نماذج ومواقف للمرأة المسلمة عبر التاريخ (2 من 2)

تصغير
تكبير

ان تاريخ بنت الاسلام في مجال الكفاح والنضال والذود عن حمى الأمة لهو - أيضا - تاريخ رائع مشرف، حافل بالبطولات والأمجاد، فقد أثبتت المرأة المسلمة - رغم تركيبها الجسمي الخاص، ورقتها الخلقية ونعومتها - شجاعتها واقدامها وحنينها الى الشهادة والحصول على أجر الغزو والرباط في سبيل الله، فما ضنت قط ببذل ما تقدر عليه من ألوان التضحية والفداء والانفاق في سبيل الله، والتحريض على لقاء العدو إعلاء لراية الحق خفاقة عالية على ظهر الأرض كلها، ولقد حفظت لنا ذاكرة التاريخ - بهذا الصدد - قصصا واحداثا تحير العقول وتذهل الألباب.


فمن قرأ كتب السيرة عرف أن المرأة شاركت - فعلا - في معركة الجهاد، فقاتلت وجاهدت مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - في العديد من الغزوات، وأدت للمجاهدين أحسن الخدمات، فقد ذكرت الكتب - مثلا - أن أم أيمن كانت يوم أحد تسقي الجيش، ولما ضعف بعض المقاتلين عن مواجهة العدو جعلت تحثو في وجهه التراب، وتقول له: «هاك المغزل فاغزل به وهلم سيفك اعطني اياه لأقاتل به»، ونقرأ في كتب السيرة - كذلك - عن أنس بن مالك أنه قال: «رأيت عائشة بنت أبي بكر وام سليم لمستمرتان تنقلان القرب على ظهورهما، ثم تفرغانها في أفواه الجرحى، ثم ترجعان فتملآنها ثم تجيئان تفرغانها»، ونقرأ - كذلك - ان أم عطية غزت مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - سبع غزوات تحرس الخيام، وتصنع الطعام، وتداوي الجرحى، وتقوم على المرضي، وان ام عمارة دافعت عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد، حتى قال فيها النبي: «ما التفت يمينا ولا شمالا يوم أحد إلا رأيتها تقاتل دوني».


 


شبهة وردها


نحن نعرف هذا، ونقرأه في سيرة رسولنا المصطفى - عليه الصلاة والسلام - ولكن القوم اليوم يتخذون أمثال هذه الشواهد ذريعة لفتح الباب على مصراعيه، فيغرون المرأة بأن تسابق الرجل وتنافسه في كل ميدان، حتى ولو لم تدع ضرورة ماسة إلى ذلك، مع ان هذه الشواهد قد كانت لها مسبباتها ومناسباتها وضروراتها، فقد كان الاسلام - في أول امره - يجاهد جهادا عنيفا لتثبيت دعامة بين الناس ونشر لوائه في الوجود، وكانت كتيبة الاسلام تتعرض للاخطار المفاجئة والزحوف العامة، وكانت الضرورة تدعو الى ان تقوم النساء ببعض الواجبات التي لا تتنافى مع كرامتهن واعراضهن المستورة، وعفتهن المصونة، وكان المسلمون لا يفكرون في الاستعانة بالنساء في الحروب يوم يرون من الرجال كثرة تغنيهم عن الاستنجاد بالمستضعفات من النساء، ولذلك روى ان ام سليم كانت هي وزوجها أبوطلحة في غزوة حنين، وهي حازمة وسطها ببرد لها، وفي حزامها خنجر، وكانت حاملا بابنها عبدالله فقال لها زوجها: ان هذا الخنجر معك يا أم سليم؟ قالت: ان دنا مني احد من المشركين بعجته بها! فقال ابوطلحة للرسول: ألا تسمع يا رسول الله ما تقول أم سليم؟ فأعادت عليه القول: فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك ويقول لها: «قد كفى الله يا أم سليم»، وفي هذه العبارة المحمدية البليغة فصل الخطاب، فمن الواجب ألا يفكر في الاستعانة بالنساء في مثل هذه الشؤون العامة الا يوم يعجز الرجال، او يتعرضون لزحف عام او خطر شامل.


كما نتحدث عن مشاركة المرأة المسلمة في الحروب والغزوات مشاركة متعددة الصور والمواقف، فمنها تشجيعها لرجال المعركة على الخوض في المعركة ومواجهة العدو مواجهة الأبطال الشجعان، من ذلك ما روت الكتب من كلام الخنساء مع أبنائها ليلة معركة «القادسية» الشهيرة، فقد أذكت حميتهم، وأشعلت جذوة ايمانهم قائلة:


«يا بني انكم اسلمتم طائعين، وهاجرتم مختارين، فاعلموا ان الدار الآخرة خير من الدار الفانية، اصبروا، وصابروا، ورابطوا، واتقوا الله لعلكم تفلحون، انكم لبنو رجل واحد، كما أنكم بنو امرأة واحدة، ما خانت أباكم، ولا فضحت خالكم، ولا هجنت حسبكم، ولا غيرت نسبكم، وقد تعلمون ما أعد الله من الثواب الجزيل في حرب الكافرين، فاذا اصبحتم غدا ان شاء الله سالمين، فاغدوا الى قتال عدوكم مستبصرين، وبالله على أعدائه مستنصرين، واذا رأيتم الحرب قد شمرت عن ساقها، واضطرمت اللظى على سياقها، وجللت نارا على أوراقها، فتيمموا وطيسها، وجالدوا رئيسها عند احتدام خميسها، تظفروا بالغنم والكرامة في دار الخلد المقامة».


فخرج ابناؤها الأربعة قابلين لنصحها، سامعين لأمرها، فتقدموا واحدا بعد واحد ينشدون أراجيز يذكرون فيها وصية أمهم العجوز، وقاتلوا بشجاعة، وأبلوا بلاء حسنا، حتى استشهدوا عن آخرهم، فلما بلغها الخبر، قالت: الحمد لله الذي شرفني بقتلهم، وأرجو من ربي ان يجمعني بهم في مستقر رحمته.


سبحان الله! أي امرأة هذه؟ ما أعظم حكمتها! وما أجزل عبارتها، وما أصدق لهجتها، أي صبر هذا، وأي رضا بقضاء الله هذا، وأي ايمان هذا، أم تدفع بفلذات كبدها الأربع الى ساحة القتال غير هيابة ولا وجلة، وتشجعهم على الاستشهاد في سبيل الله، وحين يأتيها خبر استشهادهم، تحمد الله على ذلك.


انه الاسلام الحق، الذي أضاء قلبها بنور اليقين، فأصبحت - رضي الله عنها - نبراسا للسالكين، فعلى مثل هذا يأسف الدهر، وعلى منهجها يحمد السير، وماتت الخنساء خطيبة النساء يضرب بها المثل في الصبر والثبات.


وعن أمثال أبناء الخنساء الأبطال المغاوير قالت امرأة مسلمة حينما رأت أبناءها الماجدين متماثلين لا  تستطيع تفضيل واحد منهم على أخيه، قالت وهي مغمورة بنشوة الفخر والاعجاب: «هم كالحلقة المفرغة لا يدري أين طرفاها».


ومما يشبه قصة الخنساء قصة امرأة أجابت ولدها حينما قال لها وهو خارج الى المعركة: ان سيفي قصير يا أماه! فأجابت: تستطيع ان تجعله طويلا بخطوات اقدامك يابني!


وكذلك نقرأ في كتب التاريخ ان  احدى اخواتنا  السابقات قصت شعرها وجعلته ضفيرة، وقدمتها لتكون لجاما لأحد الخيول المجاهدة في سبيل الله!


هذه نماذج وصور من المرأة المسلمة في مجال الكفاح والجهاد، تكفي شهادة بما كانت  عليه بنت الاسلام من حرص على المشاركة العملية في ميدان النضال، وعدم التردد والتراجع ساعة الاقدام، وحين الهول!

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي