إشراقات من الحكم العدد الأول

تصغير
تكبير
بقلم علي يوسف السند

 


لو نظرنا إلى أمراض القلوب من حسد وعجب وغرور وتكبر... لوجدنا ان مرجعها إلى شيء واحد، وهو اتباع الهوى، وهو أن يسير الانسان وراء كل ما تشتهيه نفسه، فلا يرد لها طلبا، ولا يوقفها عند حد، وفي ذلك فساد ليس للإنسان وحده وانما فساد للحياة كلها، قال تعالى (ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السموات والأرض).


فأصرف هواها وحاذر أن توليه * * * إن الهوى ما تولى يصم أو يصم قد يتبع الانسان هواه، لكنه سرعان ما يفيق من غفلته ويعود الى مولاه، ثم يعود للهوى ثم يرجع بعد ذلك... وهكذا، فإذا كانت هذه حال الانسان فهو على خير، بخلاف من يجد الحلاوة والراحة في اتباع الهوى، فان حاله خطرة، لذلك يقول ابن عطاء الله: «تمكن حلاوة الهوى من القلب هو الداء العضال»، والداء العضال هو المرض الذي لا تزيده المداواة الا تمكنا ورسوخا، وذلك لأنه في الغالب يكون الهوى في هذه الحالة ملتبسا بحق، وربما فتح له باب التأويل الشرعي الذي يسوغ له اتباع هواه، وهذا الهوى يصعب استئصاله، لذلك قيل: «نحت الجبال بالأضافر أيسر من زوال الهوى إذا تمكن».


ويتمكن الهوى في النفس اذا وجد اقبالا من القلب عليه، وقبولا من النفس له، فيحبه القلب وتهواه النفس، فيصبح الهوى هو الذي يسير الانسان ويأمره، وينهاه لأنه صار محبوبه.


أنت القتيل بأي من أحببته * * * فاختر لنفسك في الهوى من تصطفي


وفي ذلك يقول ابن عطاء الله: «ما أحببت شيئا إلا كنت له عبدا، وهو لا يحب ان تكون لغيره عبدا» فالله تعالى لا يرضى أن تكون منقادا لغيره، وأشد ما يمكن أن تنقاد اليه هو الهوى الذي أحببته.


ثم يضع ابن عطاء الله ميزانا يتعرف الانسان من خلاله على مدى اتباعه لهواه، فيقول: «إذا التبس عليك أمران فانظر أثقلهما على النفس، فإنه لا يثقل عليها إلا ما كان حقا «لأن النفس من طبعها حب الركون إلى الدعة، والى ما فيه راحتها، فإنها تهوى كل يسير عليها، فإذا وجد العبد نفسه تميل إلى ذلك فليخالفها لأن النفوس تميل الى الحظوظ وتنفر من الحقوق.


وخالف النفس والشيطان وعصمها * * * وان هما محضاك النصح فاتهم


ولا تطع منهما خصما ولا حكما * * * فأنت تعرف كيد الخصم والحكم


ثم يطرح ابن عطاء طريقة يمكن من خلالها القضاء على هوى النفس فيقول: «لا يخرج الشهوة من القلب الا خوف مزعج، او شوق مقلق «فالخوف المزعج يكون بتذكر صفات الله ذي الجلال والبطش، وذلك بالنظر إلى ما أعده الله للعصاة، أما الشوق فيكون باستحضار صفات الجمال والرحمة.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي