وقفات مع الأدب والأديب الإسلامي (4)

تصغير
تكبير

ولكي تحقق للأدب غايته لابد ان يصل إلى عموم الناس على مختلف مستوياتهم الثقافية «أفق التوقعات» بعيدا عن الغموض والإبهام الذي يجعل العمل مستعصيا على الفهم، وإن تضمن في ثناياه بعض ما يهم الخاصة في ذات الوقت، دون ان يؤدي ذلك إلى تولد دلالة سلبية عند غير الخاصة، أي أنه يجب ان تكون الدلالات المتولدة لدى غير الخاصة مفهومة.


فالأدب الذي لا يحمل الصفات المشار اليها فيما  أعلاه لا يستحق ان يسمى أدباً، وإنما يستحق ان يسمى: معول الهدم وآلة التخريب والافساد للأخلاق والقيم أو وسيلة إضاعة الوقت.


يقول الدكتور إبراهيم بن عبدالعزيز الدعيلج: «من وظائف الأدب: التهذيب، والتوعية، ايصال التجربة النافعة للآخرين، ونشر العلم الصحيح والنهوض بالمجتمع، فالأدب فن كلامي يصدر عن الأديب، ويتخذ من العلوم الاخرى وسائل تعينه على تحقيق غايته التعبيرية والتهذيبية، فالأدب هو خلاصة مركزة للجهود الثقافية والانفعالات الصادقة التي تسيطر على الافراد والجماعات».


ويتحدث الأديب الشهير الاستاذ علي الطنطاوي عن وظيفة الأدب فيقول:


«الأدب هو محرك الشعوب، ومثير الهمم، وباعث العزائم، الأدب يوقظ النائم وينبه الغافل».


وهنا انتهز الطنطاوي الفرصة لكي يذكر الأدباء العرب بمسؤوليتهم نحو قضية فلسطين، فيقول:


«فأين أنتم يا أدباء العرب من (قضية فلسطين) إن خطبة طارق فتحت الأندلس، وخطب نابليون أكسبته استرلتز، وخطب فيخته اعادت الروح إلى الألمان وأرجعتهم إلى مكانهم من الحياة، فأين القصائد الفلسطينيات، أين الأقلام الحرة المؤمنة التي يتطوع اصحابها ليكونوا جنودا في معركة فلسطين: تصف نكبة فلسطين، وتحرك الدنيا لنصرة فلسطين، بل تهز قبل ذلك أهل فلسطين، وجيران فلسطين ليتداركوا فلسطين قبل ان يأتي يوم يندمون فيه، وليس ينفع في ذلك اليوم الندم».


وذلك لأن الأديب عليه مسؤولية الذود عن كيان الأمة، كما يقول الطنطاوي - نفسه -: «الأديب في الأمة لسانها الناطق بمحاسنها، الذائد عن حماها، وقائدها إلى مواطن فخرها، وذرا مجدها».


 


رأي العقاد عن الأدب والأديب


ويحلو لنا ان نذكر هنا - أيضاً - ما قاله الأديب والكاتب المصري الكبير الأستاذ عباس محمود العقاد عن قيمة الأدب ومسؤولية الأديب. يقول:


«ايماني بالأدب أنه رسالة عقل إلى عقول، ووحي خاطر إلى خواطر، ونداء قلب إلى قلوب.


وإن الأدب في لبابه قيمة إنسانية، وليس بقيمة لفظية.


فالأديب الذي يقرأه القارئ فلا يعرف شيئا جديداً، ولا يحس بشيء جديد فسكوته خير من كلامه.


والأديب الذي يقصر جهده على التسلية وإزجاء الفراغ خادم جسد وليس بصاحب رسالة في عالم العقل والروح، والعلاقة بين الكاتب وقارئه علاقة تعاون واشتراك لا يغني فيها الجهد المفرد عن الجهدين المتساندين، فالقارئ الذي يفرد الكاتب بواجب التفهيم لا يستحق من الكاتب ان يلتفت اليه».


 


خير الأدب عند أحمد أمين


والكاتب المصري الآخر أحمد أمين يعرف أفضل الأدب أو خير الأدب فيقول: «خير الأدب ما كان صادقا يعبر عما في النفس من غير تقليد،  ويترجم عما جرّبه الكاتب في الحياة من غير تلفيق».


 


عماد الأدب


إن السليقة الفطرية والطبع هو الأصل والأساس،  والمران يلعب دوره في صقل موهبة الأديب، وقد قالوا: «فقدان الأديب الطبع كفقدان ذي النجدة السلاح، ولا محصول لأحدهما دون الآخر»، قال الشاعر:


نعم عون الفتى إذا طلب العلم


ورام الآداب صحة طبع


فإذا الطبع فاته بطل السعي


وصار العناء في غير نفع


ومثل الأدب مثل الخطابة الحقيقية التي هي الأخرى تعتمد على الموهبة الاصلية والسليقة الفطرية، فقد قالوا في مقومات الخطابة وأسسها:


«رأس الخطابة الطبع، وعمودها الدربة، وجناحاها الكلام، وحليها الاعراب، وبهاؤها تخير الألفاظ والمحبة مقرونة بقلة الاستكراه».

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي