الحكم أو من يلقي بالظلال على سعيه الدؤوب إلى السلطة المطلقة».
ولكن أبعد من «حزب الله» الذي يعتبر رأس حربة للمحور الإيراني ـ السوري في لبنان ولأدوات الأدوات المستخدمة في عملية القضاء على مشروع الإنماء والأعمار عن طريق الاعتصام الذي ينفّذ في وسط بيروت والذي يستهدف الاعتداء على الأملاك العامة والخاصة ليس إلاّ، لا يمكن إلا العودة إلى الماضي القريب. ثمة حاجة إلى مثل هذه العودة للتأكد من أن النظام السوري لا يزال عند موقفه الأصلي الرافض لاتفاق الطائف. ربما يحق له ذلك نظراً إلى أنه يرفض فكرة لبنان المستقل المزدهر السيد العربي الديموقراطي. إنه نظام فاجر يريد إعطاء شهادات في الوطنية للبنانيين. النظام السوري الذي لم يطلق رصاصة واحدة من الجولان منذ العام 1974 يريد توزيع شهادات في الوطنية على الذين يرفضون أن يكون لبنان «ساحة» للصراعات والنزاعات المذهبية التي لا تصب سوى في خدمة إسرائيل.
لدى التمعن جيداً في من وقف مع الطائف ومن وقف ضده، نجد أن النظام السوري سعى منذ البداية إلى التخلص من الطائف. كان اغتيال الرئيس الشهيد رينيه معوض في العام 1989 خطوة أولى على طريق التخلص من الطائف الذي يرفض وجود ميليشيات في لبنان ويضع جدولاً للانسحاب السوري منه. ولعب ميشال عون منذ البداية الدور المرسوم له سورية، من حيث يدري أو لا يدري، من أجل التخلص من رينيه معوض عن طريق منعه بالقوة من الوصول إلى قصر بعبدا وجعله هدفاً سهلاً للاغتيال في منطقة يسيطر عليها الأمن السوري سيطرة كاملة. في هذه الأيام، تستكمل الأداة السورية، التي اسمها ميشال عون، مهمتها عن طريق تحولها إلى أداة لدى الأدوات. أما «حزب الله»، فقد وقف منذ البداية في وجه الطائف ولم يقبل يوماً بالرؤية اللبنانية للاتفاق. على العكس من ذلك، التزم دائماً الرؤية السورية للطائف التي تدعو إلى توظيف الاتفاق في خدمة «لبنان الساحة» بفتح جبهة الجنوب بدلاً من جبهة الجولان...وذلك كي ينزف الجنوب وأهل الجنوب وكي يستنزفوا.
في النهاية، لم يكن القرار الرقم 1559 سوى وسيلة اعتمدها المجتمع الدولي لتنفيذ الطائف بعدما تأخر ذلك سنوات. ولذلك يقف ضده كل الذين اعترضوا منذ البداية على الاتفاق الذي أوقف الحرب في لبنان. ومن هذا المنطلق، ليس مستغرباً أن تضم الجبهة التي تطالب برئيس يرفض القرار 1559، وبالتالي اتفاق الطائف، أطرافاً مثل النظام السوري و«حزب الله» وميشال عون الذي نسي فجأة أنه كان يدّعي أبوة القرار 1559 الذي حاول اللبنانيون والعرب الشرفاء على رأسهم سعد الحريري وأمين الجميل ووليد جنبلاط التخفيف من وقعه بما يتلاءم مع متطلبات السلم الأهلي في البلد.
إنها معركة القرار 1559 ومعركة الطائف في الوقت ذاته. معركة أن يكون لبنان أو لا يكون عبر انتخاب رئيس للجمهورية يكون لبنانياً، وليس مجرد موظف لدى بشار الأسد ومن هم دونه...
كاتب وصحافي لبناني مقيم في لندن