المعاد والبعث يوم القيامة

تصغير
تكبير
| بقلم السيد ابو القاسم الديباجي |

 


 


فليس بخاف على القارئ الكريم ما يشكله مبحث المعاد والبعث بعد الموت للحساب والمساءلة يوم القيامة من قضية فكرية بدت رغم وضوح ابعادها وبيان شرائطها لدى عموم الناس، وبالأخص منها اتباع الديانات السماوية المختلفة - من المسائل التي كانت وما زالت من القضايا الفكرية التي استلزم بحثها ومناقشتها الكثير من البحث والمجادلة، والمحاجة والمناظرة مع جملة من الشرائح المختلفة التي لا يخلو منها زمان، وتعطل بلا ادنى شك التفكير والاستدلال العقلي رغم ادعائها وتبجحها بارتكاز دعواها على هذين الامرين، فتبدو بوضوح محشورة في المضيق، وتائهة في المفازة الكبرى لا تجد لها منفذا تنساب منه ولا سبيلا فتسلك خطاه فهي باطلة في دعواها ساقطة في مدعياتها فاشلة في مواقفها وهو امر بين واضح لمن استرشد بما وهبه الله تعالى من العقل والهدى الذي ينجو به العقلاء وذوو الألباب. ولا يخفى على القارئ الكريم تفاهة هذه الدعاوى ووضوح بطلانها وحيث يكفيه مجرد التأمل العقلي البسيط الذي يقوده إلى التسليم القطعي بحتمية البعث والمعاد، ناهيك عما لا عد له ولا حصر من الادلة النقلية التي لا تدع منفذ شك الا واوصدته، ولا حجة باطلة الا ودمغتها بالحق، وابطلتها بالدليل تلو الدليل.


قد يتطرق التساؤل إلى اذهان البعض - أو لعل القليل من هذا البعض - إلى اهمية المعاد والغاية المبتغاة منه، وهو امر لا غضاضة فيه لمن ابتغى مجرد ادراك الحق لا غيره كما هو واضح ومفهوم فلو تأملنا في مجمل العقائد السماوية التي دعا اليها وبعث فيها الانبياء والرسل عليهم السلام، منذ خلق البشرية والى ان ختموا بالنبي الاكرم محمد بن عبدالله صلى الله عليه وآله وسلم، لوجدناها تبتدئ بالتوحيد وتختم بالمعاد، فهما في الحقيقة يشكلان الركنين الاساسيين اللذين تندرج ضمنهما باقي الاصول الاخرى التي لا مناص لأحد من الإيمان بها، والتسليم بحقيقتها.


فانكار مسألة البعث والمعاد يوم القيامة للحساب والجزاء هي من المسائل والعقائد الاساسية التي يعني انكارها وعدم الإيمان بها انكار وعدم ايمان بباقيها، وعلى رأسها اصل التوحيد.


وفي الإسلام تجد تأكيدا واضحا على اهمية هذا الاصل بالشكل الذي لا يقارن معه ولا يسبقه الا اصل التوحيد، وحيث تبدو هذه الاهمية في المباحث الكثيرة والمتعددة، بل ومن خلال التأكيدات المتكررة للقرآن الكريم حول قضية المعاد، والحياة بعد الموت، والحساب والجزاء.


ففي كتاب الله تعالى ما يقارب من 1200 آية تتحدث عن المعاد وعن الجزاء والحساب في الآخرة، تبين للبشرية جمعاء ان الحياة ليست هي آخر المطاف، وان المرء ينال جزاء ما قدم في دنياه هذه ان كان خيرا فخير، وان كان شرا فشر، فإن ذلك هو المحل الاساس الذي تظهر من خلاله حقيقة الإنسان وحقيقة افعاله واعماله في حياته. ما الذي يميز بين العبد الصالح الذي امضى حياته في خدمة الناس، والعمل على اقامة حياة العدل والمحبة ونشرهما في الأرض، بل وغير ذلك من الاعمال الصالحة الاخرى عن المسرف والمجترح للجرائم والمآسي والافعال السيئة وظلم العباد، والاساءة اليهم، وتدمير حياتهم؟


القانون الوضعي البشري لم ولن ينال اكثر جرائم البشر، بل ولم ولن يعاقب على ما يقع تحت مجهره من تلك الافعال بما يتناسب وحجمها وآثارها، هذا مع ما يعرفه الجميع من المحاباة والارتشاء والخوف وغير ذلك مضاف إلى كل ذلك التأثر الكبير بالافكار والاطروحات البشرية المختلفة التي تحكم تلك البلاد وهذه فتجعل هذه بعض الاعمال جريمة تستحق الموت، حين تراها في تلك البلاد عملا شريفا يستحق مقترفه الثناء والشكر والتقدير، بل واين حق الضعفاء والمساكين الذين لا يملكون حولا لأنفسهم ولا قوة؟ بل... وبل... إلى آخر ما يعرفه الجميع ولا يخفى عليهم. لا شيء سوى عدالة السماء، ولا شيء سوى العدل الالهي، ولا محكمة سوى محكمة السماء، ولا يوم الا يوم الحساب حيث لا ظلم ولا ضياع حق انه العدل المطلق والجزاء الاوفى. واخيرا فإننا يمكننا القول بأن الإيمان بمسألة المعاد يوم القيامة باعتباره الاصل الخامس من اصول الدين عند الشيعة يعتبر من المسائل التي لا مناص لأحد من معرفتها والايمان بها لأنها شرط الإيمان، والركن الاساس فيه، وما عدا ذلك فليس سوى الضلال والضياع والخسران المبين، وذلك الامر ما لا يختلف عليه الجميع دون استثناء كما هو معروف.


قال العلامة الشيخ المظفر رحمه الله في عقائد الامامية: نعتقد ان الله تعالى يبعث الناس بعد الموت في خلق جديد في اليوم الموعود به عباده، فيثيب المطيعين، ويعذب العاصين.


وهذا امر على جملته وما عليه من البساطة في العقيدة اتفقت عليه الشرائع السماوية والفلاسفة، ولا محيص لمسلم من الاعتراف به عقيدة قرآنية جاء بها نبينا الاكرم صلى الله عليه وآله، فإن من يعتقد بالله اعتقادا قاطعا، ويعتقد كذلك بمحمد صلى الله عليه وآله رسولا منه ارسله بالهدى ودين الحق، لا بد ان يؤمن بما اخبر به القرآن الكريم من البعث، والثواب والعقاب، والجنة والنعيم، والنار والجحيم، وقد صرح القرآن بذلك، ولمح اليه بما يقرب من ألف آية كريمة. واذا تطرق الشك في ذلك إلى شخص فليس لشك يخالجه في صاحب الرسالة، أو وجود خالق الكائنات أو قدرته، بل ليس إلا لشك يعتريه في اصل الاديان كلها، وفي صحة الشرائع جميعها. (عقائد الامامية: 401)

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي