الدين الشامل والشخصية المتوازنة (6)

تصغير
تكبير
ياسر المقداد

ذكرت في المقال السابق نماذج من الانحرافات على مستوى الفرق والافراد لعدم رؤية الدين بشموله وجامعيته، والآن سأبين ان اصلاح اي خلل في الامة يجب ان ينطلق ايضا من خلال تلك النظرة الشمولية.


وهذا هو المنهج الذي اتبعه النبي (صلى الله عليه وسلم) مع اصحابه، بل والذي سطره القرآن الكريم في كثير من آيه كما سأذكر بعد قليل.


فإنه لم يكن (صلى الله عليه وسلم) يدندن حول امر واحد على انه الحل لجميع العقد والمشاكل، كما هو صنيع الكثير اليوم! انما كان يدعو الناس إلى اقامة الدين كله، وكما امره ربه: (يأيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة) واذا طلب احد منه النصيحة، فانه ينظر صلى الله عليه وسلم إلى العروة التي ذهبت فينبه اليها ويحاول سد الثغرة التي بدت في شخص السائل، وهذا يفسر اختلاف اجاباته لمن سأله عن اي العمل افضل، فمرة يذكر الصلاة على وقتها، ومرة الجهاد في سبيل الله، ومرة بر الوالدين، ويطلب احدهم ان يوصيه، فيقول له لا تغضب. لانه علم منه سرعة الغضب. وآخر يوصيه: قل آمنت بالله ثم استقم.


وأراد آخر ان يتصدق بماله كله، فنهاه امراً ان يبقي لورثته منه، لان في ذلك تضيع الجانب على حساب اخر، وهذا اختزال للدين في بعض جزئياته، اذاً حتى في عمل الخير يكون غلواً واسرافاً، كما في قصة الوفد الثلاثة الذين أتوا النبي (صلى الله عليه وسلم)، وذكروا من عبادتهم، ان احدهم يقوم الليل لا ينام، والآخر يصوم ولا يفطر، والآخر لايتزوج النساء، فقال (صلى الله عليه وسلم) مصححاً لهم هذا التصور الجزئي لأمر التدين: أما أنا فأصلي وأنام وأصوم وأُفطر وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني.


فننظر الى الدين على انه جسد واحد، ثم ننظر الى ما وقع فيه الخلل من خصال هذا الدين فنصلحه، وما الذي فقد فنقيمه، لان النقص هكذا يبدأ شيئاً فشيئاً، كما أخبر النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: لينقضن عٌرى الإسلام عروة عروة فكلما انتقضت عُروة تشبث الناس بالتي تليها وأولهن نقضا الحكم وآخرهن الصلاة. ومن هنا نعلم خطأ كثير من الجماعات التي تصدر مبدأ واحداً على انه الحل الاوحد لهذه الامة! ثم تراها تهمل اهمالا عظيما جوانب اخرى أو أسهماً اخرى كما في لفظ الحديث، يقول الدكتور يوسف القرضاوي: ومما وقع فيه الخلل هنا ان معظم العاملين في الحقل الاسلامي - وخصوصاً المتحمسين منهم - اعطوا عناية كبرى لقضية ما اسموه تطبيق الشريعة الاسلامية يعنون الجانب القانوني من الشريعة، ولاسيما في العقوبات: اي الحدود والقصاص والتعازير، وهذا الجانب جزء من الاسلام ولاريب، ولايجوز اغفاله او الاعراض عنه ولكن المبالغة في المطالبة به والحديث عنه، واعتباره رأس الامر وعموده وذروة سنامه، كان له آثار سيئة على التفكير الاسلامي والعمل الاسلامي. ومنهم من يصدر مبدأ الجهاد ايضا كحل وحيد، وهو ما يدندن حوله الكثير، ثم ترى كثيرا من هؤلاء منغمساً في البدع، وشرك الاضرحة والقبور، ولا يحركون لذلك ساكنا!! مع ان اقامة التوحيد في العبادة من اعظم المقاصد.


يجب علينا الرجوع الى منهج شامل في الاصلاح، وترك تلك الحلول المجتزئة، كمن ينظر بعين واحدة. ان الامر هو اقامة الدين كله، قال الله (يأيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة) وقال محذراً (أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم الا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون الى اشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون).


ذكر الله في القرآن الكريم حادثة عظيمة فيها دروس وعبر جليلة، ينبغي ان يضعها المصلحون نصب اعينهم، ويصوغوا منها منهجا في كيفية الاصلاح.


وأترك الحديث عن هذه الحادثة الى المقال المقبل. والله الموفق


 


إمام في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية


alathr3y@gmail.com

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي