إيمان البحر درويش: الإمام الشافعي... رسالة في فقه التسامح وأدب الاختلاف
بعد سنوات عدة من الاعتكاف.. دأب خلالها على رفض التمثيل وحتى الغناء الذي ورثه عن جده فصار فيه نجما.. عاد الفنان المصري إيمان البحر درويش إلى الشاشة الصغيرة ليؤدي دور «الإمام الشافعي» في مسلسل يحمل نفس الاسم.
غير انه هذه المرة لا يكتفي بالغناء والتمثيل بل يتعدي ذلك إلى تأليف الموسيقى التصويرية للمسلسل الذي يذاع على عدد من الفضائيات العربية، فضلا عن التليفزيون المصري.
إيمان ـ الذي رفض قبل ذلك أداء شخصية الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود الذي يشبهه في حلاوة الصوت ـ أكد لـ «الراي» أن وسطية الامام الشافعي واعتداله هي دافعه الرئيسي لتقديمه إلى الجمهور العربي الممزق ـ حسب تعبيره ـ بين الإفراط والمبالغة من جهة والتفريط والاستهانة من جهة أخرى في شهر رمضان الجاري شخصية الإمام الشافعي.. وهذا نص ما دار معه من حوار:
• ما الذي أغراك بتقديم شخصية الإمام الشافعي في هذا التوقيت؟
- الشافعي يرتبط أشد الارتباط بالظروف التي يمر بها العالم الاسلامي الممزق بين الافراط والمبالغة من جهة والتفريط والاستهانة من جهة أخرى.. والشافعي كان يمثل الوسطية في كل شئ مذهبه وسط بين اهل الرأي ويمثلهم الإمام ابوحنيفة وأصحاب الحديث ويمثلهم الإمام مالك.
وهو الأمر الذي ينطبق على حياته الخاصة أيضا فهو مميز في الرماية التي تتصل بالجانب المادي في شخصه وكذلك الفقه الذي يتصل بالجانب الروحي وحتى في الشعر، لم يكن يقبله ككل.
كما لم يكن يرفضه ككل.. فقد اختار لشعره موضوعات الزهد والحكمة ولم يعرف له شعر في غيرهما وكذلك كان وسطيا في موقفه من أهل البيت فهو يحبهم ويجلهم لكنه في نفس الوقت لا يرى أن نسبهم للرسول الكريم يعطيهم الحق في الخلافة.
• هل يتعرض المسلسل لطبيعة الخلافات الفقهية التي دارت بينه وبين غيره من الأئمة الكبار؟.
- المسلسل يحاول أن يقدم صورة مثلى لطبيعة الاختلاف بين المسلمين خصوصاً والبشر عموماً فلقد كان الشافعي معاصرا للامام مالك وصديقا له كما كان معاصرا لابن حنبل وصديقا له لكن هذه الصداقات لم تمنعه من أن ينفرد بمذهبه الذي يختلف عن مذهبيهما في كثير من الاراء والامور الفقهية ورغم ذلك ظلت الصداقة والمودة قائمة بينهم عملا بقوله تعالى «ولا يزالون مختلفين».
ما يؤكد أن الاختلاف جزء من طبيعة البشر والاشياء لكن المهم هوالطريقة التي نتعامل بها مع من نختلف معهم وفي واقعنا الحاضر تحتدم الخلافات بين الدول الاسلامية بعضها البعض وبين الفرق والمذاهب وحملة الايديولوجيات الامرالذي يوجب علينا أن نتمثل سيرة الامام الشافعي الذي يعد أمثولة في الاختلاف فهو يقول رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب».
• وانت تقرأ السيناريو هل اختلفت مع بعض الاراء التي قال بها ؟
- اختلف مع بعض آرائه لكن الشافعي في وسطيته لم يترك فرصة للخلاف فقد اختلف مع نفسه فعدل بعض آرائه التي قال بها في العراق عندما جاء إلى مصر ففي العراق كان يري الاكتفاء بالفاتحة في الركعتين الاخيرتين من الصلاة الرباعية وعدل عن هذا الرأي عندما جاء إلى مصر وفضل قراءة إحدى السور إلى جانب الفاتحة في الركعات الأربع.
وهذا ما لم يوافقه عليه أحد من العلماء لأنه في رأيهم أخذ بالحديث الضعيف وترك الحديث الأوثق.. ومن أهم صور حسن الاختلاف موقفه من الإمام ابي حنيفة.
فعندما ذهب إلى بغداد اتجه للصلاة في مسجده ورفض أن يرفع يديه عند كل ركعة طبقا لمذهبه فلما سألوه هل أخذت برأي أبي حنيفة قال لا أنا عند رأيي ولكني أستحي أن أخالف الإمام في مسجده .
• وهل تحاول من خلال المسلسل تناول شيء مما يحدث اليوم؟
- المسلسل كله إسقاط على ما يحدث اليوم سواء في الخلاف بين السنة والشيعة وما يحدث من تطرف وعنف والمشاهد سيجد نفسه من خلال أحداث المسلسل مشدودا إلى وقائع تحدث اليوم ، فرغم أن الشافعي إمام السنة الكبير إلا أن تعاطفه مع الشيعة كان سببا في خلافه مع هارون الرشيد حتى هم بإعدامه ونجا من الموت بأعجوبة.
ثم اتضح لهارون أنه أخطأ في فهم الشافعي فقربه إليه وحاول أن يعوضه عما لحق به من أضرار فنحن إذن لا نقدم هؤلاء الأئمة لنكرمهم ولكن لننتفع بهم .
• الدراما التاريخية والدينية المصرية متهمة بأنها لا تظهر إلا الجانب الايجابي من الشخصيات التي يتم تناولها؟
- الأصل في الدراما هو أن تقدم الجوانب الإيجابية والسلبية على حد سواء في الشخصيات التاريخية والدينية كما تفعل الدراما السورية الا أن الأساس هوتقديم الجوانب الإيجابية والتركيز عليها مع الاكتفاء بالإشارة إلى السلبيات.
لأننا نريد أن نعطي نماذج يقتدى بها كما أن هناك محاذير بالنسبة لتناول الصحابة بالذات فعلينا أن نشير إلى سلبياتهم برفق حتى لا نخالف وصية الرسول الكريم الذي حذرنا من التعرض لأصحابه بسوء.
ولابد ان اذكر بان مجمع البحوث الإسلامية يراجع كل كلمة تكتب في الحلقات ويرفض الموافقة على اي تعرض للصحابة يتجاوز حدود العتاب الأمر الذي ينطبق أيضا على رقابة التلفزيون .
• هل تأثرت بالفنان رشوان توفيق الذي سبق وأن قدم شخصية الإمام الشافعي في نهاية السبعينات؟
- نعم تأثرت بشخصية « الإمام الشافعي القديم» التي اداها باقتدار وتفرد الفنان رشوان توفيق الذي لا أستطيع أن أكون مثله مهما حاولت.
وأي محاولة للمقارنة به تظلمني لأن توفيق ليس فقط ممثلا جميلا وموهوبا ولكنه أيضا إنسان راق وصاحب باع في التمثيل.
وقد شعرت بخوف شديد لاول وهلة من التمثيل باللغة العربية رغم اني أحب الشعر العربي القديم وأحفظ منه آلاف الابيات كما سبق لي أن غنيت قصائد بالفصحى.
• بعد فترة احتجاب طويلة رفضت فيها العديد من الادوار الاجتماعية هل كنت تنتظر شخصية دينية ؟
- لا، والدليل على ذلك انني وافقت على تقديم «الامام الشافعي» بعد أن رفضت اداء دور الصحابي عبد الله بن مسعود في مسلسل «النبأ العظيم» بعد أن عرضته عليّ المنتجة ايمان زايد.
فرغم أن كليهما يتمتعان بصوت جميل في تجويد القرآن الا أن هناك اختلافا في الصفات الجسمانية بيننا فأنا احببت في شخصية الامام الشافعي تواضعه الشديد رغم عقليته الجبارة وحجته القوية ورجاحة منطقه الذي جعله لا يدخل مناظرة الا وكسبها .
• ما الرسالة التي اردت أن تبثها عبر المسلسل؟
- مسلسل الشافعي يقدم رسالة ترفض الخروج على الحاكم باعتبار ذلك فتنة اشد من اي فتنة أخرى فالشافعي مثلا يرفض تاليب الناس على الخليفة المأمون الذي استشرى في عهده خطر علماء الكلام الذين كانوا يقولون أن القرآن مخلوق وليس كلام الله انطلاقا من ايمانهم بوحدانية الذات والصفات.
كما يقدم الشافعي للمشاهدين إنموذجا لادارة الاختلاف ذلك أن الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية.
• يرى البعض أن الدراما التاريخية السورية أكثر تفوقا من المصرية.. ما اسباب ذلك باعتقادك ؟
- اعطني نفس الامكانيات المتاحة للسوريين قبل المقارنة بيننا فعندهم مزارع لتربية الخيول تستخدم في التصوير ومساحات واسعة وقصور تاريخية وقلاع مجهزة من قبل الدولة التي تضع كل ثقلها وراء مسلسلاتها باعتبارها رمزا لتواجد دور سورية الاقليمي والعربي اما في مصر هناك مشكلة حقيقية في التعامل مع المسلسلات الدينية والتاريخية.
وكنت اتمنى أن توضع للامام الشافعي نفس الامكانيات والميزانية التي وضعت للملك فاروق لان شخصية الشافعي اشد تأثيرا منه ورغم ذلك قدمنا مسلسلا جيد المستوى نتمنى أن يعجب المشاهدين رغم ضعف الميزانية ولكن التمثيل والمجهود المبذول من الانتاج والممثلين والاخراج يعوض ضعف الميزانية .
• وهل صحيح انك كنت تطلب إعادة تصوير بعض المشاهد أكثر من مرة ؟
- نعم طلبت اعادة تصوير بعض المشاهد حتى تبدو اكثر طبيعية خصوصا مشهد مقتل الامام الشافعي وضربه من جانب بعض الغوغاء واصررت على أن يضربونني بهراوة حقيقية بدلا من الهراوة الفيبر التي كانت تنثني عند الضرب بها لدرجة انني اصبت في جنبي .
