«الوطني»: الضغوط التضخمية عواملها داخلية أهمها السياسة المالية التوسعية ونمو القروض

تصغير
تكبير



أشار بنك الكويت الوطني في موجزه الاقتصادي الأخير حول التطورات النقدية في الكويت، الى أن عرض النقد سجل خلال شهر أغسطس الماضي أول تراجع شهري له منذ يناير من العام الحالي، بانخفاضه بنحو 102 مليون دينار أو ما نسبته 0.6 في المئة. ويعزى هذا التراجع في عرض النقد الى استمرار تدفق الأموال الى الخارج في ظل مواصلة المستثمرين التخلي عن مراكزهم المرتبطة بالمضاربة على سعر الصرف، التي بدأت قبل حوالي عام تقريباً. وقد تترجم ذلك بصورة تراجع في الموجودات الأجنبية للبنك المركزي، الى جانب انخفاض الاحتياطات الفائضة لدى البنوك. وفي الوقت ذاته، يبدو أن البنوك قد بدأت أخيراً بكبح جماح نشاطها الاقراضي الذي أصبح يتوقف بشكل كبير على مقدرتها على استقطاب الودائع للايفاء بالضوابط التي تبناها البنك المركزي والتي فرضت على البنوك ألا تتعدى نسبة القروض الى الودائع 80 في المئة.


 


لا آثار توسعية لتخفيض الريبو من دون الخصم


 في تطور آخر، قام البنك المركزي في 12 سبتمبر الماضي بتخفيض سعر فائدة اعادة الشراء (الريبو) بواقع 25 نقطة أساس، وذلك استباقاً لاجراء مماثل متوقع من طرف مجلس الاحتياط الفيديرالي الاميركي. وتبع هذا الاجراء تخفيض آخر في 19 سبتمبر، أي بعد يوم واحد من قيام الاحتياط الفيديرالي بتخفيض سعر الفائدة على أداته الرئيسية بنحو 50 نقطة أساس. ونتيجة لهذين التخفيضين، استقر سعر فائدة الريبو عند مستوى 4.75 في المئة.


وأشار «الوطني» الى أن تخفيض سعر الفائدة، للوهلة الأولى، قد يوحي بأن السياسة النقدية في الكويت قد أصبحت توسعية، الأمر الذي سيسهم في تزايد معدل النمو في القروض وفي تغذية الضغوط التضخمية. الا أن الواقع ليس كذلك. فلسوء الحظ، فان جهود بنك الكويت المركزي لكبح النمو في الاقراض المحلي قد لا تظهر بوضوح كاف للعالم الخارجي الذي لاحظ فقط أن سعر فائدة الريبو قد تراجع بواقع 1.125 في المئة منذ ابريل الماضي. وفعلياً، يبدو أن المراقبين في الأسواق لم يولوا الاهتمام الكافي لحقيقة أن البنك المركزي لم يجر أي تعديل على سعر الخصم. فأحد خصوصيات النشاط المصرفي في الكويت أن أسعار الفائدة على القروض ترتبط بسعر الخصم، في حين أن أسعار الفائدة على الودائع تتحرك مع سعر فائدة الريبو. ولذلك، يقصد من اجراءات البنك المركزي عدم رغبته في التأثير على سياسة تسعير القروض، وفي الوقت ذاته جعل الودائع بالدينار أقل جاذبية للمضاربين، وخصوصا من غير المقيمين.


وبالموازاة مع استخدام أداة سعر الفائدة، دأب البنك المركزي على توظيف أدوات كمية أخرى للحد من نمو القروض كفرض حد أقصى لنسبة القروض على الودائع عند مستوى 80 في المئة، وامتصاص السيولة من الجهاز المصرفي بالتعاون مع المؤسسات الحكومية، الى جانب ممارسة سياسة الاقناع الأدبي مع البنوك لحضها على الحد من نشاطها الاقراضي. ويرى «الوطني» أن تأثير هذه القيود قد وصل الى المرحلة الكفيلة بأن تؤتي ثمارها، مع أنه ما زال الوقت مبكراً للتيقن من ذلك من خلال البيانات المتاحة.


 


تباطؤ ملحوظ في نمو القروض


لحظ الوطني أن حجم القروض المقدمة للمقيمين خلال أغسطس الماضي ارتفع بمقدار 140 مليون دينار، أو بما نسبته 0.8 في المئة، وذلك مقابل زيادة قدرها 403 ملايين دينار سجلت في الشهر السابق. ومع ذلك، فقد وصل حجم الزيادة التي سجلتها القروض منذ مطلع العام وحتى نهاية أغسطس نحو 3.3 مليار دينار، أي بزيادة نسبتها 22.2 في المئة عن نهاية عام 2006، وضعف معدل نموها خلال الفترة ذاتها من العام السابق.  


ومرة أخرى، استحوذت القروض المقدمة لقطاع العقار على نصيب الأسد بارتفاعها بنحو 127 مليون دينار، ليصل بذلك حجم الزيادة في القروض المقدمة لهذا القطاع منذ مطلع العام الى 1.3 مليار دينار، أو ما يعادل 39 في المئة من اجمالي النمو في القروض. كما سجلت التسهيلات الشخصية (باستثناء تمويل شراء أوراق مالية) زيادة خلال شهر أغسطس بواقع 108 ملايين دينار، في حين تراجع حجم القروض المقدم لغرض تمويل شراء أوراق مالية ما مقداره 65 مليون دينار.


 


انخفاض الودائع بالدينار


على صعيد تطورات الودائع، أشار «الوطني» في تقريره الى انها تراجعت بنحو 92 مليون دينار في شهر أغسطس بعد أن قفزت بشكل ملحوظ خلال شهر يوليو، مسجلة بذلك أول تراجع جوهري لها منذ يوليو 2006. ومن المرجح أن يكون بعض المضاربين على العملة بدأوا بعكس مراكزهم بالدينار وذلك للاستفادة مما حدث من رفع متوال في سعر صرف الدينار. كما يلاحظ أن ما يقارب من ثلثي التراجع في الودائع كان من نصيب ودائع الدينار التي بدورها شهدت تحولاً من الودائع تحت الطلب والودائع الادخارية لصالح الودائع لأجل.      


أما المطلوبات الأجنبية، والتي أصبحت أخيراً مصدراً رئيسياً من مصادر تمويل البنوك، فقد انخفضت بما يعادل 234 مليون دينار خلال أغسطس، منها 43 مليون دينار كانت ضمن ودائع القطاع الخاص من غير المقيمين. وفي الوقت ذاته، فقد ارتفعت الموجودات الأجنبية للبنوك بما قدره 46 مليون دينار، الأمر الذي أسهم في تعزيز موقف البنوك الدائن تجاه غير المقيمين. وقد تزامن مع هذه التطورات تراجع في الموجودات الأجنبية للبنك المركزي للشهر الثالث على التوالي، حيث تراجعت هذه الموجودات خلال أغسطس بما يعادل 346 مليون دينار، وليصل بذلك اجمالي التراجع خلال الأشهر الثلاثة السابقة الى حدود مليار دينار.


 


مستوى السيولة ما زال مريحاً


انخفضت الموجودات السائلة للبنوك (بعد استثناء ودائع ما بين البنوك) بنحو 511 مليون دينار، وذلك في ضوء تراجع مقتنيات البنوك من سندات البنك المركزي وودائعها لديه بما مقداره 137 مليون دينار و414 مليون دينار على التوالي. وبذلك، فقد تراجعت نسبة الموجودات السائلة الى اجمالي الموجودات الى أدنى مستوياتها في سبعة أشهر لتبلغ 13.6 في المئة. ومع ذلك، فان احتساب «الوطني» لنسبة اجمالي الاحتياطات للبنوك المحلية تشير الى بلوغها 27.1 في المئة، ما يعني أن البنوك مجتمعة تتجاوز نسبة 20 في المئة المفروضة من البنك المركزي.


 


سعر «الكايبور» يعاود ارتفاعه


على صعيد آخر، أشار «الوطني» الى أن أسعار الفائدة على الودائع بالدينار ما بين البنوك المحلية (الكايبور) قد استردت خلال أغسطس جزءا من تراجعها المسجل خلال الشهرين السابقين، ذلك التراجع الذي نجم بشكل رئيسي عن قيام البنك المركزي بالحد من عمليات تدخله لامتصاص السيولة الفائضة لدى البنوك. فقد ارتفعت أسعار الفائدة لآجال شهر واحد وثلاثة اشهر بنحو 107 نقاط أساس لتصل الى 5.32 في المئة و5.56 في المئة على التوالي، في حين ارتفع متوسط سعر الفائدة لآجل 6 أشهر بمقدار 97 نقطة أساس ليصل الى 5.7 في المئة ولأجل 12 شهراً بمقدار 84 نقطة أساس ليبلغ 5.86 في المئة. ورغم هذه الزيادة، ما زال الفارق ما بين سعر كايبور وسعر الفائدة على الدولار الأميركي (لايبور) يقف لصالح اللايبور لأجل 3 اشهر، مع أن هذا الفارق قد انخفض الى حوالي 6 نقاط أساس بعد أن وصل الى 87 نقطة أساس في الشهر السابق. وفي المقابل، تجاوز متوسط كايبور لمتوسط لايبور بنحو 16 نقطة أساس لأجل 6 أشهر، بعد أن بلغ هذا الفارق نحو 60 نقطة أساس لصالح اللايبور في يوليو السابق.  


وفي المقابل، شهدت أسعار الفائدة على ودائع العملاء استقراراً ملحوظاً خلال أغسطس رغم تراجع حجم الودائع. فقد بلغ سعر الفائدة المدفوع على ودائع الدينار 4.92 في المئة و5.09 في المئة و5.23 في المئة و5.31 في المئة لآجال شهر واحد و3 أشهر و6 أشهر و12 شهراً على التوالي. ومع ذلك، فان تحول الودائع نحو العوائد الأعلى قد رفع من متوسط سعر الفائدة على كافة ودائع الدينار بنحو 10 نقاط أساس ليبلغ 4.21 في المئة.


وبالنظر الى المستقبل، يرى «الوطني» أن أسعار الفائدة على ودائع العملاء ستبقى ترزح تحت ضغوطات تحول دون انخفاضها بشكل كبير، على خلاف ما يوحيه التخفيض الذي حصل في سعر فائدة الريبو. فمع أن البنوك قد تلجأ الى تخفيض أسعار الفائدة المعلنة على الودائع، الا أن المنافسة على الودائع ما بين البنوك ستحول دون حدوث تراجع موازٍ من حيث الكمية في متوسط كلفة الودائع. كما أن الوطني لا يشارك النظرة السائدة بأن قيام بنك الكويت المركزي بخفض سعر الريبو والفائدة على الودائع (دون القروض) سيكون له آثار تضخمية. 


وفي الواقع، يرى «الوطني» أن تقييد القروض وتخلي البنك المركزي عن سياسة الربط الحصري للدينار بالدولار بالعودة الى نظام سعر الصرف السابق الذي تبنته الكويت لمدة 27 سنة، وحتى مطلع عام 2003، ستكون كفيلة بتمكين السلطات من التخلص من بعض الضغوط التضخمية. ومع أن التراجع في سعر صرف الدينار المرتبط بالدولار الأميركي أمام اليورو والجنيه الاسترليني والين الياباني منذ عام 2003 قد أسهم في التضخم، فقد كان هنالك مسببات أخرى وربما أهم. وبالمجمل، فان هذه المسسببات، التي تتضمن السياسة المالية التوسعية، والنمو القوي في القروض، والأثر الايجابي على الثروات الناجم عن ارتفاع اسعار الأصول، الى جانب التفاؤل بالمستقبل قد أسهمت جميعها في ارتفاع أسعار الخدمات والسلع الموجهة للاستهلاك المحلي فقط، وهذا بدوره أدى الى ارتفاع أكبر في أسعار الأصول. وبمعنى آخر، أن الضغوط التضخمية الحالية ترجع بشكل أكبر الى عوامل داخلية مرتبطة بقوة الطلب المحلي والاستثمار في القطاع العقاري. وبالتالي فان الحد من التضخم يرتبط بقدرة السلطات المحلية على تهدئة النمو في الطلب المحلي، واستعدادها لتبني مثل هذا الخيار.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي