نجاح أكاديمي يصطدم بخصوصية البلدان

تصغير
تكبير
محمد أيوب


تباين كبير بين صورة الادارة الأميركية الحالية والتعليم الأميركي في الشارع العربي، فرغم المعارضة القوية التي تلقاها سياسات الولايات المتحدة الخارجية من شعوب المنطقة، نجد مستوى تأييد التعليم الأميركي في ارتفاع مستمر؛ فمعظم العائلات العربية تنظر الى الجامعات الأميركية الموجودة في بلادها على أنها البوابة الذهبية لتحقيق حلم أبنائها في الحصول على فرصة عمل جيدة ذات دخل مناسب، في الوقت الذي تتزايد فيه معدلات البطالة في العديد من الدول العربية؛ نتيجة ضعف جودة التعليم الحكومي، وفي الفترة الأخيرة أعطت واشنطن اهتماماً خاصاً لبرامج التبادل الطلابي، ودعم الجامعات الأميركية في المنطقة ففي عددها رقم 102 الصادر في 31 مارس الماضي نشر «تقرير واشنطن» تقريراً بعنوان «مهمة جديدة للجامعات الأميركية في العالم العربي» رصد فيه آراء بعض أعضاء الكونغرس ومسؤولين في وزارة الخارجية حول تقييمهم للدور الذي تلعبه تلك المؤسسات التعليمية في تطوير التعليم في الدول العربية، وذلك بناءً على لقاءات عقدها هؤلاء المسؤولون مع رؤساء ثلاث جامعات أميركية في المنطقة قاموا بزيارة واشنطن في مارس الماضي.


وفي السياق نفسه، قام «معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى» بإجراء دراسة لتقييم وضع الجامعات التي تتبع نظام التعليم الأميركي في المنطقة العربية، وألقت الدراسة الضوء على التحديات التي تواجهها هذه الجامعات في ظل عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي الذي تعيشه دول المنطقة في الوقت الحالي.


الدراسة صدرت بعنوان «تقييم لنظام التعليم الجامعي الأميركي في الدول العربية « وقام باجراء التقييم الدكتور شفيق ناظم الغبرا، الرئيس السابق للجامعة الأميركية في الكويت، والباحثة مارغريت أرنولد المتخصصة في شؤون الاتصال الدولي والتسويق، وشملت الورقة البحثية 13 دولة عربية واستبعدت ليبيا وتونس واليمن والعراق وايران لعدم وجود مؤسسات تعليمية جامعية لديها تتبع نظام التعليم الأميركي.


تبدأ الدراسة بعرض تاريخي لظروف نشأة الجامعات التي تعمل بالنظام الغربي، والتي بدأت في أوائل القرن التاسع عشر عندما بدأ بعض المثقفين العرب في تطبيق الأنظمة الغربية في التعليم الجامعي، ولا سيما الأميركية، الا أن هذه الجامعات واجهت العديد من التحديات وكافحت من أجل البقاء على حد وصف الباحثين، وتعطي الدراسة أمثلة على ذلك أبرزها الظروف الصعبة التي عاشتها الجامعة الأميركية في بيروت خلال الحرب الأهلية التي اندلعت في عام 1975 عندما تم اختطاف رئيسها ديفيد دودج عام 1980 واغتيال رئيسها مالكوم كرر في عام 1990، كما عانت نظيرتها في مصر من ظروف مشابهة حيث تعرضت الجامعة الأميركية في القاهرة للعديد من المحاولات من قبل الحكومة المصرية لتحويلها الى جامعة حكومية، وخاصة في أعقاب ثورة يوليو عام 1952.


وتشير الدراسة الى أنه قبل الحادي عشر من سبتمبر كانت العديد من العائلات العربية ترسل أبناءها الى الولايات المتحدة وأوروبا لاستكمال دراستهم الجامعية الا أن الاجراءات الجديدة التي طورتها الحكومة الأميركية جعلت الحصول على تأشيرات الطلبة أمراً صعباً؛ فقد يتطلب الأمر شهورًا للحصول على التأشيرة، وخصوصاً مع الأسماء المتشابهة مثل محمد وأسامة وعبد الله مما يحول دون وصول الطلبة في المواعيد المحددة لبدء الدراسة.


وعلى حد ذكر الدراسة كان من الضروري أن تستجيب المؤسسات التعليمية في الدول العربية لهذا الوضع بفتح جامعات جديدة تعمل بنظام وجودة التعليم الأميركي بما يوفر على الطلبة مشقة السفر واجراءات الحصول على التأشيرات، ففي السنوات الخمس الأخيرة عملت كبرى الجامعات الأميركية على انشاء فروع لها في الدول العربية، مثل: قطر التي يوجد بها حالياً فروع لجامعة «جورج تاون» و«تكساس» وكذلك «كارنيغي مالون»، وتقوم هذه الجامعات بتطبيق أنظمة القبول نفسها والتدريس الموجودة في بلادها مستفيدة من سمعتها وخبرتها الطويلة في هذا المجال. وتشير الدراسة الى أن التعليم في الجامعات الحكومية العربية قائم على التلقين والحفظ، بينما يقوم نظام التعليم الأميركي على التفكير النقدي من خلال تشجيع الطلبة على ابداء آرائهم وتكوين حجتهم الخاصة بهم؛ وذلك لتطوير مهارتهم الأكاديمية،


وتضع الدراسة هنا أربع سمات تميز نظام التعليم الأميركي عن غيره من الأنظمة التعليمية في الدول العربية:


الأولى: أن المنهج الدراسي في النظام الأميركي مفتوح وغير ثابت يرحب باسهامات الآخرين.


الثانية: أن هدف المؤسسة التعليمية في النظام الأميركي ليس تأهيل الطلبة لسوق العمل، بل تخريج كوادر مثقفة قادرة على صناعة التغيير في المجتمع تؤمن بالتطوير المستمر، والنقد الذاتي.


الثالثة: هي أن الطلبة هم الأولوية الأولى في المؤسسة التعليمية الأميركية، وأنهم شريك أساسي في تطوير تلك المؤسسة.


الرابعة: الاهتمام الكبير بأعضاء هيئة التدريس ومتابعتهم بشكل دوري.


 


تصنيف الجامعات


قامت الدراسة بتصنيف الجامعات التي شملتها الدراسة الى أربع فئات، الأولى: هي الجامعات الأميركية التي تطبق التعليم الأميركي، والفئة الثانية: هي فروع الجامعات الأجنبية، والثالثة: هي جامعات محلية وقعت اتفاقيات مع مؤسسات تعليمية دولية تطبق النظام الأميركي، والفئة الرابعة: هي جامعات محلية تعتمد اللغة الانكليزية كلغة الدراسة الأولى.


وطبقاً للدراسة فهناك ثلاث جامعات فقط في الدول العربية تنتمي للفئة الأولى، وهي: الجامعة الأميركية في القاهرة، والجامعة الأميركية في بيروت، وجامعة لبنان الأميركية، لأن هذه الجامعات معتمدة من قِبل الجامعات في الولايات المتحدة، ورغم ذلك فان هذه الجامعات لا تطبق نظام التعليم الأميركي كما هو، وذلك لأسباب عدة منها: أن القرارات جميعها في يد الادارة من دون أي اعتبار لأعضاء هيئة التدريس، الى جانب ذلك فان الحكومات المحلية تفرض العديد من القيود والسياسات على ادارات هذه المؤسسات، كما أن أعضاء هيئة التدريس يعملون تحت ضغط كبير ما لا يعطيهم الفرصة على عمل دراسات، أو حتى تحضير جيد للمواد العلمية التي يقومون بتدريسها. ومن ناحية أخرى لا تهتم ادارة الجامعة بعمل متابعة مستمرة لمستوى أعضاء هيئة التدريس العلمي، هذا بالاضافة الى عدم الاهتمام ببرامج التبادل الطلابي وارسال الطلبة الى الخارج في رحلات بحثية.


أما الفئة الثانية في التصنيف وهي الخاصة بفروع الجامعات الأجنبية في الدول العربية، مثل جامعة «جورج تاون» في قطر فتقول الدراسة: «ان هذه الفئة تواجه العديد من الصعوبات أبرزها عدم قدرتها على التكيف مع ثقافة المجتمعات العربية من دون خسارة خصوصياتها واستقلالها ما لا يجعلها على المستوى الأكاديمي نفسه الذي عُرفت به في بلادها».


 


تحديات


تكشف الدراسة عن العديد من التحديات التي تواجه تلك الجامعات منها أن تلك المؤسسات مازالت في طور التأسيس؛ اذ يتطلب اعتماد الجامعة لدى الجامعات الأميركية 15 عاماً على الأقل، كما أن العديد من تلك الجامعات يعاني من عدم استقرار اداري وهذا ينعكس بدوره على تبني سياسات غير ناجحة مثل الفشل في استقطاب أساتذة وعلماء ذوي كفاءة عالية.


التحدي الآخر الذي يقف حائلاً أمام هذه الجامعات وفقاً للدراسة هو عدم تمتع هذه المؤسسات بهامش كبير من الحرية؛ فرغم الاختلافات الثقافية بين الدول العربية الا أن حكومات هذه الدول تمارس نوعاً من الرقابة من خلال تحكمها في المناهج التي تدرس في هذه الجامعات، وعملية تعيين أعضاء هيئة التدريس، فالحكومة المصرية على سبيل المثال تجبر الجامعة الأميركية في القاهرة على تعيين 70 في المئة من أعضائها من حاملي الجنسية المصرية. وتضيف الدراسة أن الرقابة تصل في العديد من الدول الى حظر تدريس مواد معينة، ما يحد من سقف الحرية التي تتمتع بها نظير هذه الجامعة في الولايات المتحدة. وهنا تكشف الدراسة عن أزمة أخرى يعاني منها الطلبة العرب هي أنهم تعلموا خلال صفوفهم المدرسية أن يتلقوا التلقين للمعلومات من خلال المحاضرات والكتب التي يحددها لهم الأساتذة، كما أنهم يخشون من التعبير عن آرائهم؛ كي لا تتعارض مع المحاضر، وبالتالي يبذل أعضاء هيئة التدريس الذين اعتادوا على نظم التعليم الأميركي المجهود مضاعفاً لجعل الطلبة قادرين على اتخاذ قراراتهم وآرائهم من دون الاعتماد على المحاضر، أو الخوف من الامتحان النهائي الذي لا يمثل أحيانًا سوى 40 في المئة من مجموع درجات الطالب. الدراسة وصفت العديد من الجامعات الأميركية في الدول العربية بأنها ليس لديها أي اتصال مع المجتمع الخارجي، وكأن هناك حائطاً عازلاً وهمياً بينهما، وهذا بدوره يؤدي الى تخريج طلبة غير قادرين على التعامل مع الواقع الخارجي. وترى الدراسة أن العديد من الجامعات التي تتبع النظام الأميركي في المنطقة تتجاهل لعب دور في المجتمع، ويبقى الطلبة أسرى لجدران معاملهم من دون أدنى تواصل مع المجتمع أو تأثير فيه.


 


مفتاح التغيير


الدراسة طرحت العديد من الحلول للارتقاء بمستوى هذه الجامعات، أولها: اقناع الحكومات والمجتمعات العربية باستخدام هذه المؤسسات كمفتاح للتغيير والاصلاح في المستقبل، واستقطاب قوى المجتمع المختلفة للاستثمار فيها من خلال تعزيز المبادئ الليبرالية التي تؤمن بحرية البحث الأكاديمي. وتقترح الدراسة أيضاً انشاء جهاز اقليمي لرقابة جودة التعليم في المؤسسات التي تقول انها تستخدم النظام الأميركي في التعليم، وذلك على نمط أجهزة اعتماد الجودة التعليمية الموجودة في الولايات المتحدة الأميركية، وعلى أن يُصدر هذا الجهاز تقريراً سنوياً عن الجامعات التي تستحق صفة «النظام الأميركي» على حد ذكر الدراسة، وتوصي الدراسة أيضاً بأن تعمل تلك الجامعات على الاندماج في الثقافة المحلية، وذلك من خلال أن تركز المؤسسات مجهوداتها البحثية لحل المشاكل التي يواجهها المجتمع المحلي حتى تصبح لاعباً أساسياً في التغيير والاصلاح لهذه المجتمعات.


الدراسة تنصح أيضاً باستقطاب كوادر جامعية ذات كفاءة عالية من الخارج - الولايات المتحدة وأوربا وكندا - وذلك من خلال وضع مقاييس واجراءات محددة يتم على أساسها اختيار أعضاء هيئة التدريس، الى جانب وضع نظم جديدة لمتابعة الأساتذة ومدى التزامهم بهذه المقاييس. وهنا تطالب الدراسة باشراك أعضاء هيئة التدريس في القرارات التي تتخذها الادارة باعتبارهم شريكاً أساسياً في العملية، كما أن لديهم اتصالاً مباشراً مع الطلبة، وعدم انفراد الادارة بسلطة القرارات بشكل مركزي كما هو موجود في معظم تلك الجامعات. العمل على التواصل مع المجتمع الدولي كان من أهم توصيات الدراسة؛ اذ أكد الباحثون أن مستوى التعاون القائم حالياً بين الجامعات التي تتبع النظام الأميركي والجامعات في الولايات المتحدة ليس على المستوى المطلوب، لذلك على الجامعات العربية الأميركية أن تعمل خلال الفترة المقبلة على توقيع اتفاقيات تعاون مع نظيرتها في الولايات المتحدة وانشاء برامج للتبادل الطلابي؛ حتى يتاح للطلبة أكبر قدر من الاحتكاك مع المجتمع الخارجي، وهذا يتطلب من تلك المؤسسات أن تقوم بتطوير مواقعها الالكترونية على شبكة الانترنت من أجل تسهيل عملية القبول للطلبة الأجانب الذين يندر وجودهم في العديد من الجامعات الأميركية الحديثة التأسيس في الدول العربية.


الدراسة تؤكد أيضاً أن عدم وجود برامج للمنح الدراسية في العديد من الجامعات من شأنه أن يجعلها مؤسسات طبقية، وهذا يحول دون الاستفادة من أبناء الطبقات الأخرى الذين ليس لديهم القدرة المادية على دفع مصروفات تلك الجامعات، وتعتبر المنح هي السبيل الوحيد للحصول على هذا النوع من التعليم.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي