إشراقات من الحكم صدق العبودية


تحقيق العبودية لله تعالى من اسمى مراتب القرب منه، وتحقيق العبودية يتم بان يتخلص الانسان من صفاته البشرية التي تجعله يخلد الى الارض وتجعله يتبع هواه، ويغفل عن طاعة مولاه، وهذه الصفات قد تكون ظاهرة اوباطنة، لكن الباطنة هي سبب صلاح الظاهرة والمقدمة عليها، فالعاقل هو الذي يبذل جهده لاصلاح الصفات الباطنة فيتخلى عن كل وصف يناقض عبوديته لله تعالى من رياء وكبر وعجب، ويتحلى بأوصاف العبودية لله، من ذلّ وافتقار له، وتواضع وحلم ورضا.
والعبودية لله تعالى على قسمين: الاولى هي عبودية ملك وقهر، وهي تشمل كل الخلائق [ ان كل من في السموات والارض إلا آتي الرحمن عبدا].
والثانية هي عبودية الخاصة، وهي التي يتحقق فيها العبد بالذل والافتقار لمولاه، والي قال عنها القاضي عياض:
ومما زادني شرفا وتيها*** وكدت بأخمصي أطأ الثريا
دخولي تحت قولك (يا عبادي) *** وأن صيّرت احمد لي نبيا
وفي ذلك يقول ابن عطاء الله: «اخرج من اوصاف بشريتك عن كل وصف مناقض لعبوديتك، لتكون لنداء الحق مجيبا، ومن حضرته قريباً»، ونداء الحق وهو خطابه الجاري بـ يأيها الناس أو يا بني آم أو يأيها الذين آمنوا... وإجابة هذا الخطاب تكون بإرادة وجه الله تعالى وبتصديقه والعمل به، وعندها يرجى من العبد ان يكون قد تحقق بصفات العبودية لله، ويكون قد خرج من اوصاف بشريته، وفي ذلك قيل: اذا اكرم الله عبدا في حركاته وسكناته نصب العبودية لله بين عينيه، وستر عنه حظوظ نفسه، وجعله يتقلب في عبوديته، وحظوظ النفس عنه معزولة لا يلتفت اليها كأنه في معزل عنها، وإذا أهان الله عبدا في معزل عنها، واذا اهان الله عبدا في حركاته وسكناته نصب له حظوظ نفسه، وستر عنه عبوديته، فهو يتقلب في شهواته، وعبودية الله عنه بمعزل، وان كان يجري عليه شيء منها.
وحتى يتحقق العبد بصفاته العبدوية، يوصيه ابن عطاء الله بقوله: «تحقق بأوصافك يمدك بأوصافه، تحقق بذلك يمدك بعزه تحقق بعجزك يمدك بقدرته تحقق بضعفك يمدك بحوله وقوته «فالأوصاف التي يأمر ابن عطاء العبد بان يتحقق بها هي اوصاف العبودية، فاذا تحقق العبد بالذل فان الله تعالى يسبغ عليه العز، وان تحقق بالعجز امده بالقدرة، وان تحقق بالضعف اعانه بالقوة، حتى يصبح العبد عزيزا بالله، قادرا بالله، قويا بالله، غنيا بالله.