وقفات مع الأدب والأديب الاسلامي (6)

تصغير
تكبير

ينشأ سؤال: ما دام الادب الاسلامي  ليس أمرا  جديدا، فلماذا لم يرد هذا المصطلح في التراث؟ والجواب ان الاسلام كان دائما هو الآمر الناهي، وكان المرجعية الفكرية للامة، ومن خرج على قيمه من الشعراء عد خروجه استهتارا وعبثا، وربما «تملحا» عند قوم، ولكنه لم يكن أبدا خروجا فلسفيا  أيديولوجيا ممنهجا، كما  يحصل الآن في كثير من الأدب العربي الحديث، الذي اصبح الانحراف العقدي والتجرؤ على الاسلام  والأديان جميعها بل على الذات الالهية نفسها، وعلى الأخلاق والقيم  واللغة  العربية وجميع الثوابت، من السمات التي لا تخطئها  عين  باحث يهمه  ذلك. ومن العيب ان يقال ان مصطلح «الأدب الاسلامي» «مضحكة» وعندئذ فان جميع المصطلحات الحديثة التي لم تكن متداولة - لغويا - من قبل من مثل: «الاقتصاد الاسلامي» و«علم الاجتماع الاسلامي» و«علم النفس الاسلامي» وما شاكل ذلك، هي - على القياس - «مضحكة»!


ان الأدب الاسلامي مصطلح حديث لمفهوم فكري اصيل متجذر - ابداعا ونقدا - في أدبنا العربي منذ مجيء الاسلام حتى الآن، وكونه لم يستعمل بهذا: «التعبير اللفظي» ليس حجة لا عقلية ولا شرعية على انه مبتدع، ولو احتكمنا الى ذلك لكان ينبغي الكف عن ايراد مئات المسميات والمصطلحات التي لم يستعملها من كان قبلنا، ثم ان المذاهب الادبية النقدية التي ربطت الادب بفلسفة او عقيدة او ايديولوجيا لا حصر لها، ولم نسمع يوما ان قيامة احد من النقاد قامت احتجاجا على ذلك، كما تقوم اليوم قيامة بعض النقاد عند الدعوة - ونحن أمة الاسلام - لربط الأدب بالدين والأخلاق. لماذا أهو جهل أم تجاهل، أم سوء نية، أم خوف من عصا الحداثيين المسلطة على ظهر من يريد الخروج بالادب عن جادة العبث، ام هو من باب «ادعاء العصرنة» التي زين لقوم انها لا تقوم الا على النيل من عقيدة الأمة وثوابتها.


بل المصطلح قائم منذ مجيء الإسلام


بل يزعم الاديب وليد قصاب ان مصطلح «الأدب الاسلامي» لم يخترع حديثا بل هو قائم وموجود، ولد مع نزول القرآن الكريم، فقد قسم الشعراء الى قسمين: شعراء مؤمنون، وآخرون: غاوون، والكلمة الى كلمتين: كلمة طيبة وكلمة خبيثة، وان الادب الاسلامي يعبر عن عقيدة الأمة وذاكرتها وذوقها الفني واللغوي فلماذا الاعتراض على التسمية.


الحاجة إلى طرح «الأدب الاسلامي» لهذا المسمى الصريح


والسؤال الذي يطرح نفسه هو ما الحاجة إلى طرح «الأدب الاسلامي» بهذا المسمى الصريح؟ فيجيب عنه الدكتور عبدالقدوس ابوصالح قائلا: نعم! هناك ضرورات عدة، تتمثل أولاها في ضرورة مواجهة محاولات الغزو الفكري والثقافي من جانب الماديين والعلمانيين للثقافة الاسلامية والأدب الاسلامي، والوقوف بقوة وحسم في وجه هذه المحاولات.


وتتمثل ثانيتها: في ضرورة تواصل الأدب الاسلامي، وربط عصوره الماضية الزاهرة بعصرنا الحاضر المتأزم.


والثالثة: تتمثل في ضرورة الاهتمام بآداب الجمهوريات الاسلامية المستقلة حديثا في آسيا الوسطى، ومحاولة ربطها بآداب دينها وأمتها بعد طول فراق، والعمل على تناغمها مع سائر آداب اللغات الاسلامية الأخرى.


واما الرابعة: فهو العمل الجاد على التوصل الى اجابات شافية وردود وافية على كل من تقوّل أو أشاع شيئا بغير  حق على الأدب الإسلامي، أو جهل بمفهومه وأدبيته وموقعه من الثقافة الإسلامية وموقفه من النظريات الأدبية والتيارات الفكرية المعاصرة، القادمة إلينا من الشرق والغرب من المستشرقين والمستغربين على السواء.


 


الالتزام لا  يقيد حركة الأديب


من  الشبهات المثارة ضد «إسلامية  الأدب» ان  الالتزام  يقيد حركة الاديب، فهذا الاعتراض هو الآخر ليس بصحيح، لانه  ليس في أخلاقية  الأدب الاسلامي ما يقيد حركة الأدباء، ولاما يعوق انطلاقهم، ولا ما يكبل خيالهم.


وإذا كان  الاسلام لم يكره شاعرا أو أديبا على ان  يكون ملتزما بالحق او بالخير  فما ينبغي أن نصادر حق الاسلام في ان  يقبل ويرفض ويستحسن ويستقبح خاصة ان الاسلام دين  ونظام حياة يعنيه ان  يتحقق الانسجام بين كل مناحي النشاط الانساني. وليس في هذا مصادرة  لحرية الشاعر والأديب كما يشاع، فالاسلام لا يقول للشاعر: اكتب في موضوع  كذا، وقل فيه كذا وكذا،  ولا  تكتب في موضوع كذا، ولكن  للمبدع مطلق الحرية في أن يتناول ما  يشاء من الجزئيات في النفس والحياة والكون  والطبيعة  ثم بعد  ذلك قد يستقبح كلامه، وقد يستحسن دون ان  يكون  هناك حساب أو عقاب.


فعمر بن الخطاب سجن الحطيئة، ولكن هذا لم  يكن عقوبة على الشعر، وانما كان حماية  لاعراض المسلمين  وحرماتهم، فالمعروف ان عمر خليفة للمسلمين، وكان  فعله هذا  حماية لأعراضهم  من هجاء الحطيئة، ولم  يسجنه الا بعد ان تلمس له المخارج التي تحميه من الادانة! وكذلك كان عمر بن عبدالعزيز يحمي نساء المسلمين من  لسان  الأحوص وابن ابي ربيعة... على ان هذه  الحوادث لم تكن  كثيرة في تاريخ الاسلام برغم قلة  الالتزام من  الشعراء، بل ان الشعراء كانوا يجدون من يدافع عنهم، اذا  لمح البعض في شعرهم  ما يخالف عقيدة أو يصادم خلقا.


المهم  اننا  نؤكد ان الالتزام ليس نقيضا للحرية، والرقابة الموجودة الآن في كل المجتمعات - تقريبا - ليست قيدا على الحرية، وليست حجرا على الابداع، فالحرية والالتزام امران مؤتلفان، وليسا نقيضين متنافرين، والحرية المطلقة هي الفوضى بعينها، فما جاء الاسلام  الا ليحرر الانسان من  كل أشكال العبودية، ويجعلها خالصة لله وحده، واذا وصل الى هذه  الحرية وضع  نفسه  على طريق الالتزام  طائعا مختارا، وهذا هو الالتزام الصحيح.


الرد على التهمة: بأن الأدب الاسلامي أدب فكرة ومضمون على حساب الفن!


هذه - أيضا - تهمة باطلة في الواقع، لان الاهتمام بالمضمون أمر لا بد منه، ويتوازى معه التصوير البارع واللفظة الآسرة والتعبير  الجميل، وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك بقوله: «إن من البيان لسحرا، وان من الشعر لحكمة»، والحكمة تعني المضمون، والسحر يعني التصوير  والتعبير، وذلك مجتمع يمثل صورة الأدب الحي.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي