إشراقات من الحكم الأوقات


يقول الشاعر:
وانا لنفرح بالأيام نقطعها
وكل يوم مضى يُدني من الاجل
ان واقع الناس اليوم هو انهم يفرحون وربما يحتفلون، لانهم قضوا عددا من السنوات على هذه الارض، ولكن النظر العقلي السديد يقول لصاحبه ان الحزن على قضاء الايام اولى من الفرح عليها، لان كل يوم يمر على الانسان يكون فيه اقرب الى الموت من اليوم الذي يليه... فعلام الفرح؟!!
ففي كل نفس يخرجه الانسان يكون قد مضى من عمره جزء، كما قال ابن عطاء الله: «ما نفس تبديه، إلا وله قدر فيك يمضيه» لذلك يجب على المسلم ان يستشعر قيمة اوقاته التي هي عبارة عن انفاسه التي تخرج منه، فكل نفس خرج من الانسان دون ذكر لله او عمل صالح فهو ضياع من العمر، وهدر للوقت يندم عليه العبد يوم القيامه، لان النفس الذي خرج من غير خير يحصله الانسان فإنه لن يعود إلى يوم القيامة لذلك «ما فات من عمرك لا عوض له» لان الوقت الذي مضى كان له حق يجب اداؤه فيه، فأداء هذا الحق وفي وقت آخر سيكون على حساب ذلك حق ذلك الوقت، ومن هنا كان حرص السلف على اوقاتهم، يقول الحسن البصري: «ادركت اقواما كانوا على اوقاتهم اشد منكم حرصا على دنانيركم ودراهمكم» لان ما فات من العمل لا يعود، فلو تأمل المسلم في قول الله تعالى: (وان ليس للانسان إلا ما سعى) فإنه سيعلم قيمة الوقت الذي فاته من غير حق يؤديه او خير يجنيه، لان ذلك هو السعي الذي سيبقى.
واسوأ ما يكون من الانسان ان يكون خاليا من الملهيات، وفارغا من الشواغل، ثم لا يقوم بحقوق الله عليه، لان ذلك لم يبق حجة لنفسه يحتج بها امام خالقه، لانه تعالى قد هيأ له اسباب الاقبال عليه، لكنه لم يغتنم تلك الاسباب فوقع في الخسران، ويعبر ابن عطاء الله عن ذلك بقوله: «الخذلان كل الخذلان ان تتفرغ من الشواغل، ثم لا تتوجه اليه، وتقل عوائقك، ثم لا ترحل اليه»، فالفراغ من النعم العظيمة التي يمن الله بها على عباده، وحق هذه النعمة ان يعمرها الانسان بما يرضي الله تعالى فاذا لم يعمرها بذلك فانه الخذلان والخسران، واختم بقول القشيري: «فراغ الوقت من الاشغال نعمة عظيمة، فاذا كفر العبد هذه النعمة بان فتح على نفسه باب الهوى، وانجر في تيار الشهوات شوش الله عليه نعمة قلبه، وسلبه ما كان يجده من صفات قلبه».