نمو الاقتصاد الأوروبي صامد... في وجه التوقعات الباهتة
برلين - د ب أ - على الرغم من وجود مؤشرات تدل على تراجع المعنويات بشكل أكبر في شأن الاقتصاد في أنحاء أوروبا، فإن عددا من المؤشرات الاقتصادية الرئيسية تظهر أن اقتصاد المنطقة نجح حتى الآن في الصمود أمام تباطؤ الاقتصاد الأميركي وقوة اليورو الذي ارتفع إلى أعلى مستوى له على الإطلاق.
وفي أعقاب ارتفاع أسعار النفط أيضا إلى مستويات قياسية، أشارت سلسلة من الدراسات الاقتصادية التي صدرت هذا الأسبوع إلى تزايد حالة عدم اليقين الاقتصادي في منطقة اليورو المؤلفة من 13 دولة في ظل ما شهدته أسواق المال العالمية أخيراً من أزمة ائتمان بسبب سوق الإسكان الأميركية.
وفي الوقت الذي تراجعت فيه معنويات المستهلكين والمستثمرين في كل من ألمانيا وبلجيكا وفرنسا وهولندا وإيطاليا، فإن عددا من المحللين أعرب عن ثقته بشكل حذر من أن اقتصاد منطقة اليورو سوف ينجو نسبيا من تباطؤ متوقع للاقتصاد الأميركي.
وقال الخبير الاقتصادي في مؤسسة «ميريل لينش» دانييل أنتونوكسي إن «المعنويات الاقتصادية مستمرة في الزيادة» مضيفا أن «العوامل الأساسية (للاقتصاد الأوروبي) لا تزال قوية».
لكن اتجاه اقتصاديين إلى تعديل توقعاتهم بالانخفاض لاقتصاد منطقة اليورو، أدى إلى تزايد المخاوف من أن يتعرض نمو اقتصاد المنطقة إلى التراجع فعلا.
ويسود إجماع بين خبراء الاقتصاد بأن اقتصاد منطقة اليورو سينمو بمعدل أقل قليلا من 2 في المئة في العام المقبل، وذلك في أعقاب أحدث جولة من اضطراب أسواق المال وارتفاع اليورو الذي يبدو أنه سيكون ارتفاعا بلا نهاية أمام الدولار. ومن المتوقع أن يبلغ نمو الاقتصاد في العام الحالي 2.5 في المئة.
وقال محافظ البنك المركزي النمسوي وعضو مجلس البنك المركزي الأوروبي كلاوس ليبشر هذا الأسبوع في فيينا إن «الاقتصاد الأوروبي لا يزال في مرحلة طيبة» لكنه أقر «بوجود مخاطر نزولية بالتأكيد (بالنسبة للاقتصاد)»
وأظهرت دراسة صدرت الأربعاء الماضي أن ثقة المستهلكين الألمان تراجعت إلى أدنى مستوياتها في خمس سنوات على خلفية المخاوف في شأن توقعات نمو الاقتصاد العالمي التي انتشرت بفعل أزمة سوق الرهن العقاري عالي المخاطر في الولايات المتحدة. فيما كشفت دراسة رئيسية قبل ذلك بيوم واحد أن مؤشر مناخ الأعمال في ألمانيا تراجع في سبتمبر للشهر الرابع على التوالي. كما يأتي هذا بعد تراجع ثقة المستثمرين الألمان لأدنى مستوياتها خلال 9 أشهر وفقا لدراسة صدرت الأسبوع الماضي.
ومن ناحية أخرى، قال مكتب الإحصاء الفرنسي إن مؤشره لثقة شركات التصنيع في ثاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو قد تراجع إلى أدنى مستوياته في 7 أشهر. كما تراجعت ثقة الشركات في إيطاليا ثالث أكبر اقتصاد في المنطقة لأدنى مستوى لها خلال عامين.
وعلى الرغم من ذلك، الكثير من خبراء الاقتصاد يتوقعون أن تساهم زيادة الأجور هذا العام، إضافة إلى الهبوط المستمر في معدل البطالة في أنحاء منطقة اليورو، في حماية اقتصاد المنطقة من تباطؤ الاقتصاد الأميركي.
وفي الوقت نفسه، فإن الطلب القوي من الاقتصادات الناشئة المزدهرة كالصين والشرق الأوسط وكذلك دول شرق ووسط أوروبا من المرجح أن يقوم بدور حائط الصد من التعرض بشدة لآثار تباطؤ الاقتصاد الأميركي.
ورغم الاضطراب الذي شهدته أسواق الأوراق المالية العالمية بسبب تزايد حالات العجز عن سداد قروض الرهن العقاري عالية المخاطر في الولايات المتحدة، فإن الأسهم الأوروبية نجحت في تعويض بعض خسائرها لتساهم في زيادة التفاؤل بشأن الاقتصاد.
ووسط مؤشرات على عودة عنصر الاستقرار إلى البورصات العالمية، فإن مؤشر داو جونز ستوكس يستقر حاليا عند مستوى مرتفع بحوالي 5.5 في المئة عن مستواه قبل 12 شهرا.
وقال معهد «جي إف كي» لأبحاث السوق ومقره نورنبرج تعليقا على مؤشره لثقة المستهلكين في المستقبل لشهر أكتوبر إن «المستهلكين يتابعون بعصبية الأحداث في الولايات المتحدة». ويظهر هبوط أكتوبر أن المستهلكين «يتوقعون تباطؤ في الازدهار الاقتصادي في ألمانيا بسبب قوة اليورو وارتفاع أسعار الطاقة وضعف الاقتصاد الأميركي».
لكن المعهد قال إنه يتوقع أن تظل معنويات المستهلكين إيجابية، الأمر الذي يقدم دليلا على أن التباطؤ الاقتصادي الذي يواجه ألمانيا لن يكون كبيرا للغاية.
إضافة إلى ذلك، فإن ثقة المستهلكين في إيطاليا ارتفعت على غير المتوقع في سبتمبر، وتم تعديلها بالارتفاع لشهر أغسطس.
كما أن دراسة استطلعت آراء رجال الصناعة الفرنسيين وأجراها مكتب الإحصاء الوطني في باريس كشفت أن ثقة الشركات في فرنسا ظلت كما هي من دون تغيير في سبتمبر لكنها جاءت أفضل من توقعات المحللين.
لكن المسألة التي لم يتم حسمها بعد هي: تقييم البنك المركزي الأوروبي للظروف الاقتصادية الحالية لمنطقة اليورو بعد أن اضطر إلى التخلي عن خططه لرفع أسعار الفائدة هذا الشهر كجزء من جهود تعزيز الثقة في كل من الاقتصاد والسوق في منطقة اليورو.
لكن معظم المحللين يرون أن البنك لم يتخل تماما عن رفع أسعار الفائدة وقد يبدأ حتى في رفعها في نهاية هذا العام إذا ما تلاشت مؤشرات الاضطرابات التي شهدتها الأسواق أخيرا.